مجلة المحيط الفلاحي

الحلزون المغربي …. ذهب زاحف يملأ الموائد الأوروبية

قـد لا يبــدو “الحلزون” طبقاً مألوفاً في الموائد العربيّة عموماً، والمغرب خصوصاً، ولكنّ الإقبال على هذا الحيوان الرخوي في المطاعم الأوروبيّة حوّله من  ذهب زاحف منبوذ وبريّ إلى مصدر للثروة واستثمار مربح، توليه العديد من التعاونيات الزراعية  بالمغرب إهتماماً بالغاً في جهودها لتوفير فرص العمل والحدّ من البطالة في صفوف شباب العالم القروي . هذا القطاع ونظرا لإمكانات المغرب في مجال زراعة الحلزون وللنمو المضطرد للسوق الدولية، أضحت السلطات الرسمية  تعكف على وضع إستراتيجية تنميته ووضع مخططات عمل من أجل تحسين المنتوج وتثمينه لان هذا النوع من المشاريع الفلاحية أصبح اليوم أحد أهمّ الاستثمارات المغريّة وإلى مصدر محترم للعملة الصعبة.

بداية متواضعة ...

 رشيد  ستيل مستثمر زراعي شاب  بجهة الدارالبيضاء – سطات  ، إستطاع  إنشاء مزرعة خاصّة لتربية الحلزون ، متفائلاً في حديثه  لمجلة  ” المحيط الفلاحي” عن آفاق هذا القطاع. يعتبر رشيد أنّ الكلفة المنخفضة لإنشاء المزارع الخاصة بتربية الحلزون ، بالإضافة إلى تشجيع الدولة للمستثمرين الشبّاب ، يمثّلان عاملين مهمّين للنهوض بهذه التجربة في المغرب وتطويرها، لاسيما في ظلّ الطلب العالمي المتزايد على الحلزون وبالخصوص من الأوروبيين . ويؤكد المستثمر الزراعي أنّ الوقت قد حان كي ينتقل المغرب من مرحلة التصدير الخام إلى التصنيع لرفع القيمة المضافة لهذا المنتوج، خصوصاً في ظلّ وفرة الإنتاج وسهولة عملية التصبير والتعليب، التي لا تكلّف الكثير من الاعتمادات الماليّة.

عن تربية هذا الحيوان الصغير، قال رشيد  “يوضع الحلزون في غرفة مغلقة يجد فيها كل الظروف الملائمة للتزاوج والتكاثر ، وأضاف : “ومن ثم يتم نقله إلى الطبيعة، فيبقى بين الزرع مدة ثمانية أشهر يتغذى فيها على ما يتم غرسه خصيصًا له من خضروات ورقية، كالسلق والسبانخ والخس، ليكبر شيئًا فشيئًا، ويصبح حجمه صالحًا للبيع وللطبخ.”

وتمتد المساحة التي خصصها رشيد لمشروعه الخاص بتربية الحلزون على هكتار واحد (ألف متر مربع) تنتج ما بين 15 و20 طنًا في السّنة.

يجد الحلزون، الذّي يربيه المستثمر الشاب  رشيد ستيل، إقبالًا كبيرًا من أهم بائعي الحلزون في مدينة الدار البيضاء ، كما تقبل عليه عائلات كثيرة لطبخه كطبق لذيذ مفيد، لما يتمتع به من فوائد غذائية جمة. يبيع الكليو  الواحد في علبة خاصة ، ما بين 14 و16 درهم ، بعد أن تضفي عليها نسوة يشتغلن معه لمساتهن من تحضير وإعداده.

 ويختم المستثمر الشاب  بالإشارة إلى أن البدايات كانت متواضعة سواء على صعيد حجم الإنتاج أو عدد المزارع، ولكنّ ازدياد الطلب في السوق الأوروبيّة،  يضيف رشيد “للمحيط الفلاحي” يحتم على الدولة دعم هذا القطاع بشتّى السبل، الذي يمثّل حافزاً مهمّاً لجذب الاستثمارات الجادة، وهذا ما يطمئن إلى مستقبل هذه التجربة التي لا تزال تتلمّس خطواتها الأولى.

عشر وحدات لتثمين ومعالجة الحلزون..

حسب معطيات تحصلت عليها “المحيط الفلاحي” أصبح المغرب  يتوفر حالياً على حوالي عشر وحدات لتثمين ومعالجة الحلزون، ووحدة لتحويل وصناعة الحلزون، وهي المرخص لها من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية والغذائية “أونسا”. و يبلغ الإنتاج الوطني من الحلزون حسب نفس المعطيات  أكثر من 15 ألف طن سنوياً، توجه 80 في المائة منه إلى التصدير، خصوصاً نحو إسبانيا. لكن هذا الإنتاج يبقى ضعيفاً ولا يترجم الإمكانيات المتوفرة في وطن زراعي كالمغرب  ، ذلك لكون القطاع لازال تقليدياً وغير مهيكل بالشكل الكافي. وتعني  لغة الأرقام هذه  أن ما يتم توجيه إلى السوق المغربية للاستهلاك لا يتجاوز 20 في المائة، وغالباً ما يتم استهلاكه من طرف المغاربة في فصل الشتاء البارد لدى الباعة المتجولين في الشوارع المغربية. يتراوح ثمن الكيلوغرام الواحد من الحلزون ما بين 4 و5 أورو في السوق الدولية. وتستطيع ضيعات تربية الحلزون أن تنتج عشرة أطنان في استغلالية صغيرة مساحتها هكتار واحد في كل دورة إنتاج، وتقبل الدول الأوروبية عليه بشكل كبير، نظراً للخصائص الفيزيائية والكيميائية للحلزون ولعابه، خصوصاً فوائده الكثيرة  على صحة الإنسان، كما يتم استعماله في مستحضرات التجميل والعناية الصحية.

زراعة الحلزون تشهد نموا مهما على المستوى العالمي...

أبرز رياض وحتيتا مهندس ومستشار زراعي معتمد من طرف وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات  ومدير مكتب الدراسات “ProDevelopment” ، أن زراعة الحلزون تشهد نموا مهما على المستوى العالمي، مسجلا أن هذه الإمكانية حفّزت مسؤولي الوزارة للبحث دائما عن منافذ جديدة للتنويع في إطار الإستراتيجية الطموحة الجيل الأخضر 2030/2020 .

وأكد المتحدث لمجلة  “المحيط الفلاحي”  أن الوزارة تبذل كل ما يلزم من أجل تقديم المساعدة إلى الفاعل الأول، وهو المشغل في هذا القطاع، والتي تندرج في إطار الاقتصاد الاجتماعي الذي سيشهد بالتأكيد تطورا خاصا جنبا إلى جنب مع مثيلاته من القطاعات الأخرى”.

وأوضح  السيد وحتيتا ، بأن “تنمية قطاع تربية الحلزون بالمغرب  يعتمد  على تطوير سلاسل الإنتاج، التي ترتكز على منطق إدماج كافة الروابط في السلسلة، ابتداء من الإنتاج إلى التسويق، مرورا  بالتحويل  وفي مجال الإنتاج، يتمثل الهدف، حسب المستشار الزراعي ، في ضمان حماية للسلالات المحلية وتطوير زراعة السلالات المنتجة الموجهة نحو التصدير والتثمين، خاصة المنتوج المخصص للاستعمال في مجال مستحضرات التجميل. بالخصوص في فرنسا وإيطاليا التي تتصدر قائمة البلدان الأوروبية المستهلكة للحلزون عموماً، إذ تستورد حوالي 150 ألف طن سنوياً، تليها البرتغال وإسبانيا بـ 60 ألف طن ثم اليونان بـ 40  ألف طن وإيطاليا بـ 38 ألف طن.

ومن المنتظر يضيف الخبير الزراعي السيد رياض وحتيتا   أن يتطور الطلب العالمي الذي لا يقل عن 425 ألف طن خلال السنوات المقبلة.  هذا الطلب المتنامي على إنتاج الرخويّات يمثّل دافعاً قويّاً لمواصلة تطوير هذا القطاع بالمغرب، خصوصاً مع الأرباح المهمّة التي توفّرها عمليات الإنتاج.

أمّا بالنسبة لعائدات هذا القطاع، أوضح رياض وحتيتا  فهو “يوفّر للدولة سنويّاً عملة صعبة مهمة ، أمّا على صعيد الربح الصافي للمنتجين، فيبلغ هامشه 20 في المائة  من قيمة المصاريف باعتبار أن سعر البيع لا يقلّ عن 4و5 أورو  للكيلوغرام الواحد”.

تكمن إذن أهمية هذا القطاع الحديث نسبيّاً على خريطة الإنتاج الزراعي  المغربي في بساطة التكاليف ووفرة الإمكانات الطبيعيّة التي تضمن نجاحه. أما على مستوى التسويق وتوازنات العرض والطلب، فتبدو السوق الدوليّة للحلزون سوقاً شاغرة وتعاني نقصاً حادّاً في هذا المنتوج الذّي تحوّل إلى ما يشبه مصدراً جذّاباً للدخل، بحيث تتنافس دول جنوب حوض المتوسّط على تصديره للسوق الأوروبيّة، خصوصاً المغرب الذي كان سبّاقاً إلى اكتشاف هذه الثروة المنسيّة.

قرويات يؤسسن تعاونية لتربية الحلزون …

بدورها قالت رئيسة تعاونية ارض أجدادنا بالجماعة القروية  بير الطالب إقليم سيدي قاسم السيدة ماجدولين مينيار  في تصريح لمجلة “المحيط الفلاحي” ، أن تعاونياتهم المتخصصة في تربية الحلزون استفدت مؤاخر من دعم وكالة حساب تحدي الألفية بشراكة وتكوين من طرف المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية ، تقول ماجدولين ” في البداية قاموا بتهيئة البارك والذي سيتوفر على تربية الحلزون الخاص بالبيع المباشر ومن بعد ستعمل التعاونية على تثمين هذا الحيوان الزاحف بإنشاء وحدة صناعية لتحويل مادة الحلزون إلى مواد طبية وتجميل وإنشاء مزارع لإجراء تجارب ميدانية وأكدت في سؤال لمجلة “المحيط الفلاحي ” حول مكتب التعاونية أوضحت السيدة ماجدولين أن التعاونية نسوية 100 بالمائة وبخصوص فكرة تربية الحلزون قالت رئيسة تعاونية ارض أجدادنا أن منطقتها تمتاز بكثرة الحلزون ومن هنا تؤكد جاءت فكرت تربية الحلزون وتطمح إلى عقد شراكات مع مؤسسات الدول الرائدة في تثمين الحلزون  ….

بيض الحلزون يتجاوز ألفين دولار للكيلوغرام الواحد..

حسب الفيدرالية المهنية المغربية للحلزون، فإن حجم الإنتاج الوطني من الحلزون يبلغ نحو 15  ألف طن مستخرجة من الطبيعة، 80 بالمئة منه تم توجيهه للخارج، فيما 20 بالمئة توزع على السوق الوطنية.

ولفتت  أن هناك إقبالا كبيرا على الإنتاج المغربي من الحلزون ومشتقاته في الأسواق الأوروبية، خاصة في فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا.

ووقعت الفيدرالية عدة إتفاقيات شراكة منها إتفاقية مع جامعة الحسن الأول والمعهد الوطني للبحث الزراعي، خلال  الملتقى الدراسي الوطني الأول للحلزون، الذي نظم  تحت شعار: “البحث العلمي في خدمة تنمية سلسلة الحلزون بالمغرب”، وذلك يوم الأربعاء 15 يناير من عام 2020 بمقر كلية العلوم والتقنيات بمدينة سطات. 

ويأتي هذا الاهتمام بالحلزون بسبب قيمته الغذائية إلى جانب بيضه الثمين، الذي يعتبره الخبراء “كافيار” يتجاوز ثمنه ألفين دولار للكيلوغرام الواحد.

لعاب الحلزون وصنع مستحضرات طبية

قبل بيعه، يتم استخراج مادة”لعاب الحلزون”، الغنية “بالكولاجين” و”فيتامين E والإيلاستين”، وهو يستخدم لصنع مستحضرات طبية مهمة، وأصبح كنزًا ثمينًا للتجميل وللبشرة عالميا، بحسب  السيدة خديجة إعلامن خبيرة في طب التجميل ..

وأوضحت السيدة خديجة في تصريح صحفي لمجلة “المحيط الفلاحي” أن معظم معامل التجميل في العالم اليوم أصبحت تعمل على تحويل المادة اللزجة (اللعاب)، التي يفرزها الحلزون، إلى مراهم تخلص الإنسان من آثار الجروح، وتقضي على عيوب البشرة بشكل أسرع، بجانب مستحضرات أخرى لتجميل البشرة وشدها أكثر، والتخلص من البثور، وتنظيف الوجه من الأعماق.

وبحسب دراسات علمية تقول السيدة خديجة في تصريحها ، فإنّ الحلزون يعد مصدرًا لمنافع غذائية كبيرة، إذ يحتوي في لحمه على نسبة من البروتين تتراوح بين 18,6 في المائة  و20,6 في المائة ، ونسبة معادن بين 1,3في المائة  و1,4 في المائة ، كما يحتوي على نسبة عالية من الحديد والمغنيسيوم، والكالسيوم، بالاضافة إلى الفسفور والبوتاسيوم.

المحيط الفلاحي : عــادل العــربي

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.