محمد جليبن : معدل إنتاج القمح لا يتعدى 14 قنطارا في الهكتار
الخبير المغربي قال إنه يتوجب بذل مجهود كبير في استعمال البذور كي نصل إلى مليوني قنطار
مايزال إنتاج الحبوب في المغرب دون المستوى لتجنيب المغرب الارتهان إلى السوق الخارجي على مستوى تلبية حاجياته. و في هذا الحوار مع محمد جليبن، الباحث بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بمكناس، نتعرف على الأمراض التي تصيب الحبوب في المغرب والأصناف الشائعة فيه، والإمكانيات المتاحة لتطوير الإنتاجية، خاصة عبر الإفراج عن الأصناف الجديدة واعتماد التقنيات الحديثة في زراعة القمح.
– في الفترة الأخيرة ثمة نوع من النقاش حول جودة القمح الطري، خاصة بين المزارعين وبعض أصحاب المطاحن، خاصة أن القمح الطري يعتبر مصدر الخبز الذي تدعمه السلطات العمومية. لكن قبل الخوض في هذا الموضوع، نود أن تحدد لنا المناطق التي تعرف أكثر زراعة قمح الطري.
> يزرع القمح الطري في جميع المناطق بالمغرب، خاصة الشاوية والغرب وسايس، وهو من المزروعات التي يمكن أن نجدها في المناطق الجافة والرطبة، إذ يتمتع بمرونة كبيرة في التكيف مع الظروف المناخية، علما أن الأصناف التي يتم اعتمادها تتأقلم مع جميع الظروف المناخية. والقمح الطري الذي يعرف بـ«فارينا» يستعمل في غالب الأحيان في صناعة الخبز، بينما يوجه القمح الصلب لتوفير المعجنات والكسكس.
– وما الدور الذي يلعبه البحث العلمي، خاصة على مستوى المعهد الوطني للبحث الزراعي، في تطوير زراعة القمح الطري؟
البحث العلمي ينكب على تطوير الأصناف التي تتأقلم مع الظروف المناخية وتستجيب لهاجس رفع المردودية التي تلبي الحاجيات الاستهلاكية المتنامية. فارتفاع الطلب على القمح الطري يفترض استحضاره خلال القيام بعملية تطوير الأصناف. والبحث يهتم أكثر بما يتيح مقاومة الأمراض التي تصيب القمح الطري وتعزيز العوامل المقاومة للحشرات. ولا بد أن نشير هنا إلى أنه تم تطوير تقنية جديدة في العالم تتمثل في الزراعة المباشرة دون أن يضطر المزارع إلى حرث الأرض، لكن تلك التقنية لم يأخذ بها المغرب بعد.
– ماهو الصنف الذي يكثر عليه الطلب في المغرب؟
> في المغرب ثمة خمسة أصناف من القمح الطري شائعة الاستعمال، أهمها صنف «أشطار» وصنف «مرشوش»، بالإضافة إلى «آمال» و«المهدية»، غير أن ثمة حوالي عشرين صنفا مسجلا لم يتم بعد تقريبها من المزارعين في المغرب، مما يدعونا إلى التأكيد على ضرورة الإسراع باعتمادها لما يمكن أن يكون لها من خصائص في مقاومة الأمراض ورفع الإنتاجية.
– ما الذي يجعل صنفا ما مختلفا عن الآخر؟
يمكن أن نقول إن الاختلافات بين الأصناف تأتي من أن كل صنف جديد يتضمن خصائص تميزه عن الصنف السابق، على اعتبار أنه يكون أكثر قدرة على مقاومة الأمراض والحشرات، التي تنال من مردودية المزروعات.
– وماهي الأمراض التي تصيب أكثر القمح الطري؟
> في المغرب يمكن أن نقول إن المرض الذي يعرف بالصدأ هو المرض الذي يصيب أكثر القمح الطري. وهناك ثلاثة أنواع من الصدأ، غير أن الصدأ الأصفر هو أخطرها. ويعتبر مرض الصدأ الأصفر أحد أهم الأمراض الطفيلية، التي تصيب أوراق وسيقان نبات القمح، والتي تنتقل إلى الحقول بواسطة الرياح أو الآليات الحاملة للمرض، مما يؤدي إلى خسائر هامة. ولابد من الانفتاح على بعض الأصناف، التي تم تطويرها، والتي تتيح مقاومة هذا المرض، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الممكنة للأنماط الفلاحية والمناخية. وهناك مرض «سبتوريوز» Septoriose، الذي يعتبر نوعا من الفطريات، التي تصيب القمح، وهو يتسبب في خسائر كبيرة.
> إلى أي حد تنتشر هاته الأمراض في المغرب؟
الصدأ الأصفر ينتشر في العديد من المناطق، ويظهر أكثر في المناطق القريبة من الجبال، ويزحف إلى المناطق الساحلية، وهو مرض تغذيه الوضعية المناخية التي تتميز بالبرودة.
– ما هي درجة خطورة مرض الصدأ الأصفر؟
يمكن أن يفضي انتشار هذا المرض في القمح الطري إلى تراجع المردودية بـ30في المائة، بما لذلك من تأثير على مستوى حجم الإنتاج.
– ماهي الأمراض التي وقفتم عليها أكثر خلال الموسم الفلاحي الحالي؟
> لم نلحظ كثيرا مرض «سبتوريوز». بالمقابل برز مرض الصدأ الأصفر. وما فتئ المزارعون يستعملون في مواجهته وسائل المقاومة التي تتاح لهم. وأنا أتصور أنه إذا حاصرنا هذا المرض يمكن أن نربح كثيرا على مستوى الإنتاجية، إذ يمكن أن يتراوح ذلك الربح بين 5 قنطارات و15 قنطارا في الهكتار.
– لكن هل ثمة إمكانية للقضاء عليه؟
تستعمل عادة طرق للمقاومة، حيث تطورت أصناف جديدة للقمح الطري، وتسخر مواد كيماوية معالجة، علما أن ذلك المرض يطور وسائل للمقاومة كأي كائن حي.
– ما إن انطلق موسم حصاد الحبوب الحالي حتى أثير النقاش حول جودة القمح الطري، علما أن الحكومة وضعت سعرا مرجعيا حددته في 290 درهما.
لا أتصور أن الجودة سوف تكون ضعيفة خلال هذا الموسم. نعم يمكن أن تكون التساقطات المطرية، التي عرفها المغرب في نهاية أبريل ومستهل ماي، والتي جاءت بعد أن نضج القمح، قد أضرت بالقمح في بعض المناطق، لكنني أظن أن الأمر يتعلق بمساحة جد صغيرة، حيث يمكن أن تنال من جودة القمح. وأعتقد أن الأمر قد لايهم سوى مساحات جد صغيرة، غير أني أعتبر أن المشكل سوف يطرح على مستوى البذور.
– بمعنى؟
البذور تتطلب شروطا جد دقيقة من أجل اعتمادها، فقد انتقلت الكميات التي تم توفيرها فيما يتعلق بالحبوب من 600 ألف قنطار إلى 1.2 مليون قنطار، وهذا ما ساهم فيه المخطط الأخضر، لكن مازال يتوجب بذل مجهود كبير في استعمال البذور كي نصل إلى مليوني قنطار من البذور.
– كيف يمكن لخريطة الخصوبة أن تساهم في رفع إنتاجية الحبوب؟
الخريطة سوف تساهم في التعرف على تفاصيل محيط الإنتاج، إذ تتيح الإحاطة بمدى توفر الأرض على المكونات المغذية. فهي ترمي إلى الوقوف على نوعية الأراضي الفلاحية في المغرب وحاجياتها من العناصر المغذية. وهذه الخريطة ستساهم في تيسير عملية اتخاذ القرار، لكن ما يجب الانتباه إليه هو درجة استعمال الأزوت.
– ماذا يعني ذلك؟
يصعب أخذ عينات من أجل قياس مقدار الأزوت في الأرض، لأن الأزوت غير مستقر، عكس الفوسفور والبوتاس اللذين يمكن الإحاطة بهما وقياسهما، وهو ما يتيح الوقوف على ما إذا كانت الأرض خصبة أم لا. ويجب أن أوضح بأن الأزوت عنصر أساسي في إنتاج القمح، والمغاربة لا يستعملونه كثيرا، ربما لأن سعره مرتفع.
– وماذا عن الإرشاد الفلاحي؟
الإرشاد الفلاحي قائم ويرشد استعمال الأسمدة وتطوير طرق السقي. لكن ما نلاحظه هو أن معدل إنتاج القمح في الهكتار لا يتعدى 14 قنطارا، ونحن نفترض أنه يجب المرور إلى 25 قنطارا في الهكتار. صحيح أن ثمة من ينتج أكثر من 80 قنطارا في الهكتار، لكن هذا المستوى نادر، وهو يستدعي استعمال جميع التقنيات الواجبة والعناية بالأصناف التي تحسن المردودية واستعمال الأدوية المقاومة للأمراض و الحشرات.
– ما الإجراءات المستعجلة التي يمكن القيام بها من أجل تحسين الإنتاجية؟
هناك العديد من التقنيات التي يمكن القيام بها من أجل بلوغ ذلك، لكن ما يجب القيام به هو إخراج أصناف القمح الطري الجديدة المسجلة. فالتأخر في إخراجها يكلف كثيرا، علما أن إشاعة أصناف جديدة تمر بمراحل حتى يستأنس بها الفلاح. والعمل بأصناف جديدة يعني القيام باختبارات تجريبية حتى يتعرف عليها الفلاحون وتوفير البذور بكميات كافية وتكثيف الإرشاد الفلاحي والتواصل من أجل التعريف بمزايا الأصناف المقترحة على مستوى رفع المردودية وقدرتها على مقاومة الأمراض، ناهيك عن تعبئة المساعدات التي يمكن أن تغري المزارعين بالانفتاح على تلك الأصناف.
– هل هناك تقنيات جديدة لرفع الإنتاجية وتقليص التكاليف بالنسبة للمزارعين؟
تحدثت سابقا عن تقنية جديدة تقوم على زراعة الحبوب دون أن يعمد الفلاح إلى حرث الأرض، وهي تمكن من تقليص العديد من المصاريف، خاصة فيما يتصل بالمحروقات، على اعتبار أن الجرارات لا تدخل إلى الحقول، وكذا الاقتصاد في الماء.وهي تجربة شائعة في العديد من البلدان منذ سنوات. و على المدى الطويل تساهم هاته التقنية في إغناء التربة بالمواد العضوية التي تغذيها. وهذه التجربة منتشرة في العديد من البلدان، من بينها تلك التي نستورد منها القمح.
حوار مصطفى أزوكاح عن جريدة المساء