مجلة المحيط الفلاحي

مشروع تحلية مياه الداخلة: رؤية ملكية لتحقيق الاستدامة المائية والاقتصادية في الصحراء المغربية..

يمثل مشروع محطة تحلية مياه البحر في الداخلة، المتوقع اكتماله في السنة المقبلة صيف 2025، نقطة تحول جذرية في مسار التنمية المستدامة في المغرب، ويجسد بوضوح الرؤية الثاقبة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الذي لطالما وضع مسألة الموارد الطبيعية واستدامتها في قلب اهتماماته الاستراتيجية. يأتي هذا المشروع الطموح كجزء من الجهود المستمرة لتعزيز الأمن المائي في المملكة، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي يفرضها تغير المناخ وندرة الموارد المائية.

في منطقة تعتبر من أكثر المناطق جفافًا في المغرب، تتألق هذه المحطة كحل مبتكر ومستدام لمعالجة مشكلة شح المياه. إذ ستمكن هذه المحطة من سحب كميات هائلة من مياه البحر، وتصفيتها وتحليتها باستخدام أحدث التقنيات التي تضمن كفاءة عالية في معالجة المياه، مع مراعاة التوازن البيئي الدقيق. إن النظام المتطور الذي يعيد توزيع الملوحة بشكل متساوٍ في البحر، دون التأثير سلبًا على الحياة البحرية، يعكس مدى التزام المملكة بالحفاظ على البيئة الطبيعية، وهو جزء من الرؤية الملكية التي تسعى لجعل المغرب نموذجًا عالميًا في الاستدامة البيئية.

لكن الأهمية الكبرى لهذا المشروع لا تقتصر على توفير المياه الصالحة للشرب فقط. بل يتجاوز ذلك إلى بعد استراتيجي آخر، حيث سيستخدم جزء من هذه المياه المحلاة لري حوالي 5200 هكتار من الأراضي الزراعية، مما يساهم في تحويل المنطقة إلى واحة خضراء قادرة على دعم الأنشطة الزراعية المستدامة. هذه الخطوة تندرج ضمن رؤية جلالة الملك الهادفة إلى تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاكتفاء الذاتي في المناطق الجنوبية بالصحراء المغربية، وهي جزء من خطة شاملة لتطوير المناطق النائية وتحقيق التنمية المتوازنة في كل جهات  المملكة.

ويمثل اعتماد المشروع بالكامل على الطاقة الريحية المتجددة، دون الحاجة إلى أي مصادر طاقة تقليدية، إنجازًا آخر يُحسب للمغرب في مسيرته نحو الاستقلالية الطاقية. إن دمج الطاقات المتجددة في مثل هذه المشاريع الكبرى يعكس التزام المملكة بخفض الانبعاثات الكربونية والتحول نحو اقتصاد أخضر ومستدام، في انسجام تام مع التوجيهات الملكية السامية التي تسعى إلى تحقيق تنمية مستدامة تحترم البيئة وتدعم الاقتصاد الوطني.

ومن الجدير بالذكر أن هذا المشروع يأتي في إطار سلسلة من المبادرات الملكية الرامية إلى تعزيز البنية التحتية المائية بوطننا الحبيب ، حيث لم يدخر جلالة الملك حفظه الله أي جهد في سبيل ضمان تزويد كل مناطق المغرب، خاصة المناطق الجنوبية التي تعاني من الجفاف، بالمياه الضرورية للحياة وللنشاط الزراعي. فهذه المحطة ليست فقط مشروعًا هندسيًا، بل هي أيضًا تجسيد لرؤية استراتيجية شاملة تنظر إلى المستقبل بعين ثاقبة، واضعة نصب عينيها حاجات الأجيال القادمة وضمان رفاههم.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن محطة تحلية مياه البحر بالداخلة هي أكثر من مجرد بنية تحتية مائية؛ إنها شهادة على مدى قدرة المغرب، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، على تحويل التحديات إلى فرص، والمخاطر إلى نجاحات. ومن خلال هذا المشروع، يثبت المغرب مجددًا أنه قادر على الابتكار وإيجاد حلول عملية ومستدامة للمشاكل المعقدة، ليظل دائمًا في طليعة الدول التي تتبنى سياسات بيئية واقتصادية متقدمة.

وهكذا، يجسد هذا المشروع الضخم رؤية جلالة الملك السامية في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، من خلال استثمار الموارد الطبيعية بشكل حكيم ومسؤول، وضمان توفير المياه والطاقة بشكل يكفل استدامتها للأجيال القادمة. إنه مشروع يحمل في طياته الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل، حيث يكون المغرب قادرًا على مواجهة التحديات المائية والزراعية بفضل رؤية ملكية استباقية وضعت أسسًا قوية للتنمية المستدامة في البلاد.

#عادل العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.