مجلة المحيط الفلاحي

المخطط الأخضر بتافيلالت :إنقاذ للفلاحة وتوفير موارد للدخل

المحيط الفلاحي : دفعت الظروف المناخية والبيئية والفلاحية بمنطقة مكناس تافيلالت، والتي تتسم بطابعها الصحراوي الجاف وتضاؤل الموارد المائية وانتشار فلاحة معيشية محدودة، وزارة الفلاحة إلى وضع إستراتيجية خاصة، ضمن مشاريع المخطط الأخضر، بهدف إنقاذ المؤهلات الفلاحية للمنطقة وتنميتها من أجل المساهمة في تحسين وتوفير موارد دخل لسكان هذه الجهة، الذين دفعتهم ظروف العيش الصعبة إلى الهجرة صوب الحواضر الكبرى بالمنطقة وهو ما نجم عنه تراجع كبير لعدد السكان القرويين بالجهة، إذ بالكاد يتجاوز هذا الرقم 941 ألف نسمة من أصل مليونين و140 ألف نسمة، مجموع عدد سكان جهة مكناس تافيلالت.

مبدأ إشراك الفلاحين
وتقوم هذه الإستراتيجية على تحويل الحقول التي كانت تُزرع حبوبا وخضروات، والمنتشرة على الخط الممتد من أزرو حتى أرفود، إلى مساحات مغروسة بالأشجار المثمرة مثل حب الملوك والتفاح والخوخ والزيتون والبرقوق واللوز والجوز والمشمش. واعتمدت الوزارة، من خلال مندوبياتها ومديرياتها الإقليمية، مبدأ إشراك الفلاحين في هذه الاستراتيجية وذلك من خلال خلق تعاونيات متخصصة في زراعة معينة.
ففي منطقة عين اللوح قدمت الوزارة للفلاحين مساعدات مالية وتقنية للنهوض بزراعة أشجار حب الملوك وكذلك أشجار التفاح، إذ يصل التمويل إلى مائة في المائة من كلفة المشروع بالنسبة إلى المشاريع المندرجة في خانة الدعامة الثانية (المشاريع الفلاحية التي تقل مساحتها عن خمسة هكتارات). ويؤكد بوشتى الكزار، رئيس مصلحة الإرشاد والدعم بمديرية الفلاحة بإفران، أن هذه المشاريع تعمل على تجميع صغار الفلاحين الذين يتوفرون على قطع أرضية صغيرة الحجم وذلك في إطار تعاونيات. وأضاف في تصريح ل»الصباح»، أن هناك شكلا آخر من الدعم يقدم للفلاحين المتوسطين والكبار، وهو يندرج في خانة الدعامة الثانية (أراض وضيعات تفوق مساحتها خمسة هكتارات)، إذ يستفيد الفلاحون من دعم تصل نسبته إلى 80 في المائة، شريطة أن يتجمعوا في إطار تعاونيات.
من جهته، قال محمد أوعيسى، مدير المكتب الجهوي للنهوض بالقطاع الفلاحي بجهة مكناس تافيلالت، خلال جولة استطلاعية لوفد إعلامي نظمتها وزارة الفلاحة في الأسبوع الأخير من شهر يونيو الماضي، أن المكتب «يركز على تطوير قطاع الفلاحة من خلال الاهتمام بالعنصر البشري وكذلك المنتوجات المحلية عبر توسيع ثقافة التعاونيات الفلاحية في أوساط الفلاحين». موضحا أن هؤلاء لم يكونوا في الأول متحمسين لفكرة التعاونيات ولا حتى لتغيير المزروعات التي كانوا ينتجون «لكن بعد العمليات التحسيسية اقتنعوا بالفكرة كما اقتنعوا بأن أراضيهم تكون أكثر عطاء ومنتوجا إن هي زُرعت بمزروعات قادرة على التكيف مع الظروف المناخية والجغرافية للمنطقة».

المزارعون المجازون
وأكد أنه في منطقة خنيفرة استفاد من مشاريع المخطط شباب حائزون على شهادات جامعية في مجالات مختلفة، إذ بحكم أنهم أبناء المنطقة ويعرفون مؤهلاتها فإنهم «عوض أن يتظاهروا ويحتجوا للمطالبة بعمل في أسلاك الوظيفة العمومية، فإنهم أنشؤوا مشروعهم الخاص والمتمثل في إنشاء تعاونية لتسمين العجول». واستطرد قائلا إن هؤلاء الشباب الذين يصل عددهم إلى 57 شخصا استفادوا من دعم مالي قيمته مليونا درهم، علاوة على خبرة أطر مندوبية وزارة الفلاحة بإقليم خنيفرة الذين قدموا لهم الإرشاد والتوجيه في ما يخص كيفية إنجاح مثل هذا النوع من المشاريع.
والأمر نفسه أنجزته مصالح وزارة الفلاحة في منطقة ميدلت، فهنا كان التركيز على شجر التفاح (يشغل أكثر من 12500 هكتار من المساحات المزروعة بجهة مكناس تافيلالت)، إذ تم العمل على إقناع الفلاحين بالاتجاه إلى زراعة الأشجار المثمرة والانخراط في تعاونيات للاستفادة من الدعم وحتى تكون محاصيلهم ذات كيميات كبيرة وبالتالي بيعها دون الاضطرار إلى المرور عبر السماسرة. كما سيستفيدون من تمويل لإحداث مخازن تتوفر على تجهيزات للتبريد بغرض الحفاظ على المحاصيل من التلف.
وتمت بالمنطقة زراعة أشجار التفاح التي تعطي ثمارا صفراء وحمراء والمعروفة في قاموس أهل الاختصاص ب (Golden Star delicious و King Star delicious)، كما يوضح لحسن حماني مدير مركز الأشغال الفلاحية بميدلت، مضيفا أن منطقة ميدلت تمتاز بمناخها الملائم لهذه الفصيلة من التفاح إلا في فصل الشتاء إذ تؤدي «الجريحة والبرد إلى تضرر أزهار هذه الأشجار».
وفي السياق نفسه عملت المصالح الإقليمية لوزارة الفلاحة بإقليم ميدلت على مواكبة مشاريع جمعوية أخرى تندرج في إطار تنمية زراعة أشجار التفاح. ويتعلق الأمر هنا ب»مشروع زايدة آيت إلوسن لتطوير زراعة التفاح»، والذي يقع في منطقة زايدة ويقوم على غرس 200 هكتار بشتائل شجر التفاح.
ويؤكد أوعيسى أن هذا المشروع ستستفيد منه 119 أسرة بالمنطقة، إذ شكل هؤلاء جمعية أطلقوا عليها اسم «جمعية تيزرا للتنمية والتواصل» والتي ستعمل على الإشراف على هذا المشروع ومتابعته إلى أن يبدأ في إعطاء ثماره. وأضاف أوعيسى أن المشروع أنجزت منه 100 هكتار فيما يجري العمل من أجل إزالة العراقيل والعوائق التي تحول دون توفير المائة هكتار المتبقية وذلك بسبب النزاعات القبلية التي تعرفها المنطقة في ما يخص تدبير الأراضي.
وإلى جانب هذا تعمل مصالح وزارة الفلاحة بإقليم ميدلت على تشييد حوضين مائيين سيوفران الحاجيات المائية للأشجار التي تمت زراعتها، كما عمدت إلى إدخال تقنية الري الموضعي وبالتقطير وذلك من أجل تدبير أمثل للموارد المائية التي تعرف مجموعة من الصراعات والنزاعات في تدبيرها بين كبار الفلاحين والفلاحين الصغار، علاوة على تراجع كمياتها بسبب الاستنزاف الكبير للفرشة المائية. كما ستوفر هذه المصالح نظاما لضخ المياه من نهر ملوية في هذين الحوضين وتوزيعه على الحقول الفلاحية، إضافة إلى إنشاء محطة للتبريد بسعة ألف طن وذلك من أجل ضمان تخزين في ظروف جيدة للتفاح، كما سيستفيد فلاحو هذه المنطقة من دورات تكوينية في مجال الاعتناء بأشجار التفاح ورعايتها في كافة مراحل نموها وحتى تبدأ في إعطاء ثمارها.

تعاونيات تحويل التمور
أما في ضواحي الرشيدية وبالضبط في منطقة أوفوس (بين المدينة وأرفود) فإن المخطط الأخضر، وبتعاون مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكذلك وكالة التنمية الدولية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، ساهم في خلق تعاونيات للنهوض بأشجار النخيل المثمرة وثمارها. وهو ما يتجلى من خلال «تعاونية الواحة» التي تعمل على تحويل التمور متوسطة الجودة إلى مربى «ومشروب» (محلول عبارة عن عصارة تمور يضاف إلى الحليب أو اللبن) ويسمى هنا ب «تحلاوت»، علاوة على مسحوق تمور يتم تناوله مع أي سائل ويدخل ضمن المكونات الأساسية لوجبة الفطور بالمنطقة. وأحدثت هذه التعاونية في سنة 1996، وفي سنة 2007 تحولت من إنتاج وتسويق التمور إلى تحويلها إلى مربى وعصير ودقيق. وتضم في صفوفها أكثر من مائة عضو أغلبهم نساء. ويقول محمد بن جيرة، رئيس مصلحة الإرشاد الفلاحي والتنظيم المهني بمركز الاستثمار الفلاحي بالرشيدية، إن التمور التي يتم تحويلها تأتي في موقع وسط بين تمور المجهول والفكوس، والتي تعتبر من أجود التمور في المغرب بأكمله، مضيفا أن هذا النوع من المشاريع من شأنه أن يعيد الاعتبار لزراعة أشجار النخيل المثمرة ويوفر مصادر دخل للعديد من الأسر بالمنطقة. ورغم اعتزازه وافتخاره بما حققه هذا النوع من المشاريع لسكان المنطقة فإنه لا ينسى أن يذكر أن هناك خطر البيوض الذي يتهدد هذه الأشجار، زيادة على المنافسة القوية التي تمثلها تمور بلدان مثل تونس والعراق والإمارات، رغم أن التمور المغربية كلها طبيعية (بيو) وخالية من الأدوية.
وفي السياق نفسه أحدثت بالمنطقة «تعاونية الزريكات» والتي تسعى إلى العناية بقطاع النخيل، كما تعمل هذه التعاونية التي تأسست سنة 2000 على معالجة التمور وتلفيفها وتسويقها، خاصة من خلال توقيع اتفاقيات شراكة مع المحلات التجارية الكبرى. كما تقوم هذه التعاونية بدورها بإنتاج مربى وعصير التمور، وتضم في صفوفها 65 منخرطا من فلاحي المنطقة وتتوفر على مخزن تبريد سعته 100 طن، وذلك بغرض تخزين المحاصيل في ظروف أحسن.

محمد أرحمني (الصباح)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.