في حوار صحفي مع مجلة “المحيط الفلاحي” رئيس رابطة جمعية الامم المتحدة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشيد بالتقدم الزراعي بالمغرب
في سياق التحولات الكبرى التي يشهدها العالم اليوم على مستوى التنمية المستدامة والأمن الغذائي، تلعب الزراعة دورًا حاسمًا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ولعل المغرب من أبرز الدول التي اتخذت خطوات جادة نحو تحقيق نهضة زراعية متكاملة، تنطلق من رؤية استراتيجية شاملة تستجيب للتحديات العالمية كالتغير المناخي والندرة المائية. تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبإشراف وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، استطاع المغرب أن يحقق قفزات نوعية في هذا المجال، ليصبح نموذجًا رائدًا في تبني حلول زراعية مبتكرة، قائمة على الاستدامة والتكنولوجيا الحديثة.
ولمعرفة المزيد عن هذه التجربة الريادية، والاطلاع على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للتعاون الزراعي المغربي الأفريقي، كان لنا هذا الحوار المميز مع السيد أحمد حسن، رئيس رابطة جمعية الأمم المتحدة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. السيد أحمد حسن هو من الشخصيات البارزة في مجاله، ويحظى بخبرة واسعة في متابعة قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستويين الإقليمي والدولي. نناقش معه في هذا الحوار العوامل التي أسهمت في نجاح التجربة الزراعية المغربية، وكيف يسعى المغرب لنقل هذه التجربة إلى دول القارة الأفريقية لتعزيز التعاون جنوب-جنوب، وتقديم نموذج يُحتذى به في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الزراعية المستدامة.
#السيد أحمد حسن ، كيف ترون التطور الزراعي في المغرب وما هي العوامل التي أسهمت في تحقيق هذا التقدم..؟
أشكرك الاستاذ عادل . ما يحدث في المغرب على صعيد التنمية الزراعية يستحق الإشادة والتقدير الكبير . لقد أصبحت المملكة المغربية في السنوات الأخيرة نموذجًا يحتذى به في مجال الزراعة المستدامة، وذلك بفضل الرؤية والقيادة الاستراتيجية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ، والتي تعتمدها وزارة الفلاحة تحت إشراف معالي وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد صديقي. إن جهوده الملموسة وأساليبه المبتكرة قد ساهمت بشكل كبير في تعزيز الأمن الغذائي وتحسين الإنتاجية الزراعية في المملكة المغربية.
#كيف ساعدت هذه المبادرات على تحقيق الأمن الغذائي في المغرب، وهل يمكن القول إن المغرب قريب من تحقيق اكتفائه الذاتي…؟
بلا شك، المملكة المغربية قطعت شوطًا كبيرًا نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. الجهود المبذولة من طرف وزارة الفلاحة، تتجه نحو زيادة الإنتاج وتحسين جودة المنتجات الزراعية، بما في ذلك المحاصيل الأساسية الخضروات والفواكه والتي تصل للمواطن المغربي بأثمنة مشجعة . وذلك بفضل التقنيات المتطورة مثل الري بالتنقيط والزراعة الذكية، من ما جعل المملكة المغربية قادرًة على مواجهة تحديات المناخ وضمان استمرار الإنتاج حتى في فترات الوباء العالمي كوفيد 19 ومرحلة الجفاف حاليا.
ومن المهم الإشارة إلى أن الاكتفاء الذاتي لا يقتصر على الجانب الكمي فقط، بل يشمل أيضًا الجودة والسلامة الغذائية، وهو ما يتميز به المغرب بفضل برامج مراقبة الجودة وتشجيع الإنتاج العضوي. إلى جانب ذلك، يساهم المغرب بشكل ملحوظ في تأمين احتياجات السوق الأفريقية من المنتجات الزراعية، ما يعزز مكانته كقوة زراعية إقليمية.
# ذكرتم الدور المغربي في نقل التجربة الزراعية إلى أفريقيا. كيف تقيمون هذه الجهود، وما هو أثرها على التنمية الزراعية في القارة…؟
المملكة المغربية الشقيقة لا تكتفي بتحقيق الإنجازات داخل حدودها، بل تسعى أيضًا إلى مشاركة تجربتها الزراعية الناجحة مع باقي دول القارة الأفريقية . المغرب لديه رؤية واضحة للتعاون جنوب-جنوب، وخاصة في المجال الزراعي، حيث تلعب دورًا رياديًا في دعم التنمية الزراعية والصيد البحري في أفريقيا. من خلال برامج التكوين والتأهيل، بالخصوص في مجال الصيد البحري مع عدة دول غرب إفريقيا. وفي هذا الصدد، تمّ إبرام اتفاقيات التعاون بين المملكة المغربية و عدة دول افريقيا هنا نذكر السينغال والغابون وغينيا وغينيا الاستوائية والكونغو، والكونغو الديمقراطية، وساحل العاج ونيجيريا وغانا وأنغولا والرأس الأخضر والبنين وبوروندي.
وقد رأينا العديد من الاتفاقيات الثنائية التي عقدها المغرب مع دول أفريقية شقيقة أخرى في مجال الزراعة والصيد البحري، حيث يتم تبادل الخبرات والممارسات الجيدة، مما يساهم في تعزيز الأمن الغذائي وتحسين الإنتاجية الزراعية في تلك الدول. لا يمكن إنكار أن هذه الشراكات تساهم في استقرار المجتمعات الأفريقية، فهي تؤدي إلى تحسين الظروف المعيشية وتعزيز قدرات المزارعين المحليين.
# كيف ترى هذه الشراكات من منظور التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة الأفريقية بصفتكم تتابع الاحداث الاقتصادية والاجتماعية عن قرب..؟
التعاون الزراعي بين المغرب والدول الأفريقية له أبعاد اقتصادية واجتماعية كبيرة. عندما تساعد دولة ما في تحسين قطاع الزراعة في دولة أخرى، فإن ذلك يساهم بشكل مباشر في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص العمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. الزراعة ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل هي رافعة للتنمية المستدامة والاقتصادية و التي تؤدي إلى استقرار المجتمعات وتخفيف الفقر.
أحد أهم الأمثلة على ذلك هو مشروع التعاون المغربي القائم حاليا مع دول عدة بافريقيا ، حيث يقدم المغرب الخبرة والدعم الفني لمواجهة التحديات المناخية والزراعية في تلك المنطقة. بفضل هذه المبادرات، أصبحت العديد من الدول الأفريقية قادرة على تحسين إنتاجيتها الزراعية، وبالتالي تعزيز قدرتها على مواجهة تحديات الفقر والجوع.
# في ظل التحديات العالمية مثل التغير المناخي والندرة المائية، كيف ترى المغرب يتعامل مع هذه القضايا في إطار سياسته الزراعية..؟
في نظري ان التحديات العالمية المتزايدة مثل التغير المناخي وندرة الموارد المائية، برز المغرب كأحد الرواد في تبني سياسات زراعية مبتكرة وفعالة للتعامل مع هذه القضايا. فالمغرب، الذي أدرك مبكرًا خطورة التغير المناخي على القطاع الزراعي، اعتمد على مجموعة من الاستراتيجيات التي تهدف إلى التخفيف من التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة. ومن أبرز هذه السياسات، الاعتماد على أنظمة الري الحديثة التي تساهم في الاستخدام الأمثل للموارد المائية، بالإضافة إلى تبني الطاقة المتجددة في العمليات الزراعية بهدف تقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة.
كما قام المغرب باستثمارات هامة في مشاريع بيئية تسعى إلى تعزيز الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، ليس فقط لحماية البيئة، بل لتحسين الظروف الزراعية وتوفير بيئة مستدامة للمزارعين. ومن بين هذه المبادرات البارزة، استراتيجية “غابات المغرب 2030” في القطاع الغابوي ، التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، والتي تهدف إلى توسيع الغابات وحمايتها. إلى جانب ذلك، تأتي استراتيجية “الجيل الأخضر”، التي تمثل رؤية طموحة للنهوض بالقطاع الزراعي وتكييفه مع التحديات المناخية.
# السيد أحمد حسن كيف تقيمون دور وزارة الفلاحة في دعم صغار المزارعين في المغرب كنمودج حي في افريقيا ، خاصة في ظل التطورات التكنولوجية…؟
وزارة الفلاحة المغربية، تحت إشراف معالي وزير الفلاحة، تولي اهتمامًا كبيرًا لصغار المزارعين، وهي تدرك أن نجاح القطاع الزراعي يعتمد بشكل كبير على تمكين هؤلاء المزارعين من الوصول إلى الموارد والتقنيات الحديثة. الوزارة تعمل على توفير برامج تمويلية ودعمات موجهة خصيصًا لصغار المزارعين لمساعدتهم على تحسين الإنتاجية والاستفادة من التقنيات الزراعية الحديثة.
أحد الجوانب التي أعتقد أنها مهمة جدًا هو الاستثمار في التكوين والتدريب. المزارعون الصغار بحاجة إلى التوجيه والدعم الفني لكي يتمكنوا من تطبيق أحدث الممارسات الزراعية على أراضيهم. وقد شهدنا بالفعل نجاح العديد من المشاريع التي استفادت من هذه البرامج في المملكة المغربية الشقيقة ، مما يعزز من دور الزراعة كركيزة أساسية للتنمية المستدامة.
# كيف ترون المستقبل الزراعي للمغرب كدولة نموذجية بإفريقيا في ظل كل هذه التطورات والجهود المبذولة..؟
أرى أن مستقبل الزراعة في المغرب واعد جدًا. بفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الفلاحة والمبادرات الطموحة التي اطلقها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ، أعتقد أن المغرب سيواصل تقدمه في هذا المجال ويعزز مكانته كواحد من أبرز الدول الزراعية في المنطقة. المستقبل يعتمد على الاستمرار في الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية والاستدامة البيئية، وكذلك على توسيع نطاق التعاون مع الدول الأفريقية والعالمية.
المغرب لديه الموارد والإرادة السياسية لتحقيق المزيد من التقدم في القطاع الزراعي، وأنا على يقين أن التحديات مثل التغير المناخي أو الندرة المائية سيتم تجاوزها بفضل الحلول المبتكرة التي يعتمدها المغرب ومنها المشاريع الطموحة كتحلية مياه البحر ومشاريع الطاقة الشمسية وغيرها من المشاريع المهمة التي يتم إطلاقها بالمملكة المغربية الشقيقة .
# في الختام، ما هي رسالتكم للمجتمع الزراعي المغربي والدولي في ضوء هذا التطور الكبير…؟
رسالتي هي أن التعاون هو المفتاح. لا يمكن لدولة أن تحقق النجاح الزراعي بمفردها. يجب أن نعمل جميعًا من أجل تحقيق الأمن الغذائي والاستدامة ، سواء على مستوى المغرب أو على مستوى القارة الأفريقية ككل. أتمنى أن تستمر هذه الديناميكية الإيجابية وأن نرى المزيد من النجاحات في المستقبل.
أشكركم مجددًا على هذه الفرصة، وأتمنى لمجلة “المحيط الفلاحي” المتتخصصة في القطاع الزراعي دوام النجاح في تسليط الضوء على القضايا المهمة المتعلقة بالزراعة والتنمية الاقتصادية بالمملكة المغربية الشقيقة وإفريقيا بصفة عامة .كما أقدم الشكر الجزيل لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله على التنمية الكبيرة التي تشهدها البلاد وبالخصوص الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.
شكرًا جزيلاً لك، السيد أحمد حسن رئيس رابطة جمعية الامم المتحدة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على هذا الحوار القيم والمفيد.
#المحيط الفلاحي: أجرى الحوار عادل العربي