مجلة المحيط الفلاحي

وزارة الفلاحة.. رؤية استراتيجية لإعادة إحياء الصبار وتعزيز الأمن الغذائي

لطالما شكّل الصبار، أو ما يُعرف محليًا بـ”الكرموس الهندي”، عنصرًا أساسيًا في المنظومة الفلاحية بالمغرب، ليس فقط باعتباره منتجًا زراعيًا ذا قيمة غذائية عالية، بل أيضًا لدوره البيئي في محاربة التصحر وتثبيت التربة، ودوره الاقتصادي في خلق فرص العمل وتحسين دخل الفلاحين في المناطق القروية. غير أن هذه الثروة الطبيعية تعرضت في السنوات الأخيرة لآفة مدمرة تمثّلت في الحشرة القرمزية، التي اجتاحت حقول الصبار وأتت على مساحات شاسعة، مما أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الفلاحية والعلمية، وفرض تحديًا جديدًا أمام المغرب في سبيل استدامة هذه السلسلة الإنتاجية الحيوية.

وفي مواجهة هذا الخطر الداهم، أطلقت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات برامج بحثية وعملية مكثفة تهدف إلى تطوير أصناف مقاومة لهذه الحشرة الفتاكة، وذلك من خلال جهود مشتركة بين المعاهد العلمية، والفاعلين في القطاع الفلاحي. وقد أسفرت هذه الجهود عن نجاح المغرب في تطوير أصناف جديدة من الصبار تتمتع بقدرة عالية على مقاومة الحشرة القرمزية، مما يمهّد الطريق لإعادة إحياء هذه الزراعة وإدماجها في استراتيجية التنمية الفلاحية المستدامة.

إن تنمية سلسلة الصبار المقاوم للحشرة القرمزية لا تقتصر فقط على إعادة التشجير والتوسع في زراعته، بل تشمل أيضًا تطوير سلاسل التحويل الصناعي لهذا المنتج، بهدف تعزيز قيمته المضافة وفتح آفاق جديدة في السوقين المحلي والدولي. فثمار الصبار ليست فقط مادة غذائية ذات فوائد صحية متعددة، بل تُستخرج منها مشتقات تستعمل في الصناعات التجميلية والصيدلانية، فضلًا عن إمكانية استغلال أوراقه كعلف حيواني، ما يجعله موردًا اقتصاديًا متكاملًا يدعم التنمية القروية ويوفر مداخيل مستدامة لصغار الفلاحين.

وفي ظل التغيرات المناخية والتحديات البيئية التي يواجهها المغرب، يمثل الصبار المقاوم للحشرة القرمزية خيارًا استراتيجيًا لتعزيز الأمن الغذائي والحفاظ على التوازن البيئي. كما أن إدماجه ضمن مخططات الفلاحة التضامنية وبرامج الاقتصاد الاجتماعي يمكن أن يساهم بشكل كبير في تعزيز العدالة المجالية وتحقيق التنمية المستدامة، خصوصًا في المناطق الجافة وشبه الجافة حيث يشكل الصبار موردًا أساسياً للحياة والعيش الكريم.

من هنا، فإن نجاح المغرب في مواجهة هذه الأزمة وتحويلها إلى فرصة جديدة يعكس قدرة المملكة على التأقلم مع التحديات الزراعية الكبرى، ويؤكد أن البحث العلمي والاستثمار في الابتكار الفلاحي يظلان ركيزتين أساسيتين لتطوير القطاع الفلاحي الوطني.

لقد أثبتت وزارة الفلاحة، من خلال مقاربتها الاستباقية لمكافحة الحشرة القرمزية، أنها قادرة على مواجهة التحديات الزراعية الكبرى بحلول مبتكرة وفعالة. فبفضل جهودها الحثيثة، والدعم الذي وفرته للبحث العلمي والتطوير الزراعي، تمكنت وزارة الفلاحة من إعادة الأمل إلى آلاف الفلاحين الذين يعتمدون على الصبار كمصدر رئيسي للدخل. واليوم، مع انطلاق عملية تعميم زراعة الأصناف المقاومة، يتجدد الرهان على مواصلة هذه الدينامية، وتعزيز الشراكة بين مختلف الفاعلين لضمان استدامة هذه السلسلة الإنتاجية الواعدة. إن رؤية وزارة الفلاحة لإعادة تأهيل زراعة الصبار ليست مجرد استجابة ظرفية، بل هي جزء من استراتيجية وطنية متكاملة تسعى إلى ترسيخ الأمن الغذائي، وتعزيز التنمية القروية، وضمان زراعة متكيفة مع التغيرات المناخية.

# العربي عادل

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.