مجلة المحيط الفلاحي

حول مسألة انتقاء أصناف الزيتون

المحيط الفلاحي : بمناسبة الذكرى المئوية للبحث في المجال الفلاحي بالمغرب ،يجب التذكير بأن البحث الزراعي كان دائما على وعي بالأهمية الإقتصادية والاجتماعية لشجرة الزيتون ببلادنا .وبالتالي يعد المعهد الوطني للبحث الزراعي رائدا في مجال تجميع ودراسة الموارد  الوراثية (الجينية) لهذا النوع النباتي كما هو الشأن بالنسبة لعدد من الأنواع الأخرى .

وتجدر الإشارة إلى أن إنشاء أول مجمع أصناف الزيتون تم في سنة 1927 و يعرف هذا المجمع ،الذي يشتمل على أكثر من 40 صنف من شجرة الزيتون، بالمنارة وهو تابع للمعهد الوطني للبحث الزراعي لمراكش ويضم  أصنافا وطنية وأخرى دولية .وبعد ذلك استأنف إنشاء مجمع أصناف الزيتون لعين تاوجدات منذ سنة 1953 وهو تابع للمعهد الوطني للبحث الزراعي لمكناس . ويشمل هذا المجمع حاليا أكثر من 126 صنفا لشجرة الزيتون موزعة بين ما هو وطني وما هو دولي ينتمي لأكتر من عشر دول مختلفة وتجدر الإشارة أن هذين المجمعين لأصناف الزيتون ما فتئا يتوسعان ليشملا أصنافا وسلالات أخرى لشجرة الزيتون وذلك بهدف تقوية برنامج المعهد الوطني للبحث الزراعي للتحسين الوراثي لشجرة الزيتون وبالتالي من أجل النهوض بقطاع الزيتون ببلادنا .ونظرا للأهمية القصوى التي حضي بها القطاع بالمغرب خلال السنوات الأخيرة ، فقد أصبح من الضروري تجميع وتقييم مختلف نتائج الأبحاث التي يتوفر عليها المعهد الوطني للبحث الزراعي في هذا المجال ذلك منذ عدة سنوات. بحيث أنه منذ بداية إنشاء المجمعات الوراثية لشجرة الزيتون ،قام المعهد الوطني للبحث الزراعي بعدة دراسات لمختلف الأصناف الوطنية والدولية  التي تشتمل عليها هذه المجمعات الوراثية (الجينية). وقد اهتمت  هذه الدراسات أساسا بجرد المواصفات المورفولوجية لمختلف أصناف الزيتون. كما أنها اهتمت بتقييم القدرات الزراعية لهذه الأخيرة وذلك في مناطق مختلفة من المغرب كل هذا بغية إختبار مدى تأقلم مختلف الأصناف مع الظروف الطبيعية (المناخ ، التربة …) لكل واحدة من الجهات التي تمت فيها هذه الأبحاث. وقد أجريت هاته التجارب للكشف عن الأصناف الأكثر تأقلما والأكثر مردودية  والتي يمكن أن ننصح بها مزارعي شجرة الزيتون من أجل توسيع المساحات المخصصة لهذه الزراعة ورفع المردودية  وتحسين دخل المزارعين .وقد تمت الدراسات التي أقيمت على الموارد الوراثية (الجينية) لشجرة الزيتون بالاعتماد على مناهج العمل المتبعة على الصعيد الدولي وبالتالي وفي إطار المشروع الدولي «الموارد الجينية للزيتون.» الهادف إلى توحيد مواصفات أصناف الزيتون لدى جميع الدول التي تتواجد فيها هذه الزراعة فقد قام المعهد الوطني للبحث الزراعي بدراسة للموارد الوراثية (الجينية) لشجرة الزيتون المتواجدة بمجمعي المنارة وعين تاوجدات وذلك بالاعتماد على دليل المواصفات المبلور من طرف المجلس الدولي للزيتون  لسنة 1997 وقد تم نشر نتائج هذه الدراسة سنة 2002 من طرف المعهد الوطني للبحث الزراعي  .

وعلى غرار كل الدراسات الأولية لأصناف الزيتون المتواجدة بالضيعات التجريبية للمعهد الوطني للبحث الزراعي (المنارة وعين تاوجدات) فقد أظهرت بعض أصناف الزيتون عن مواصفات هامة ومبحوث عنها من أجل تطوير الانتاج وتتعلق هذه المواصفات أساسا  بمردودية إنتاج الزيتون ، بنسبة الزيت في الزيتون و بمقاومة بعض الأمراض والطفيليات التي تشكل عائقا بالنسبة لتحسين إنتاج شجرة الزيتون .

وقد دأب المعهد الوطني للبحث الزراعي على إقامة واتباع عدد من التجارب والأبحاث المتعلقة بالأصناف التي تعتبر ذات مواصفات هامة في العديد من الدول المنتجة للزيتون. وذلك في العديد من المناطق وفي ظروف طبيعية مختلفة (مناخ، تربة …) كما أن الهدف الأساسي من هذه التجارب هو إختبار مدى ملائمة هذه الأصناف ذات الأصول المختلفة مع الظروف الطبيعية الخاصة بكل واحدة من المناطق التي أجريت بها هذه الأبحاث .وقد تم نشر بعض نتائج هذه الأبحاث المتعلقة بمناطق مكناس ،تاونات وتيساف التابعة لبولمان. وهناك عدد من التجارب في نفس السياق تعد في طور الإنجاز وتخص مناطق اخرى من التراب الوطني .

وتتعلق هذه التجارب بمناطق فاس ،تازة ،الناظور، سطات … وتجدر الإشارة في الأخير إلى أنه رغم المجهودات الكبيرة التي يقوم بها جل المتدخلين ، فإن مردودية قطاع الزيتون لم ترق إلى مستوى القدرة الإنتاجية لهذا الأخير سواء تعلق الأمر بالمناطق البورية أو المسقية ولذلك  تعتبر المادة النباتية المزروعة (أصناف الزيتون) أحد الركائز للنهوض بهذا القطاع ، بحيث يتوجب إدماج أصناف وطنية ودولية ذات إنتاجية عالية وملائمة للظروف الطبيعية المحلية .

كما أن اللجوء للأصناف الدولية يجب أن يتم بطريقة مسؤولة وصارمة بحيث يجب أن تعتمد هذه العملية على المعطيات العلمية وعلى نتائج الأبحاث المنجزة  على الصعيد الوطني .وبالنظر إلى عدد الأبحاث المنجزة من طرف فرق البحث التابعة له ،فإن المعهد الوطني للبحث الزراعي يتوفر حاليا على معطيات من شأنها ان تساهم في حل الإشكالية المتعلقة بإنتقاء أصناف الزيتون  وذلك بهدف توسيع المساحات المزروعة بهذه الشجرة كما يحث على ذلك مخطط المغرب الأخضر .

أم كلثوم  كريمي بنشقرون

باحثة في مجال التحسين الوراثي للزيتون بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بمكناس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.