مجلة المحيط الفلاحي

ليس هناك اخطر مرض على الزيتون من مرض اللفحة البكتيرية…

لقد سبق لنا في هذا المنبر ان اثرنا حكاية مرض اللفحة البكتيرية في الزيتون في يوليوز 2018، ودققنا ناقوس الخطر حيث اشرنا الى ان تواجده في الجنوب الايطالي في اكثر من 10000 هكتار يشكل تهديدا حقيقيا لطموح مخطط المغرب األخضر الخاص بزراعة الزيتون وغيرها من الزراعات العوائل. واليوم ماذا ساقول و قد اصاب اكثر من 800 الف هكتار وفي مقتل أكثر من مليون شجرة في إيطاليا. وبلغت الفاتورة حوالي 1.2 مليار يورو لثاني أكبر مصدر لزيت الزيتون بعد إسبانيا؟.

ماذا اقول و قد اصابت العدوى دولا مجاورة٫ إسبانيا وفرنسا (بما في ذلك جنوب كورسيكا)، و تم تحديد فاشيات جديدة في البرتغال، وفقًا لوكالة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA). كما اصابت ايران و التايوان؟

ماذا اقول والمرض يتقدم شمالًا بسرعة شديدة بأكثر من كيلومترين شهريًا تاركًا وراءه “منظرًا طيفيًا » امام مراى و مسمعلمزارعين الذين يقفون مندهشين امام هذاالانتشار المروع للمرض الذي تنتقله الحشرات الصغيرة ، والذي يعوق قدرة النباتات على امتصاص الماء والأملاح. وفقًا لاتحاد المزارعين الإيطالي كولدريتي؟.

ماذا اقول و انه بالرغم من الاموال الضخمة التي صرفت و تصرف عبر مشاريع بحثية من اجل وقف انتشار المرض لم يفلح الاتحاد الاوروبي من ذلك، فكيف بنا نحن هنا بالمغرب لو قدر الله دخل؟ ان لم يكن قد ادخلوه وخصوصا والاعراض الحقيقية يمكن ان لا تظهر الا بعد سنة او او سنتين او ثلات؟ إن قطاع                                                             

الزيتون مهم جدا في بلدنا خاصة لصغار المزارعين وسبل عيشهم، وبالتالي فإن أى خسائر فى المحاصيل سوف تؤثر سلبا على سبل عيشهم.

وعليه اتساءل، هل قمنا في بلدنا بإعداد خطط الطوارئ لمواجهة هذه المتلازمة والتغلب عليها من خلال وضع خطط الرصد الوقائي؟. وهل لدينا الان قدرات كافية من الناحية البشرية و المادية لاستخدام أليات الكشف المبكر لهذه البكتيريا والقدرة على تشخيصها ومعالجتها؟، فضلا عن زيادة الوعي لدى الأطراف المعنية حول مخاطر هذه المتلازمة.

في هذا المقال، سنتكلم مرة اخرى عن هذا المرض من اجل تحيين ما سبق ان تم نشره في السنة الماضية. و لمزيد من المعلومات عنه، يمكن عبر قناتي في اليوتوب (dr achbani channel) مشاهدة محاضرة في ثلاثة اجزاء القيتها بالعربية هذه السنة بالمركز الجهوي للبحث الزراعي بمكناس او فيديوهات خاصة ببعض الانشطة  (بايطاليا و لبنان)التي تقام حول هذا المرض في اطار مشروع CURE XF الذي ينسقه الدكتور مرون  المجبير بالمعهد المتوسطي الزراعي بباري بايطاليا، شاكرا له بالمناسبة كل جهوده وادارته الجيدة للمشروع.

بداية التحدث عن هذا المرض من جديد : 2013

المرض قديم وجديد، بحيث كان اول ظهور له سنة 1780 م بامريكيا بالكرم (العنب)، وجديد لان ظهوره لاول مرة في زراعة الزيتون بايطاليا يعد حدثا غير عادي بحكم اهمية قطاع الزيتون في دول حوض الابيض المتوسط. فمن اصل 750 مليون شجرة زيتون المزروعة في جميع أنحاء العالم، 95 ٪ منها تحتضنها منطقة البحر الأبيض المتوسط. و ان أكثر الإنتاج العالمي يأتي من جنوب أوروبا والمغرب العربي والمشرق العربي. يوجد في إسبانيا وحدها أكثر من 215 مليون شجرة على مساحة قدرها 2 مليون هكتار أي مايعادل 27% من المساحة المزروعة في العالم.

وصلت إلى هناك في منطقة  سلينتو (محافظة بوليا) القاحلة في إيطاليا في عام 2013 ، وربما من كوستاريكا. اصابت أشجار الزيتون المعمّرة في هذه المنطقة  التي هي جزء من محافظة بوليا الايطالية الأهم والأشهر في زراعة الزيتون، اذ تنتج 40٪ من إنتاج الزيت في إيطاليا و 12٪ على الصعيد العالمي، وهي تضم حوالي 60 مليون شجرة زيتون من بينها حوالي 5 ملايين شجرة عمرها يتراوح بين مئات وألاف السنين، وكانت قد أعلنتها منظمة الأنيسكو من التراث العالمي بسبب قدمها وندرتها وعددها الهائل المركّز في منطقة محددة. في البداية أصيبت مئات من الأشجار المعمّرة بهذه العوارض ثم أنتشر المرض حتى أصبح الان يهدد اكثر من مليون شجرة زيتون في منطقة سلينتو التي تضم 10 ملايين شجرة. وبلغت الفاتورة اكثر من 1.2 مليار يورو لثاني أكبر مصدر لزيت الزيتون بعد إسبانيا.

وانتشر المرض…

فقد اصابت العدوى ابتداء من سنة 2015 دولا مجاورة، كإسبانيا وفرنسا (بما في ذلك جنوب كورسيكا)، و تم تحديد فاشيات جديدة في البرتغال، وفقًا لوكالة سلامة الأغذية الأوروبية (EFSA). كما اصابت ايضا إيران والتايوان .

يتقدم المرض حاليا بمقدار 2 كم في الشهر إلى الشمال امام مراى و مسمع  المزارعين الذين يقفون مندهشين امام هذا  الانتشار المروع للمرض الذي تنقله الحشرات الصغيرة، والذي يعوق قدرة النباتات على امتصاص الماء والاملاح، وفقًا لاتحاد المزارعين الإيطالي كولدريتي، تاركًا وراءه “منظرًا طيفيًا”.

اما من سبب في ادخال هذه الجرثومة الى ايطاليا، فتلك قصة اخرى. في البداية، أحال المدعي العام الايطالي على التحقيق عشرة من الخبراء الزراعيين والمسؤولين في الدوائر الرسمية المعنية في المنطقة وأتهمهم بأمر خطير جداً ألا وهو إدخال ونشر بكتيريا كزيليللا فاستيديوزا (Xylella Fastidiosa) والتسبب في تفشي المرض، كما جمّد هذا القاضي العمل بخطة الطوارئ التي تتضمن قلع وإتلاف الأشجار المصابة والمشكوك بإصابتها. تم هذا الامر بعد ضغط المزارعين الذين اتهموا العلماء والمسؤولين بتآمرهم على تدمير بساتينهم دون داع، قائلين إن تلك الاشجار ظلت تتحمل الويلات طوال أكثر من ألفي سنة وقاومت والان يراد تدميرها. وقد عبرت بشكل جيد على هذا التناطح صحفية امريكية اسمها باربي التزا نادو   Nado Latza Barbie ب*معركة الزيتون* حيث قالت ان انعدام الثقة بين المزارعين والعلماء قد يهدد بساتين الزيتون في إيطاليا أكثر من تهديد البكتيريا المؤذية التي يحاربونها.

كما أن هناك شائعة مفادها أن المافيا هي سبب هذا المرض لتكون قادرة على بناء الفنادق في المناطق التي دمرتها جرثومة Xylella Fastidiosa.

من هذه البكتيريا التي تعد على الاطلاق واحدة من أخطر البكتيريا للنباتات في جميع أنحاء العالم؟

 تعتبر البكتيريا المسببة للمرض كزيليلا فستديوزا “Xylella fastidiosa” من اهم الجراثيم الممرضة للنباتات. فهي المسؤولة عن مرض بييرس ” Disease Pierce’s ” في الكرم ومرض الاصفرار ” Citrus chlorosis variegated” في الحوامض والحروقات في أوراق كثير من الاصناف النباتية مثل أشجار المشمش و الخوخ واللوز والقهوة والسنديان. ولم تظهر في الواقع ولاول مرة في اوروبا القريبة منا الا اخيرا في سنة 2013 وفي الزيتون، وبالذات في جنوب ايطاليا بمنطقة ليتش. Lecce-Pouilles، حيث أظهرت الاشجار المصابة أوراقا مجففة وأعراض التدهور السريع ” rapide Déclin ” للأشجار، مما يؤدي في الحالة الأكثر خطورة الى موتها.

صورة بساتين الزيتون المصابة بالمرض في مراحله الاخيرة

وتضم من بين عوائلها أكثر من 570  صنف نباتي واكثر من 50 عائلة نباتية مختلفة.  فحين تستعمر النسيج الخشبي “xylème “، فالجرثومة تسبب انسداد الاوعية التي تغدي الجزء العلوي للنبات، وتتواجد في نفس الوقت في الأجزاء العلوية (الأوراق والأغصان والثمار) وفي الجذور. ويقول خبراء الهيئة الأوروبية لأمن الأغذية بان عوائل هذه البكتيريا تشمل كثيرا من النباتات المزروعة وكذا البرية المحلية في أوروبا ، ونباتات الزينة و الطبية و العطرية. وهناك ايضا كثيرا من الأصناف التي يمكن ان تحتضن البكتيريا دون إبداء أي أعراض ظاهرية.

التوزيع العالمي :

تحتضن كثير من الدول هذه الجرثومة، منها الولايات المتحدة الأمريكية (ولاية كاليفورنيا و فلوريدا) وكندا وأمريكا الوسطى والجنوبية (بيرو والأرجنتين و كوستاريكا و والمكسيك والبرازيل وفنزويلا). وفي آسيا هناك تقارير نادرة تشير الى وجودها فقط في جزيرة تايوان وفي ايران. اما في أوروبا، كما ذكرنا سابقا، تم اكتشاف بور لها في جنوب إيطاليا في أكتوبر 2013 وفي بساتين الزيتون. وقد تمت في هذه المناطق تحاليل بكتيرية على عينات من أشجار كثيرة مثل اللوز والدفلى المزروعة بجانب أشجار الزيتون المصابة والتي اظهرت أعراضا على الاوراق ذات اللون الاصفر الضارب الى الحمرة و البياض “roussissement foliaire” وكانت إيجابية من جهة احتضانها للبكتيريا.

الأعراض :

 نذكر اهم الاعراض التي تم تسجيلها في بعض النباتات او الاشجار العوائل.

في الزيتون : تظهر أولى الأعراض على قمم الأشجار حيث تذبل الأوراق ، ثم تصاب الأغصان وتبدأ الأشجار تضعف الى ان تموت تماماً في الحالات الحادة (الصوراسفله). كما يجب التنويه ان هناك نباتات يمكنها ان تحمل البكتيريا دون ان تظهر عليها علامات المرض، مما يزيد من خطورة هذه الآفة.

 

الكرم : ظهور عيوب في عملية التخشب “lignification ” و بقاء العنيقات persistance de  pétioles بعد سقوط الأوراق. ويلاحظ ايضا احمرار واصفرار هذه الأخيرة.

الخوخ : ظهور شكل متدل للشجرة وصغر طول السلاميات ” entre nœuds”

البرتقال والقهوة : ظهور الاخضرار الورقي و فواكهة ذات القامة الصغيرة في البرتقال.

الدفلى واللوز والبلوط : ظهور حروقات في الاوراق وذبول في الأغصان او الفروع وفي الحالات الحادة، تودي الإصابة الى موت النبات.

الفصة : ظهور تقزم النبتة مرافق باللون الأزرق والأخضر للأوراق.

الشكوك في الاعراض المحتملة : يمكن ان يكون هناك التباس في مختلف الأعراض بين حروقات الاوراق او اخضرار حاشية الاوراق التي يمكن ان تتشابه مع أعراض مماثلة يسببها كل من الإجهاد المائي ” Stress hydrique” و الشيخوخة الطبيعية للأوراق او النقصان في بعض عناصر التغدية.

كيف تقتل الجرثومة النبات :

تعيش هذه البكتيريا وتتكاثر داخل الأوعية الناقلة للماء والغذاء في لحاء الشجر وتدريجياً تضيّق هذه الأوعية حتى تغلقها نهائياً. هذا الأمر يؤدي الى إصفرار الأوراق ثم جفافها وبشكل سريع تموت الشجرة.

وسائل انتقال العدوى:

ينتقل المرض عن طريق نوع من الحشرات القارضة والماصة (الصور الثلاثة المرفقة) التي تتغذى بنسغ النسيج الخشبي كزيليم Xylem. ونقصد خصيصا نطاط الاوراق الذي ينتمي لفصيلة وزيديات “Cicadellidae” والمعروف عن تنقلاته القصيرة المدى لا تتعدى 100 مترا. وكذا فصيلة المزبدات “Cercopidae”. اما الانتقال لمسافات طويلة، فانه يتم عن طريق نقل النباتات المصابة. دون نسيان ان هناك وسائل اخرى لنقل المرض ولو بشكل محدود مثل الثمار والأزهار والأوراق المصابة بالمرض.

واهم وسيلة للانتشار بالاتحاد الأوروبي القريب منا هو التعاملات التجارية وما ينتج عنها من تنقل الشتلات المحتضنة للبكتيريا.

القوانين :

فجرثومة كزيليلا فستديوزا Xylella fastidiosa تحكمها قوانين الحجر الزراعـــــي في أوروبا. و بموجب مرسوم يوليو 2000، تعتبر جرثوما يجب محاربته باستمرار في جميع التراب الفرنسي مثلا.

وبقرار من المفوضية الأوروبية، تعزز مراقبة البكتيريا على التراب الأوروبي. وفي فبراير 2014، اعتمد الاتحاد الأوروبي وفي عجالة من أمره قرار التنفيد للجنة الخاصة بشان التدابير لمنع انتشار البكتيريا في الاتحاد (قرار 87/2014/EU)

 

طرق المكافحة :

 ليس بالأمر السهل مكافحة هذه البكتيريا، فاستخدام المضادات الحيوية (Antibiotic) ليس مسموحاً في الزراعة نظرا لسلبياته ولا هو بأمرٍ سهلٍ أو فعّالٍ لأنه لا يصل الى داخل أنسجة الشجرة، كما لا يمكن إستخدامه على صعيد واسع لانه جد مكلف. لا توجد في الواقع أي وسيلة لمحاربة هذا المرض البكتيري سوى اتخاد إجراءات وقائية تبعد المرض او احتواء تفشيه إذا كان مثبتا في بقعة ما. وفي هذه الحالة، يجب التركيز على النباتات المصابة والحشرات الناقلة. بالنسبة لهذه الاخيرة، يمكن مكافحتها، وهذا الأمر يلزم إستخدام كميات كبيرة من المبيدات الحشرية، مما سيسبب أضرار بيئية هائلة ، كما ان النتيجة ليست مضمونة، اضافة  أن الحشرات قد تكوّن مناعة على المبيدات إذا إستخدمت بشكلٍ شاملٍ وعشوائي، وكذا اثرها على جودة زيت الزيتون.

يبقى الحلّ  المستعمل الان و المنصوح به كرها و هو إزالة الأشجار المريضة وحرقها. ويجب ان تكون المراقبة صارمة فيما يخص زرع المساحات الجديدة مثلا بالزيتون، كان لا تستعمل الا الشتلات الخالية من المرض وعدم التساهل مع الحشرات الناقلة.

فقد نهجت الأوساط العلمية والزراعية في الاتحاد الأوروبي سبيلا وحيدا لإيقاف  هذا المرض هو إنشاء منطقة عازلة طولها 10 كلمترات تفصل بين   جميع الأشجار في رقعة واسعة من الأراضي الممتدة من الغرب إلى الشرق بين الأشجار الميتة والمحتضرة جنوب ليتشي وتلك التي لم تصلها العدوى بعد إلى الشمال. وإذا تم العثور على بكتيريا كزايليلا في شجرة واحدة في أي مكان بالقرب من المنطقة العازلة، فلابد من وضع علامة X عن طريق الرش بالطلاء الأحمر على كل شجرة تقع ضمن 100 متر  منها والتي يتعين تدميرها فورا. وكل مرة تتغير هذه المناطق العازلة بتقدم البكتيريا نحو الشمال.

المكافحة عبر المقاومة الجينية :

بارقة أمل : 

 بالرغم من كل الاضرار المسجلة في الجنوب الايطالي على الزيتون، يبقى الأمل… في قلب المنطقة المصابة، تظل بعض أشجار الزيتون خضراء، دون أن يعرف أحد سبب ذلك. لقد وقفت شخصيا على هذه الظاهرة في زياراتي لجنوب ايطاليا (اكتوبر 2018 و مارس 2019)، فظهور هذه المقاومة الغير المنتظرة شجعت الباحثين وولد لديهم منظوراً جديدا إيجابيا في مكافحة هذا الخطر الذي يهدد حوض البحر الأبيض المتوسط بأكمله. وعلى راس هولاء الخبراء، المهندس الزراعي التابع للمجلس القومي للبحوث الإيطالية ، Pierfederico La Notte ، الذي حدد نوعين من أشجار الزيتون هما Leccino  و Favolosa اللتان تبدوان معجزة بحكم انهما لا تعانيان كثيرًا من مرض كزيللا حسب المشاهدة الحقلية، و ويقول ان هذا التوجه هو نقطة انطلاق وليست خط النهاية.  وحاليا تستثمر هذه المقاومة عمليا، اذ يتم الان تطعيم فروع الأصناف المقاومة على جذوع أشجار الزيتون المريضة والتي تنمو بشكل طبيعي وحتى انها تنتج الفاكهة. حقا انه بصيص من الأمل لهذه المنطقة التي تعتمد اعتمادا على الزراعة، و التي فقدت مئات الآلاف من أشجار الزيتون.

صورة لشجرة ملقمة بصنف ليتشينو اكثر من عقد من الزمان حيث يبدو هذا الاخير مقاوما

للمرض (الجهة اليسرى من الصورة) -اخدتها في الجنوب الايطالي في اكتوبر 2019-

لقد فقد مثلا المهندس الزراعي ومنتج زيت الزيتون جيوفاني ميلكارني 90٪ من أشجاره ، لكنه لا ييأس بل يبحث عن أنواع محصنة.  و بنى بالمناسبة دفيئة يزرع فيها عشرات من أشجار الزيتون الصغيرة التي يأمل من خلالها في العثور على الصنف المناعي. فقد قام بتلقيح المرض بهذه الشجيرات، وقام بتلويثهم بالحشرة التي تحمل البكتيريا لمعرفة ما إذا كانت هذه الأصناف المحلية التي يمكن زراعتها، ستكون محصنة ضد هذا المرض. و سيستغرق الأمر ما لا يقل عن عام واحد للحصول على النتائج الأولى، لأن المرض كما هو معلوم يستغرق وقتًا طويلا للظهور.

صورة : تطعيم الاشجار المريضة بصنف ليتشينو المقاوم لمرض كزيليلا  -اخدتها في الجنوب الايطالي في اكتوبر 2019-

وما الامر عندنا في المغرب وما خطر وصول المرض الينا؟

يطرح البعض بأن هناك مخاطر كبيرة من أن ينتشر المرض في أنحاء إيطاليا ومن ثم الى إسبانيا ومناطق إنتاج الزيتون الأخرى القريبة مثل بلدنا المغرب. ولكن الأمر ليس قد لا يصل الى هذا الحدّ خاصة إذا تم إتخاذ إجراءات فعّالة من قبل الدول التي أصيبت بالمرض أو الدول التي يمكن أن ينتقل إليها.، صحيح أن الإصابة بعد عدة سنوات مازالت محصورة في منطقة محددة من جنوب إيطاليا حيث يسود مناخ متوسطي معتدل ودافئ ولم ينتشر الى المناطق الأخرى الأقل دفئاً. ولكن هذا الأمر يصبح مقلقاً بالنسبة الى المغرب وهو ذو المناخ المشابه، أي أن إمكانية إنتقاله الينا واردة جدا. فيمكن ان يتم ذلك عبر وسائل الإنتقال الممكنة وعلى راسها المواد النباتية الملوّثة كالشتلات المستوردة من المناطق الموبوءة أو القريبة منها والمصابة أو الحاملة للبكتيريا، وهنا دور السلطات المختصة التي تصدر أذونات الإستيراد وأجهزة الرقابة على المعابر الحدودية لمنع هذا الأمر. أما الوسيلة الثانية وهي الحشرات الماصة والحاملة للبكتيريا فيصعب عليها قطع مسافات كبيرة والوصول الى المغرب إلا في حال كانت مختبئة في وسائل النقل بكل اشكاله  أو البضائع المستوردة وقد يكون عددها أو كمية البكتيريا التي تحملها غير قادرة على نشر المرض بسهولة.  

أما على أرض الواقع، فلم يتم حتى الأن تسجيل عوارض شبيهة بعوارض هذا المرض في المغرب، اي ذبول سريع ومفاجئ وموت الأشجار. علما ان مرض ذبول الفرتسيليوم يسبب هو ايضا نفس الاعراض و التي نراها كثيرا في اشجار الزيتون بجهة فاس مكناس والتي لا تودي الى الموت السريع للشجرة.

و لكن….كل هذه التطمينات ينبغي أن لا تصيبنا بالإسترخاء والإهمال، فالتنبّه والرقابة المشددة والمتابعة الدائمة واجب على كل المستويات. على المزارع أن لا يهمل بساتينه ويبادر الى تطبيق المعاملات الزراعية الجيدة وأن يراقب أي ظهور لعوارض ذبول غريبة ويبلّغ المصالح المختصة وموسسات  البحث و التعليم و التنمية و الارشاد التابعة لوزارة الفلاحة. وكذا المهندسون والمرشدون الزراعيون العاملون لدى الوزارة والجمعيات الأهلية والقطاع الخاص يتوجب عليهم التنبّه الدائم والتأكّد من أي عوارض شبيه قد يشاهدونها خلال تجوالهم في بساتين الزيتون. كما هناك دور هام لمراكز الأبحاث العلمية والجامعات في متابعة تطور المرض والمراقبة الدائمة، وبالتأكيد إدراجه على قائمة الأولويات في البحث العلمي.

وفي الختام، اشدد على الإبقاء على الإستنفار الدائم ووضع خطة للمواجهة ومنع وصول المرض الى المغرب والإبقاء على الأعين مفتوحة من قبل الجميع لرصد أي عوارض ذبول تظهر على أشجار الزيتون أو على أي نوع من أنواع المزروعات الأخرى والتأكد من أسبابها. فشجرة الزيتون ثروة إقتصادية وبيئية لابد من أن تنال كل الإهتمام والحماية من أي ضرر قد يصيبها. اللهم قد بلغت…

د. الحسن اشباني : مدير البحث بالمعهد الوطني للبحث الزراعي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.