مجلة المحيط الفلاحي

منظمة الفاو تدعم موارد المعيشة المُستدامة من المراعي العشبية

روما : أصبحت الإمكانيات الهائلة لدعم موارد المعيشة المُستدامة من المراعي العشبية، من خلال امتصاص الكربون الجوّي والمُساهمة في إبطاء ارتفاع درجات الحرارة العام أقرب خطوةً أخرى إلى واقع التطبيق، بفضل نَهجٍ مبتكر قام بتطويره كلٌ من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “FAO”، والأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية “CAAS”، وأكاديمية العلوم الصينية “CAS”، والمركز العالمي للتحريج الزراعي “WAC”، وبدعمٍ ماليّ من الوكالة الفرنسية للتنمية “AFD”.

فمن الممكن فعلياً اليوم استصلاح مساحاتٍ شاسعة من أراضي العالم العُشبية المتدهورة نسبياً وتهيئة تعافيها قبل أن تتفاقَم حالتها بشدة،  وفي الوقت ذاته إزالة آلاف الإطنان من الكربون الجوي بامتصاصه وتنحيته… وبالتالي تدعيم مرونة وقدرات المواجَهة إزاء تغيُّر المناخ.

وحتى الآن، لم تنل مخططات الائتمانات الكربونية “CCS” التي تُجازي المشروعات مالياً للحدّ من ابتعاث الغازات المُسبِّبة للاحتباس الحراري “GHG”، والمُساهَمة في تنحيتها من الأجواء سوى أقل الاهتمام فيما يخُص قطاع الزراعة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، يكُمن تحدٍ رئيسيّ في تحديد سُبلٍ موثوقة ورخيصة لقياس كميات الكربون التي تمتصها وتحتجزها أنشطة التخفيف الزراعية.

وقد تشكلمنهجية الإدارة المُستدامة للأراضي العشبيةالتي أعدتها المنظمة “فاو” وسيلةً لتجاوز هذه العقبة.

وفي رأي الخبير بيير جيربيه، إختصاصي سياسات الثروة الحيوانية لدى المنظمةفاو”، بوصفه من المُشاركين في هذا المشروع، يسود اعتقادٌ “بأنّنا نجحنا في حسم المشكلة وتوصَّلنا إلى أسلوبٍ موثوق يُمكِّن مُربّي الماشية الذين يستثمرون في استعادة الأراضي العشبية من إثبات نجاحهم في عَزل كمّيات قابلة للقياس من الكربون، ومن دعم أنشطتهم بتلقي تمويلٍ لعمليات التخفيف (الكربوني)”.

تحدّي القياسات الموثوقة

أمّا إنجاز المنظمة “فاو” الجديد في هذا المجال فيتمثَّل في ابتكار وسيلة رخيصة وموثوقة لتقدير مدى كميات غازات الدفيئة (الغازات المُسبِّبة للاحتباس) التي أزيلت من الأجواء بفضل الإدارة المُحسّنة للأراضي العشبية.

ويشرح الخبير ليزلي ليبر، المشارِك في تنفيذ المشروع، قائلاً “إن منهجيّتنا تسمح ليس فقط بالقياس المباشر لعمليات مُصادَرة الكربون من خلال أخذ عيناتٍ من التربة وإنما أيضاً بوضع النماذج الكومبيوترية لمختلف أنشطة المُصادَرة الجارية استناداً إلى أنماط التربة ونوعية الأنشطة الجارية“. وأضاف أن “التدليل على نجاح المُراقبة الموثوقة لا بُد منه للمشروعات الراغبة في المشاركة في تعاملات أسواق الكربون، علماً بأن وضع النماذج الكومبيوترية يخفِّض التكاليف، وبذا يمكِّن صِغار مُربي الماشية من المشاركة هم أيضاً“.

ويجري تطبيق المنهجية المشتركة في الوقت الجاري في إطار مشروعٍ تجريبي بمقاطعة “كينغاي” الصينية، والتي يتوقَّع أن تُحقِّق موازناتٍ كربونية بالغة الأهمية لفترة من 10 سنوات. وعقب تلك المرحلة، ستكون الأراضي العشبية المُستعادَة قد نجحت في خزن الكربون بأقصى طاقتها ومن ثم ستتجه تجارة الكربون إلى بلوغ أهدافها المُجزية. وستعاود الأراضي المُستعادة ذاتها معدل إنتاجيتها الكاملة مع انتقال نظم إنتاج الماشية إلى نموذجٍ اقتصادي مُستدام، بوسعه تعزيز موارد معيشة الرُعاة ومُربّي الماشية طيلة أجيالٍ مقبلة.

ائتمانات كربونيّة من استعادة المراعي

بوشَر بمشروع “كينغاي” الصيني الرائد في عام 2008، حين بدأ كلٌ من المنظمةفاو،  والمركز الدولي لبحوث الغابات الزراعية “ICRAF” وأكاديمية العلوم الصينية، والحكومة المحلية للمقاطعة الصينية بالعمل معاً مع رُعاة الماشية لتصميم سُبلٍ للتربية المحسّنة وتطبيق ممارساتٍ لإدارة الأراضي تتيح استعادة صحة التربة، والنهوض بإنتاج اللحوم والحليب وتهيئة خدماتٍ بيئية مثل خفض الجريان السطحي للمياه والسيول وحفظ التنوّع الحيوي.

وفي الأحوال كافة يتمثل الهدف النهائي في تطوير ممارساتٍ مجدية وذات مردودية تكاليفيّة لتقدير مدى مساهمة مثل هذه الأساليب في خفض غازات الدفيئة واحتساب ذلك على هيئة ائتماناتٍ كربونية، عبر امتصاص الكربون من الأجواء إلى جَوف التربة وتحجيم ابتعاث غاز الميثان من تربية القُطعان لتمكين المُربّين والرُعاة من الحصول على مقابل مالي من بيع الائتمانات الكربونية في أسواق المُبادلة التجارية البازغة لهذا النموذج الجديد من البيع والشراء. والمُقدَّر أن مثل هذا الدخل الإضافيّ سيساعد مُربي الماشية على تجاوز الحواجز التي يواجهونها في استعادة تعافي النظم البيئية – مثلاً من خلال إجراءات التخفيض القصير الأمد للإنتاج الحيواني.

وتُستثمر العائدات بالتالي في استعادة صحة التربة للأجل الطويل في مناطق الأراضي التي يعتمد عليها المربُّون، وتشكيل جمعيات تسويق لزيادة الأرباح من الأنشطة التقليدية لإنتاج الماشية.

ويرى الخبير بيير جيربيه، إختصاصي سياسات الثروة الحيوانية لدى المنظمة “فاو” أن هذا “المشروع الصيني هو مثالٌ واحد على ما يمكن إنجازه بفضل هذه المنهجيّة حيث يمكن تطبيقه بسهولة في مناطقٍ أخرى، بل ومن الممكن تطويره لتحقيق نتائج مشابهة في أضعف مناطق الأراضي العشبية“.

تهيئة الطريق لتمويل التخفيف

قامت المنظمة “فاو” للتو بعرض منهجيتها المُستَجَدة تلك لاستحصال موافقةٍ عليها وفق معيار التحقُّق الكربوني غير الربحي “VSC”، كبرنامج لمُحاسبات كمية غازات الدفيئة حول العالم ويُحتَكم إليه من قِبل شتى المشروعات حول العالم للتحقُّق الكمّي وإصدار ائتمانات كربونية في أسواق الابتعاث الكريوني.

وما أن يُصادَق عليه حتى يصبح بوسع أي مشروعٍ للمناطق العشبية يُطبِّق منهجيّة المنظمة “فاو”، أن يؤهَّل لتحصيل اعتمادٍ والحصول على ائتمانات كربونية في أسواق الكربون الطوعية بأنحاء العالم كافة.

ويضيف خبير المنظمة ليزلي ليبر، أن “من الأهمية بمكان أيضاً إدراك أن هذه المنهجيّة تتيح للبُلدان خياراً واضحاً الآن لإدراج إدارة المراعي المُستدامة في صُلب إجراءات التخفيف الملائمة بيئياً ‘NAMAs’ في غمار جهودها المبذولة للحدّ من ابتعاث غازات الدفيئة، والتي تمضي يتطويرها تماشياً مع استراتيجيات المناخ الوطنية على ضوء ‘اتفاقيات كانكونالمبرَمة خلال ديسمبر/كانون الأوّل الماضي في إطار معاهدة الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ ‘UNFCCC’ “. وأكّد أنه، حتى الآن، “لم يكن هنالك سوى القليل من الخيارات لإنجاز  ذلك“.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.