قطاع الزيتون بالمغرب تحت ضغط التغيرات المناخية: تحديات حقيقية وحلول مستقبلية..
يُعد قطاع الزيتون في المغرب أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الفلاحي، حيث يساهم بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائي، ويوفر فرص عمل واسعة في مختلف مراحل الإنتاج والتحويل. إلا أن هذا القطاع الحيوي يواجه اليوم تحديات جسيمة بفعل التغيرات المناخية، التي باتت تُلقي بظلالها على إنتاجية أشجار الزيتون وجودة محصولها. هذه التغيرات، التي تشمل ارتفاع درجات الحرارة، تقلص الموارد المائية، وتزايد تواتر الظواهر المناخية الغير ملائمة والتي أصبحت مصدر قلق كبير للفلاحين والمستثمرين على حد سواء.
تُعتبر شجرة الزيتون رمزًا للقدرة على التكيف مع الظروف المناخية الصعبة، إلا أن التغيرات المناخية الأخيرة تجاوزت حدود تحمل هذه الشجرة العريقة. فقد شهدت المناطق الرئيسية المزروعة بالزيتون، مثل فاس-مكناس وتادلة-الحوز، تراجعًا ملحوظًا في معدلات الإنتاج بسبب فترات الجفاف الطويلة ونقص التساقطات المطرية التي تؤثر مباشرة على دورة نمو الشجرة وإنتاج الثمار. إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع درجات الحرارة خلال فترة الإزهار والإثمار يؤدي إلى تقليل فرص التلقيح وانخفاض جودة الزيت المستخرج.
ولا تتوقف التحديات عند هذا الحد، فالتغيرات المناخية تُساهم أيضًا في انتشار آفات جديدة وأمراض زراعية تهدد صحة أشجار الزيتون، ما يضاعف من تكاليف الإنتاج ويؤثر على المردودية الاقتصادية للفلاحين. ولعل هذا الوضع يدفعنا للتساؤل: هل نحن مستعدون لمواجهة هذه التحديات؟ وهل يمكن لقطاع الزيتون أن يصمد أمام هذه الظروف المتغيرة؟
في ظل هذه المعطيات، تظهر الحاجة الملحة لاعتماد استراتيجيات جديدة تُركز على تعزيز القدرة التكيفية للقطاع مع التغيرات المناخية. وتشمل هذه الاستراتيجيات تشجيع استخدام تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط، الذي يُساهم في تحسين كفاءة استخدام المياه، وتعزيز البحث العلمي لتطوير أصناف زيتون مقاومة للجفاف والآفات. كما يجب تعزيز برامج التكوين لفائدة الفلاحين، لمساعدتهم على تبني ممارسات زراعية مستدامة تراعي التحديات المناخية الحالية.
وعلى المستوى الوطني، تبذل الوزارة الوصية على القطاع جهودًا هامة لدعم القطاع من خلال مخطط المغرب الأخضر سابقا والاستراتيجية الجديدة “الجيل الأخضر” حاليا ، التي تهدف إلى تعزيز إنتاجية الزيتون وتحسين سلسلة القيمة المرتبطة به. إلا أن النجاح في تحقيق هذه الأهداف يتطلب تعاونًا وثيقًا بين جميع الأطراف المعنية، من فلاحين ومستثمرين وباحثين وصانعي القرار.
إن حماية قطاع الزيتون في المغرب من تأثيرات التغيرات المناخية ليست مجرد مسؤولية اقتصادية، بل هي واجب وطني للحفاظ على إرث زراعي وثقافي يساهم في تعزيز هوية المغرب وتوفير الغذاء لأجياله القادمة. لذلك، يجب أن تكون الاستجابة للتغيرات المناخية في هذا القطاع نموذجًا يُحتذى به في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية التي تهدد التنمية المستدامة في بلادنا.
#عادل العربي