مجلة المحيط الفلاحي

متى يتصدى العالم الفلاحي لأحد أخطر مظاهر التلوث المنبعث من مطاحن الزيتون؟

قلعة السراغنة : متى يتصدى العالم الفلاحي لأحد أخطر مظاهر التلوث المنبعث من مطاحن الزيتون? إنه سؤال عريض يقض مضاجع مهنيي القطاع الفلاحي المغربي، حيث ينبغي الوقوف أولا عند الآثار السلبية الوخيمة لهذه الآفة ومكامن خطورتها التي لا تبقي ولا تدر، وهي عبارة عن تدفقات انسيابية لسموم سطحية مركبة يصطلح على تسميتها لدى العموم ب”المرجان”، أي نفايات أو بقايا الزيتون بعد تحويل ثماره إلى زيوت.

موضوع هذه البقايا وآثارها الجانبية، يتم تداولها مع بداية كل موسم زيتون، ثم يخفت الحديث عن مفعولها ويلفه النسيان بعد أن تكون قد فعلت مفعولها في باطن الأرض وسطحها وحصدت في طريقها على اليابسة كل ما يعترض سبيلها من زرع ونبات.، لتنضاف إلى مظاهر التلوث الأخرى لعالمنا القروي الذي كان إلى الأمس القريب في منأى عن كل هذه الآفات.

والأدهى من ذلك، أن مفعول هذه التسربات السامة لا ينحصر عند السطح، بل يتجاوزه بكثير وبوتيرة متسارعة، لتلحق أضرارا بالغة بجودة المياه الجوفية، لتشكل بذلك خطرا مزدوجا لا يمكن توقع نتائجه البيئية الداهمة والتي لن تكون إلا كارثية على الإنسان والحيوان والنبات، ومن شأنها أن ترهن مستقبل أية استراتيجية فلاحية تستهدف النهوض بالقطاع والرفع من جودة منتوجاته وتثمينها وتحسين قدراتها التنافسية في الأسواق الداخلية والخارجية.

ويعد مثال منطقتي الرحامنة والسراغنة-تساوت بسهليها ، السفلى والعليا ، نموذجا حيا قابلا للقياس مع مناطق أخرى من حيث حجم التلوث الفلاحي ، الخطر الزاحف في غفلة من الأهالي ، على اعتبار أن المنطقة تصنف كأحد أكبر الخزانات الوطنية لزيت الزيتون ، من حيث الكم والكيف ، بإنتاج يقارب ثلث الإجمالي الوطني، بما يعني أن هذا الرقم يخلف وراءه آلاف الأطنان من مادة “المرجان“. فأين تصرف هذه الكمية الهائلة من السموم النائمة? إنها تنتشر ، بكل بساطة ، في الخلاء وتغزو فضاءات المزارع والحقول.

وبشكل أوضح، وفي غياب أرقام رسمية حقيقية ترسم ملامح الوجه الآخر للموسم الجيد وترصد حصيلة نفايات وحدات زيت الزيتون بالمنطقتين، فإن مغروسات شجر الزيتون التي تغطي أزيد من 60 ألف هكتار ، أي أكثر من نصف مغروسات جهة مراكش-تانسيفت- الحوز كلها و نحو 20 بالمائة على الصعيد الوطني وبإنتاج سنوي يفوق مائتي ألف طن ، تؤشر وحدها على ما يمكن أن تراكمه هذه الوحدات من الأكوام الضخمة من مادةالمرجان“.

فعلى صعيد إقليم قلعة السراغنة، دقت السلطات المحلية ناقوس الخطر في خضم الموسم السابق في لقاء تم في شهر فبراير 2010 خصص لمناقشة إشكالية البيئة والتنمية المستدامة، ووعدت خلاله بنهج “الصرامةفيما يتعلق بآفة المرجان، ابتداء من موسم السنة المقبلة ، أي موسم الزيتون الحالي ، عبر تطبيق القانون وفرض غرامات “ثقيلة” على كل مرتكبي الخروقات المفترضة والتي قد تصل الى إغلاق المطاحن والمعاصر.
وفي اعتقاد مهنيي القطاع، فإن الصرامة ، وإن كانت مطلبا ملحا في معالجة الاختلالات البيئية ، تبقى من الإجراءات “باهظة الكلفة” من حيث التتبع والمراقبة وتعبئة الهياكل الإدارية والموارد البشرية اللازمة، وحتى في حال توفرها فلن تكون مضمونة النتائج ما لم تكن مدعومة بمبادرات مصاحبة على مستويات عدة، أهمها العالم الفلاحي نفسه عبر سلاسل الإنتاج والغرف وباقي الفاعلين من سلطات ومجالس منتخبة وجامعة ومؤسسات عمومية ومجتمع مدني.

وذهب بعضهم ألى أكثر من ذلك، معتبرا أن هذا الإجراء سيظل بمثابة مسكن آلام إذ لا يمكن للصرامة أن تقطع هذه الآفة من جذورها، ذلك أن الحل الفصل ، برأي ذوي الاختصاص ، يقتضي إقحام الجميع في معالجة الظاهرة وتفاعلاتها بمنظور علمي، وهو الدور الذي ينبغي أن تضطلع به الجامعة ، إلى جانب منتجي ومهنيي القطاع ، في نطاق انفتاح الجامعة على محيطها الاقتصادي والاجتماعي.

وفي هذا السياق، أسفرت نتائج بعض الأبحاث العلمية الجارية في الموضوع منذ أربع سنوات داخل ردهات جامعة القاضي عياض بكلية العلوم السملالية ، في إطار أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه حول آفة المرجان كملوث فلاحي بالغ الخطورة ، عن نتائج وصفت ب “بالإيجابية والواعدة”، دون أن يتم الإعلان عن المزيد من التفاصيل بشأنها، وربما يعود التكتم في ذلك لطبيعة البحث العلمي في حد ذاته، أو لعدم استكمال الأبحاث المختبرية المتعلقة بالصيغة النهائية لنتائجه.

وفي هذا الاتجاه، أفادت الجامعة في اتصال بوكالة المغرب العربي للأنباء بأن الإكراهات المادية، ومنها على وجه التحديد تكلفة هذه التجارب والأبحاث، تشكل العائق الأكبر إلا أن التغلب عليها شيء ممكن.

ولاحظت الجامعة أنه “مهما ارتفعت التكلفة فلن تكون بحجم المخاطر البيئية المترتبة عن آفة المرجان خاصة وأن تضافر جهود المتدخلين من جهات متعددة من شأنه إسقاطها من أجل المضي قدما نحو إزاحة كل العقبات في وجه الأبحاث المشجعة التي قطعت أشواطا بعيدة في اتجاه القضاء على هذه الظاهرة في أكثر جوانبها سوداوية والمتعلقة ، علميا ، بإمكانية فرز السموم القاتلة عن مكونات المرجان“.

وأضافت أنه بعد تصفية وعزل المواد السامة ، مصدر خطورة نفايات عصر الزيتون ، اتجهت اهتمامات الباحثين نحو تثمين البقايا، حيث اتضح أنها ذات جودة عالية إذا تم استغلالها كأسمدة سواء في مجال إنتاج الحبوب من قمح وشعير وذرة أو الخضراوات، وكذا في تنمية أغراس الزيتون وغيرها من المغروسات المتميزة بسرعة التأقلم مع قساوة المناخ والتربة وندرة المياه.

من هنا يبدو أن القضاء على آفة المرجان ومخاطرها السلبية على البيئة ليس أمرا مستحيلا ، كما قد يتصوره البعض ، لكنه يتطلب في الواقع تحسيس المعنيين بهذا القطاع بخطورة الموقف على المديين القريب والبعيد، وضرورة مواجهة هذه الآفة قبل أن تتدهور الأوضاع والمبادرة بوضع برنامج عمل يروم إشراك الجميع في وضع حد لزحفها الرهيب.

إعداد : أحمد الرافعي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.