مجلة المحيط الفلاحي

الوقود الأحفوري بالمغرب … القاتل الصامت…

 

يعد المغرب من البلدان العربية الذي يلتهم جزءا ضخما من ميزانية الدولة، من ناحية استيراد حاجيات الطاقات الأحفورية، حيث تعتمد مواد الاحتراق الأحفورية على مركبات عنصر الكاربون، عند احتراق الكاربون مع غاز الأكسجين تنبعث طاقة على شكل حرارة إضافة إلى انبعاث غاز ثنائي أكسيد الكاربون ومواد كيميائية أخرى كأكسيد النيتروجين والسخام وكميات من الجسيمات، مما يعتبر استخدام هذا الوقود الأحفوري من العوامل الرئيسية لتلوث الهواء والتسبب في الإحتباس الحراري. الوقود الأحفوري هو وقود يستعمل لإنتاج الطاقة ويستخرج من المواد الأحفورية كالفحم الحجري، والفحم النفطي الأسود، والغاز الطبيعي ومن البترول، وتستخرج هذه المواد بدورها من باطن الأرض وتحترق في الهواء مع الأكسجين لإنتاج حرارة تستخدم في كافة الميادين، يتميز الوقود الأحفوري بامتلاكه كثافة طاقة عالية وبسهولة نقله وتخزينه، وبمعالجة الوقود الأحفوري بتروكيميائيا، يمكن الاستحصال على أنواع مختلفة منه، وخاصة من الوقود الأحفورية السائلة والغازية، حيث يتم استخراج وقود منها وذلك للاستعمالات المختلفة في المحركات والطائرات والسفن بعد المعالجة البتروكيميائية اللازمة.

فأين تتجلى المخاطر البيئية للطاقات الأحفورية بالمغرب؟ وكيف يمكن تقليل انبعاث الغازات السامة؟ وهل يمكن الاعتماد على الطاقات المتجددة بدل الأحفورية بالمغرب؟.
يعتمد المغرب بشكل كبير على المصادر الأجنبية لتلبية أكثر من 97 % من احتياجاتها من الطاقة. إذ تعتبر من أكبر مستوردي الوقود الأحفوري في شمال افريقيا والشرق الأوسط بحسب ما نقله موقع ويكيبيديا.
تلعب الطاقات الغير المتجددة دورا كبيرا في ظاهرة الاحتباس الحراري الناتج بدوره عن غازات تغلف المجال الجوي وتمنع الانعكاس الحراري الصادر من الأرض من انتقاله إلى خارج الكوكب، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، ويزيد التصحر والجفاف، ويسبب التغير المناخي و فقدان التنوع الايكولوجي وندرة بعض الموارد الطبيعية وغيرها، حيث تعتبر الصناعات في المغرب التي تعتمد على الوقود الأحفوري كالفحم، النفط، الغاز الطبيعي، كمصدر أساسي للطاقة من أكبر مصادر الملوثات الهوائية إذ ينطلق منها عند احتراقها كميات كبيرة جداً من الغازات والجسيمات التي تعمل من خلال تراكمها في الغلاف الجوي على تغيير إفساد تركيبة الهواء، مما يؤدي إلى حدوث خلل في نظامه الأيكولوجي ويصبح معه الهواء مصدرا لكثير من المخاطر والأضرار التي أصبحت تهدد كافة الكائنات الحية على الأرض، وذلك نتيجة لتعدد أنواع الغازات والشوائب التي تتصاعد إلى الهواء نتيجة إحراق الوقود في المصانع، وفي محركات السيارات ومحطات القوي حيث تعتمد في توليد الكهرباء على الوقود الأحفوري بنسبة 80,4% (الفحم: %54,8، الغاز: %18,5، والنفط: %7,1) وعلى الطاقات المتجددة بنسبة %19,6 (كهرومائية: %7,3، ريحية: %8,1، وأخرى: %4,2) كما أوردته مجلة علمية متخصصة. مما يجعل الهواء ملوثاً بثنائي أكسيد الكاربون وثنائي أكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين وأول أكسيد الكاربون وتلوثه أيضا بعوادم السيارات والرصاص. وبحسب نفس المصادر، فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون في المغرب بلغت 1,6 طن للفرد الواحد في سنة 2015، أي ما يعادل % 36 من المتوسط العالمي وهي أعلى ب 58% من المتوسط الأفريقي. وقد ذكرت تقارير للجنة المشتركة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأرصاد الدولية أن حرارة الأرض شهدت ارتفاعاً بنحو 0.7 درجة مئوية خلال القرن العشرين، و ذلك بسبب الزيادة في تركيزات الغازات الدفيئة، وكذلك أوضح بيان للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن حالة المناخ في 2018 أنه هناك ارتفاع قياسي في مستوى سطح البحر، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في البر والبحر بشكل غير عادي طوال الأربع سنوات الماضية، والاستمرار الحراري مستمر منذ بداية هذا القرن، ويتوقع أن يستمر في المستقبل، حيث صرح السيد بيتيري تالاس الأمين العام للمنظمة أن” ظواهر الطقس المتطرف استمرت في بداية 2019، وآخرها الإعصار المداري آيداي، الذي تسبب في فيضانات مدمرة وخسائر هائلة في الأرواح في موزامبيق وزمبابوي وملاوي. وربما يتبين أن يكون الإعصار من بين الأعاصير الأكثر فتكاً في نصف الكرة الجنوبي”.
وأصدرت منظمة السلام الأخضر تصنيفا دوليا جديدا وضعت المغرب ضمن المناطق التي تشهد أعلى معدلات انبعات ثاني أكسيد الكبريت الذي يعتبر واحدا من الملوثات الرئيسة للهواء، وبالتحديد من محطات الطاقة الحرارية، حيث تمت الإشارة إلى طريق الجرف الأصفر طريق الجديدة وطريق المحمدية بالقرب من الدار البيضاء، حيث ينبعث منها 113 و73 كيلو طن من ثنائي أكسيد الكبريت سنويًا، بالإضافة لمحطة ثالثة تقع في آسفي، وتصدر 30 كيلوطن سنوياً. إذ احتل المغرب السادس عربيا و25 عالميا، حيث يساهم بـ216 كيلو طن سنويا من انبعاثات ثاني أوكسيد الكبريت.

وقد ازداد اهتمام المغرب في الآونة الأخيرة بالبحث والتطوير واستخدام التكنولوجيا الحديثة لاستغلال مصادر الطاقة المتجددة كبديل للوقود الأحفوري، وقد أسهمت المخاوف البيئية المتزايدة والتعهدات الدولية بقيود انبعاث الغازات الضارة إسهاما كبيرا في حفز التوجه العالمي إلى استخدام الطاقة المتجددة، نظرا أنها أحد وسائل حماية البيئة، حيث تعتبر مصدرا نظيفا للطاقة لا ينتج عنه ملوثات بيئية، لذلك فالمغرب يهتم بتطوير هذا المصدر من الطاقة ويضعه هدفا يسعى لتحقيقه. لهذا قرر المغرب بناء محطة شمسية للطاقة المركزة من أكبر المحطات، توجد بمدينة ورزازات بالجنوب الشرقي للبلاد وأطلق عليه اسم “نور”، وحسب الصحفية والمدونة هند السباعي الادريسي، فإنه يتوقع بأن تتمكن سلسلة “نور” من توفير نصف احتياج المغرب من الكهرباء بحلول العام 2020 ، و”نور1″ هي المحطة الأولى وتضم 500 ألف لوحة شمسية مقوسة مصفوفة على 800 خط ويبلغ علوها 12 مترا تتحرك بحسب حركة الشمس، لالتقاط وتركيز الأشعة طوال الدورة الشمسية اليومية، والاعتماد على استعمال الطاقات المتجددة سيمكن المغرب من تقليص الارتهان للطاقات الأحفورية، حيث ينتظر خفض مساهمة الفحم في إنتاج الكهرباء بين 2010 و2020 من 48 % إلى 26 % والفيول من 20 إلى 14 %. إضافة إلى تقليص اعتماد البلاد على الطاقة بنحو 2.5 مليون طن من النفط. وسيؤدي استغلال أشعة الشمس الوفيرة في توليد الطاقة إلى تجنيب المغرب التعرُّض لتقلبات تكاليف الاستيراد، إلى جانب إتاحة إمكانية تصدير الطاقة الخضراء إلى أوروبا والمنطقة، كما أضافت أيضا أنه يتوقع توفر محطة نور للطاقة الشمسية المركَّزة، التي ستضم ثلاث محطات، قدرة توليد مركَّبة تتجاوز 500 ميجا واط ليوفّر في النهاية الكهرباء لنحو 1.1 مليون مغربي بسنة 2018. وهذا سيؤدي على حسب التوقعات إلى تقليص الانبعاثات الكربونية بواقع 760 ألف طن سنوياً، وهو ما قد يعني خفض الانبعاثات الكربونية بواقع 17.5 مليون طن خلال 25 عاما. وتعد هذه خطوة بالغة الأهمية في برنامج المغرب للطاقة الشمسية الذي يستهدف إنتاج الطاقة الشمسية بقدرة مركَّبة قدرها 2 جيجا واط بحلول عام 2020. ويؤكد هذا المشروع تصميم المغرب على تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، والتحول إلى زيادة استخدام الطاقة المتجددة، والمضي نحو تبني استراتيجية إنمائية منخفضة الانبعاثات الكربونية.

إن التغير المناخي قضية تهم جميع البشر ومسؤولية يجب أن نتحملها جميعا حتى لا تتضرر الأجيال القادمة، إذا كنا نريد تجنب اسوأ آثار تغير المناخ فإننا نحتاج إلى تغييرات سريعة بعيدة المدى لمستقبل أكثر استدامة، فحياة الإنسان مرتبطة بهذا التغير، فكلما تعرض المناخ والهواء للثلوت كلما أصبحت حياته مهددة. وبما أن الانسان هو العامل الأول لتلوث المناخ فإنه أيضا هو القادر على إيجاد حلول للحد من تطوير مشاريع جديدة للوقود الأحفوري والتوقف عن تمويلها والانتقال إلى طاقة متجددة واقتصاد أكثر عدالة.

بقلم :  أحلام صبير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.