مجلة المحيط الفلاحي

الأسكدنيا تطيح بعرش الزيتون في برما

ودع الستيني يحيى مبارك رفيقات دربه ـ كما يحلو له أن يدعوها ـ قبل أن يواريها التراب بهدف حرقها وتحطيبها من أجل تصنيع الفحم بعد أن غادرت الحياة عروق شجرات الزيتون التي بذل الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ عليها دون فائدة.
«برما» التي طالما عُرفت بزيتونها الرومي والنيبالي البلدي، يتعجب زائرها اليوم من اختفاء أشجار الزيتون من على طرقاتها وبياراتها وانتشار مزارع الأسكدنيا بدلا منها، وذلك يعود بحسب المزارعين وأبناء المنطقة، إلى جفاف الينابيع وعدم وصول المياه في بعض المناطق الأخرى، ما أدى إلى نشفان الأشجار واختفاء ثمارها تدريجيا خلال السنوات الماضية.
تعاني بلدية برما من نقص الخدمات وتشتكي إهمال الجهات الرسمية للقطاع الزراعي من ناحية تلوث الينابيع وعدم صيانتها. فيما تلقي مديرية الزراعة في جرش باللوم على الأهالي الذين أهملوا العناية بأشجار الزيتون سواء بسبب الظروف الاقتصادية أو عمدا بهدف تحطيبها أو بيعها للمشاتل. حول هذه المحاور وغيرها كان هذا التقرير.

المزارع في برما يعاني من جفاف الأرض
يملك المزارع يحيى يوسف مبارك أرضا مساحتها ثمانية دونمات كانت مزروعة بأشجار الزيتون إلى ما قبل أكثر من شهرين، حيث اضطر إلى خلعها وتحطيبها وزراعة أشجار الأسكدنيا.
يقول مبارك: «من وقت ما وعيت على الدنيا وأشجار الزيتون جزء من العائلة، كان الموسم يدخل 7 آلاف دينار لكن بسبب جفاف الينابيع وعدم وصول المياه من الآبار الأخرى نشفت الأشجار باعتبارها زيتونا مرويا وأصبح مردود ثمرها في الثلاث سنوات الماضية 200 دينار فقط.»
والحاج مبارك لا يملك أي راتب تقاعدي أو ضمان، ويعيل أسرة كبيرة مكونة من 17 فردا، لذلك قدم شكوى إلى مديرية الزراعة وطلب خلع الشجر، بدورها وافقت المديرية على ذلك بعد عملية الكشف الميداني على الزيتون، كما وافقت على تحطيبها.
ويضيف «من ثمن بيع الحطب، قمت بشراء شتلات الأسكدنيا الإسرائيلية لأنها تعطي ثمرا خلال عامين فقط، وزرعنا الأرض كاملة ونتوقع أن تأتي بحصاد لا يقل عن 9 آلاف دينار، حيث تعطي الشجرة الواحدة 6 دنانير».
مبارك أقبل على زراعة الأسكدنيا كونها ناجحة جدا في المنطقة، وبعض الأشخاص يضمّنون أراضيهم بـ 12 و 20 ألف حسب مساحة الأرض. وهذا العام يتوقع موسما جيدا تبعا لمستوى الأمطار.
ويضم قضاء برما عشرة تجمعات سكانية هي، دبين، والمجدل، والجزازة، وهمتا، وعليمون، وبرما، وخشيبا الشرقية والغربية، والقصبة، والفوارة، والهونا والمعراض. مساحته 96 ألف دونم وعدد سكانه 22 ألف نسمة، وبعض هذه المناطق لا تزال خارج التنظيم ومنها برما التي يعيش فيها مبارك وأبناء عمومته وأقاربه، حيث لا تصل إليهم مياه الشرب ولا يحظون بأي من خدمات البنية التحتية.
ويوضح مبارك وعلامات الإحباط بادية على وجهه «نشتري تنكات المياه التي نجهل مصدرها وغالبا ما نجد فيها العلق». أما عن مياه الري فيقول «اتفق أفراد العائلة على مد خط أنابيب من الينابيع على حسابنا الشخصي ويصل سعر المتر إلى 100 دينار».
جار يحيى وأخوه في الوقت نفسه، لايزال يحتفظ بأشجار الزيتون الخاصة فيه رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشها جراء انقطاع المياه.
يقول جميل مبارك «أشجار الزيتون في برما تعيش على الري، وبسبب شح المياه، اضطررت لشراء مياه مخصصة للري، إلى جانب مد خط أنابيب. إلا أن الاعتداءات المستمرة على الأنابيب وتردي الأحوال المادية وصعوبة شراء المياه، حال دون الحصول على موسم قطاف جيد».
وأشار إلى اهتمام الجهات الرسمية في بعض قرى برما بمد القنوات من الينابيع، ومناطق أخرى مهملة بالكامل. ولا يستبعد أن يستبدل الزيتون بالأسكدنيا كحال جيرانه في حال تردت الأوضاع أكثر من ذلك وقل القطاف.
ثلاثة مشاهد هي الطاغية في برما، أشجار زيتون تكتسي باللون الأصفر، أراض محروثة حديثا بعد اقتلاع الأشجار، تحضيرا لزراعة الحمضيات، ومزارع مليئة بالأسكدنيا.
دائرة الإحصاءات العامة أصدرت عام 2012 إعلانا عن برما كأحد جيوب الفقر، ومن خلال «مؤسسة نهر الأردن» تم تخصيص مبلغ 500 ألف دينار لتنمية المنطقة. إلا أن المستفيدين توجهوا لمشاريع الأغنام والألبان، كونها مضمونة أكثر.

برما تشتكي التهميش

حول أهم التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي في القضاء، يقول رئيس البلدية صالح البرماوي «80 ٪ من البنية التحتية وشبكة الطرق الزراعية بحاجة إلى صيانة. فقد مضى عليها 25 عاما منذ آخر مرة قامت الحكومة بصيانتها، رغم المطالبات المتكررة ومخاطبة وزير الأشغال».
وأهم المشاكل الزراعية ـ بحسب البرماوي – غياب الاهتمام من قبل مديرية زراعة جرش، وعدم رش أشجار الزيتون التي يبلغ عددها مليوني شجرة. والبلدية لا تملك الموازنة الكافية لتغطية مثل هذه المتطلبات. إذ تصل موازنة البلدية إلى 500 ألف دينار، من ضمنها الرواتب وأجور الموظفين وصيانة الآليات والمحروقات.
سميت برما بهذا الاسم لكثرة الينابيع فيها «بر وماء». حيث وجد فيها 101 ينبوع ماء، لكنها تقلصت لقلة الصيانة، وتلوثت بسبب الحفر الامتصاصية والزيادة السكانية. و»البلدية لا تزال تنتظر وعدا من وزير المياه حازم الناصر بتأمين مشروع صرف صحي».
ويبرر البرماوي توجه المزارعين إلى زراعة الأسكدنيا خلال العشرة أعوام الماضية كونها ناجحة جدا في المنطقة، وبسبب قلة الخدمات المقدمة لزراعة الزيتون ما أثقل كاهل المواطنين بالخسائر والظروف المادية الصعبة.
واستنكر عدم وجود مديرية زراعة في القضاء أو على الأقل مكتب زراعة، علما أن قضاء برما أكثر ما يحتاج إلى خدماتها نظرا لطبيعة المنطقة ومن أجل متابعة الشؤون الزراعية.
يذكر أن في القضاء 6 آبار، خمسة منها مملوكة للقطاع الخاص والأخير لسلطة المياه. فيما تبقى الينابيع مهجورة للتلوث والهدر في الوديان.

قلع الزيتون

وللحديث عن دور مديرية الزراعة في انعاش القطاع الزراعي في برما والسماح بقلع أشجار الزيتون، ألقى مدير مديرية الزراعة في جرش المهندس بسام الفاعوري باللوم على المزارعين الذين أهملوا الأرض بشكل كبير، معتبرين شجرة الزيتون مجبرة على منحهم الإنتاج سواء اعتنوا بها أو لم.
ويضيف «تمتاز برما بتربة خصبة ومعدل أمطار جيد، وتشتهر بأشجار الزيتون التي لا يعي الكثير من أبنائها أنها تحتاج للخدمة. وربما تقف الظروف الاقتصادية الصعبة عائقا في سبيل ذلك، بسبب ارتفاع كلفة العمالة أثناء موسم القطاف، وارتفاع تكلفة الحراثة والأسمدة».
سنوات الجفاف الماضية، وانتشار الأمراض والحشرات، وعدم اتباع المزارع لبرامج الرش المناسبة، جميعها أسباب ساهمت في تناقص مرود إنتاج أشجار الزيتون، لذلك يشعر المزارع أن هذه الأشجار أصبحت عبئا عليه، ويريد التخلص منها سعيا إلى الربح السريع.
وكشف الفاعوري عن أسلوب جديد في التحايل، حيث يطالب العديد من المزارعين بقلع أشجار الزيتون الرومي الموجودة في أراضيهم بحجة أنها جافة وميتة لا تمنح ثمرا. بينما يكون على اتفاق مسبق مع أصحاب المشاتل بهدف بيعها لأصحاب الملايين والقصور في عمان بمبلغ ألف أو ألفي دينار «أصحاب الملايين يبحثون عن الزيتون الرومي كلوحة جمالية تزين مزارعهم وحدائق بيوتهم».
وبما ان هذه التجارة لها مردودها العالي والسريع، أصبحت وللأسف الشديد تشجع المزارعين على إهمال الزيتون لضمان الحصول على الموافقة بخلعه. إلا أن المديرية ـ على حد قوله ـ تعتبر الزيتون الرومي ثروة وطنية، يترتب على إزالتها من دون موافقة الوزارة مخالفة في حال ضبطت. وتمنح المديرية الموافقة في حال كشف المهندس الزراعي المسؤول عليها وقرر أنها فعلا جافة ولا يمكن إعادة شبابها من جديد. والطريقة الوحيدة لذلك تكون عبر التقليم الجائر.
ولا تعد المديرية مسؤولة عن أشجار الزيتون الأخرى، حيث يحق لصاحب الأرض أن يقلعها ويعمل منها حطبا لمنزله فقط، أما من يقلعها ليجعل منها حطبا للبيع، فيجب عليه الحصول على رخصة تحطيب من الوزارة. إلا أن المخالفين وعدم الملتزمين هم في الحقيقة كثر.
وبرر الفاعوري سبب غياب وجود مكتب لمديرية الزراعة في برما، أن الموجودة في جرش تعتبر ضمن موقع ملائم لكل المحافظة، والوزارة لا تستطيع أن تهيأ للمكتب كوادر بشرية متخصصة، ومعدات وآليات. مضيفا «نحن كمديرية تغطي المحافظة جميعها نعاني من غياب بعض التخصصات، مثلا في قسم الوقاية لا يوجد إلا مهندس واحد وأنا بحاجة إلى ثلاثة على الأقل».
وتلعب المديرية دورا في مد أقنية من الينابيع في برما إلى المزارع وإعادة ترميم القنوات القديمة لكن ضمن آلية تجمع بين مديرية الزراعة ومديرية المياه ودائرة الأراضي حيث يتم التصرف بناء على حقوق مياه للمزارعين مثبتة في دائرة الأراضي، واعتماد نظام الأدوار في توزيعها بين المزارع. والمديرية هذا العام في صدد مد 125 ألف قناة في محافظة جرش.
وتبقى مشكلة الاعتداء على الأشجار الحرجية، الأمر القديم والحديث، لوجود الفئات العابثة التي تستغلها للتدفئة والمتاجرة، أو إهمال المصطافين خلال الرحلات، أو بسبب الحرائق المفتعلة نتيجة الخلافات مع الطوافين أو مع المديرية.
تقتصر حلول مديرية الزراعة على تعيين مزيد من الطوافين إلا انه ليس بالأمر الكافي، حيث تبلغ مساحة الأحراش 25٪ من مجمل مساحة محافظة جرش، فمهما بلغ عددهم لن يكفوا لتغطية جميع المناطق.
يذكر أن مديرية الزراعة في جرش، لا تملك أي إحصائيات عن عدد أشجار الزيتون الرومي الموجودة في القضاء، وقدرت التي سمحت بقلعها في السنوات الثلاث الماضية بستين شجرة.

أهالي برما لا يقترضون

وأهم الجهات التي يلجأ إليها المزارعون من أجل إنجاح مشاريعهم هي «مؤسسة الإقراض الزراعي» حيث يستطيع المواطن التقدم للحصول على احدى القروض المتاحة سواء في مجال استغلال الأراضي الزراعية أو تنمية وتطوير مصادر المياه. وحصل الباحث على قائمة بأسماء جميع المستفيدين من القروض خلال السنوات الثلاث الماضية من المؤسسة ممثلة بمديرها المهندس بكر عمر الكفاوين.
وعند الاطلاع عليها تبين انه لم يستفد منها سوى ثلاثة أشخاص من برما من أصل 500 قرض ممنوح في محافظة جرش. ويرد الكفاوين ذلك إلى هجرة مواطني برما لزراعة الأشجار وإقبالهم على تربية الأغنام التي تعود عليهم بالأرباح السريعة والمضمونة. أما من يقوم على زراعة الحمضيات والأشجار المثمرة، فلا يحتاج إلى رأس مال أو قرض يلتزم سداده، بل يستطيع أن يتكفل بأسعار الشتل وغيره من المستلزمات، من عوائد المواسم الماضية.

وجهة نظر الأخصائي الزراعي

ويوضح المهندس الزراعي سلام أيوب في المركز الوطني للبحوث والإرشاد الزراعي أن أشجار الزيتون تحتاج إلى عناية كبيرة، على عكس ما يتردد عن أنها تتحمل الظروف كافة، فهي بحاجة إلى حراثة الأرض ثلاث أو أربع مرات في العام الواحد إلى جانب التقليم.
وأضاف «الجفاف يحدث في حال تغير الوضع بشكل كبير ومفاجئ على الشجرة، ففي حالة الشجر في برما، تعود الأهالي على وفرة المياه وسقي الأشجار باستمرار، ما أدى إلى جفافها بسبب شح المياه».
ويعتقد أيوب «أن الأهالي في برما تدفعهم ظروفهم الاقتصادية إلى النظر للمسألة من ناحية المردود المادي، إذ أن الشجر الذي لا يمنح موسما ثمريا جيدا، لا بد من استبداله بأخرى تدر الربح».
وأكد أيوب أن شجر الزيتون الرومي الناشف لا يمكن أن يباع أو تعاد زراعته في مكان آخر، لذلك إن ما يباع من تلك الأشجار للفلل والقصور يكون مثمرا ولا يزال حيا ويعيش مطولا. مضيفا «الخلل واضح في الأشخاص الذين يسمحون بإزالتها، هذه الأشجار لو زرعت في براميل سوف تعيش». ان هذه الأشجار هي ثروة وأرث مهم تتميز بعروقها وخشبها القديم المجوف ومن المؤلم أن يتاجر بها هكذا.

 آية الخوالدة القدس العربي 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.