في زمن مخطط المغرب الأخضر٬ لا زال للعرف والتقاليد الكلمة الفصل في زراعة نخيل التمور
المحيط الفلاحي :استأثر قطاع زراعة نخيل التمور في المغرب بأهمية خاصة من طرف مصالح وزارة الفلاحة٬ خاصة من خلال مخطط المغرب الأخضر٬ وحتى قبل إطلاق هذا المخطط الاستراتيجي الطموح٬الرامي إلى تأهيل هذه السلسلة من النشاط الزراعي الأساسي في منطقة الجنوب الشرقي للمملكة٬ وجعله وسيلة للرقي بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي لساكنة هذه المنطقة التي اعتادت منذ قرون خلت على العيش على نمط الاقتصاد الزراعي التقليدي.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة والكبيرة المبذولة من طرف مختلف الجهات المتدخلة في هذا القطاع على مستوى حوض درعة٬ وفي مقدمتها المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لورزازات٬ قصد النهوض بهذا النشاط الفلاحي٬ فإن أنماط الاستغلال التقليدي لهذا القطاع الإنتاجي الأساسي في منطقة الجنوب الشرقي للمملكة لا زال خاضعا في جزء كبير منه لأنماط الإنتاج التقليدية المتداولة منذ عدة عقود متتالية.
ونتيجة لذلك٬ فإن الجهود المبذولة من طرف وزارة الفلاحة من أجل النهوض بقطاع نخيل التمور٬ لا زالت محدودة الأثر في أوساط المزارعين٬ بالرغم من كون المحفزات المقدمة في هذا الإطار من طرف المصالح المركزية والجهوية التابعة لوزارة الفلاحة على قدر كبير من التشجيع والإعفاءات٬ خاصة بالنسبة للمزارعين الراغبين في توسيع المساحات الزراعية المشمولة بغرس نخيل التمور٬ سواء داخل الواحات٬ أو خارجها.
فالثقل الذي يحظى به العرف والتقاليد في المجتمعات التي تعتمد نمط الإنتاج الزراعي٬ غالبا ما يكون له الكلمة الفصل في اختيارات الساكنة المنتسبة للمجتمعات للزراعية٬ ومن ضمنها الساكنة التي تستوطن مجاري وواحات وادي درعة٬ والتي تعتمد في جزء كبير من دخلها السنوي على مردود إنتاجها من التمور الذي يعتمد بالأساس أنماط الإنتاج العتيقة المتوارثة عبر الأجيال.
ومن جملة الأسباب التي تشجع على استمرارية فلاحي الجنوب الشرقي في إتباع أنماط الإنتاج التقليدية بخصوص زراعة نخيل التمور٬هناك العامل المتعلق بكون الجزء الأكبر من هذه الثروة النباتية الوطنية في هذه المنطقة يعود إلى عقود خلت٬ مما جعل أشجار النخيل ذات علو يفوق في بعض الأحيان سبعة أمتار٬ وهذا ما يتحتم معه اعتماد الأساليب التقليدية في تتبع المحصول وجنية.
ويحكي الشيخ أحمد معبد(من مواليد 1929)٬الذي أمضى عقودا متتالية في التعاطي لزراعة نخيل التمور وبعض الأنشطة الفلاحية الموازية٬ أن النواة الأولى لعنقود الثمر التي تخرجها النخلة تبرز ابتداء من شهر مارس من كل سنة٬ وتستمر هذه العملية أثناء شهر أبريل٬ كما يمكن أن تمتد في بعض الأحيان إلى شهر مايو.
وأوضح في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء أن النواة التي تستعمل في التلقيح٬ والتي تسمى باللهجة المحلية ب”الذكار”(وهو اللقاح)٬ فيتم الحصول عليها من النخيل غير المنتج للتمر. وتبدأ هذه النواة في النمو ابتداء من شهر فبراير من كل سنة٬ حيث تتم مراقبتها إلى أن تجف٬ ليتم جنيها ثم الحفاظ على دقيقها في حقيبة مصنوعة من شعر الماعز٬ تسمى “تزاييرت“.
وقد جرت العادة أن يشرع في عملية تلقيح النخيل المنتج للتمور ابتداء من الأسبوع الثاني من شهر مارس٬ حيث يتسلق النخلة حرفي متخصص في عملية التلقيح٬ وتكون لديه مهارة كبيرة في تسلق شجرة النخيل مهما بلغ علوها٬ حيث يحمل معه أداة حادة لإزالة السعف والأشواك الكبيرة الحجم التي يمكنها أن تعوق مهمته.
وتقتضي عملية التلقيح أن يوضع الغصن الصغير الحامل لدقيق اللقاح “الذكار” أو”أزرور” وسط كل عنقود من التمر. غير أن صنف “المجهول”٬ وهو من أجود أنواع التمور وأفضلها٬ يتطلب غصنين اثنين من اللقاح٬ وإلا ستكون جودته غير مكتملة بعد إتمام نضجه.
وهناك من المزارعين في منطقة الجنوب الشرقي من لا يلجأ في عملية التلقيح إلى فلاح اختصاصي في تسلق النخيل٬ ويقتصر عوض ذلك على عملية التلقيح التلقائي لنواة إنتاج التمور٬ والتي يحكى أنها تتم عن طريق هبوب الرياح الشرقية٬ التي تحمل معها دقيق “أزرور” فتتم بذلك عملية التلقيح بشكل تلقائي.
ويروي سكان الواحات في الجنوب الشرقي أن من العلامات المؤشرة على هبوب هذه الرياح المحملة بدقيق”أزرور”٬ هناك اشتداد المعاناة الصحية لدى المصابين بأمراض الحساسية ومرض الربو. كما يروي هؤلاء السكان أن نخيل التمور الذي يلقح بهذه الطريقة تكون جودته ناقصة٬ مقارنة مع منتوج النخيل الذي تم تلقيحه من طرف أخصائي في هذه الحرفة الزراعية.
وجرى العرف لدى فلاحي الواحات في منطقة درعة ألا يتم أداء أجرة الفلاح المتخصص في عملية التلقيح نقدا. بل ينتظر إلى حين نضج المنتوج والشروع في عملية الجني ابتداء من نهاية شهر غشت وبداية شتنبر من كل سنة٬ليأخذ مقابلا عن خدماته٬ وهو عبارة عن عنقود من التمر عن كل نخلة أشرف على تلقيحها.
وعلاوة عما تشكله هذه الأعراف من عرقلة حقيقية أمام النهوض بسلسلة إنتاج التمور في حوض درعة٬ فإن أنماط الإنتاج التقليدية المعتمدة من طرف الغالبية العظمى من الفلاحين في المنطقة تشكل بدورها فرملة حقيقية لتطوير هذا المنتوج الزراعي٬ ومن ضمنها اعتماد أساليب الري العتيقة٬ وإضرام النار في النخيل المصاب بمرض “البيوض” وغيرها من الأساليب والتقنيات الزراعية العتيقة.
ومقابل ذلك يراهن مخطط المغرب الأخضر في شقه المرتبط بتطوير سلسلة التمور على تزويد الفلاحين بشتائل من نخيل التمور التي لها قدرة كبيرة على مقاومة الأمراض وفي مقدمتها مرض “البيوض”.إضافة إلى كون هذه الشتائل لها قدرة كبيرة على التجاوب مع التقنيات الفلاحية العصرية من ري وتشذيب ومعالجة مما يجعلها قادرة على الشروع في الإنتاج في وقت قياسي بعد عملية الغرس.
وإزاء هاتين الوضعيتين المتنافرتين٬ يبدو أن تطوير سلسلة إنتاج التمور في منطقة الجنوب الشرقي عموما٬ وحوض درعة بالخصوص٬ يبقى مرهونا بتوجيه الاستثمارات نحو استغلال المساحات الزراعية الشاسعة في المنطقة التي تضررت جراء مواسم الجفاف المتتالية. والعمل في الوقت ذاته على تغيير عقلية المزارعين في المنطقة٬ وإقناعهم بجدوى اعتماد الأساليب الزراعية الحديثة عوض الارتهان إلى العرف والتقاليد اللذين يقيدان طموحات المزارعين٬ الذين ظلوا يعتقدون منذ أمد بعيد أن معيشة الكفاف هي قدرهم المحتوم٬ بينما تثبت الإمكانيات المتاحة عكس ذلك.
بقلم حسن هرماس : وم ع