زراعة “الفستق” بدرعة تافيلالت .. مخاطرة!
لم يكن يخطر ببال سكان الجنوب الشرقي أن تتواجد أشجار الفستق بالقرب منهم، لكونهم تعودوا على زراعة أشجار أخرى مثمرة، خاصة نخيل التمر وأشجار الزيتون وبعض أنواع الفواكه والخضروات.
العربي الشرادي، صاحب ضيعة لإنتاج الفستق بضواحي مدينة الرشيدية، كسر حاجز التخوف من مغامرة زراعة نبتة غريبة نوعا ما على سكان لم يتعودوا على رؤيتها تجد مكانا لها ضمن منظومة فلاحية يغلب على مساحاتها انتشار الواحات.
مضت نحو ثماني سنوات على بزوغ الفكرة لدى العربي الشرادي الذي قام بتنفيذها بشكل فوري، دون النظر إلى الوراء أو حساب العواقب الكبيرة، لمغامرة رأى أنها قد تجلب ربحا وتؤسس لنموذج زراعي واعد في جهة لا يرغب العديد من فلاحيها تغيير نمط أنشطتهم المتوارثة.
إنها مدة غير كافية لتقييم التجربة، حسب العياشي، لكنها مثال يحتذى في التصدي للتفكير التقليدي في الزراعات داخل جهة درعة تافيلالت، لا سيما أن العمل في هذا المجال الحيوي يدر دخلا جيدا لأصحابه.
ولا تشهد زراعة الفستق كثافة كبيرة في المنطقة، بفعل “المخاطر” التي تشكلها على السوق المحلية، خاصة أن الفستق يعتبر زراعة جديدة بالنسبة لفلاحي درعة تافيلالت المهتمين بأنشطة تشهد على تقاليد من الصعب تغييرها.
كما أن المنطقة لم تعرف قيام فلاحين بزراعة هذا النوع من النباتات التي لها جاذبيتها لدى المستهلكين المغاربة الذين اكتشفوا مذاقها وفوائدها الصحية المتميزة.
هي مبادرة خاصة تتسم بالمخاطرة، لاسيما أن زراعة الفستق تعد نشاطا فلاحيا جديدا، إذ لا يتوفر العديد من المهتمين بالشأن الزراعي على خبرة كافية لتوجيه الساعين إلى إدراجه ضمن أجندتهم الاقتصادية، إضافة إلى عدم وجود مساعدات تقنية أو مالية من الجهات المعنية.
وبغية مساعدة نفسه وإنجاح مشروعه الطموح، جلب السيد العربي الشرادي شتائل من منطقة أزرو بجهة فاس مكناس ليزرعها في منطقة مسكي بضواحي مدينة الرشيدية.
وسيكون العربي الشرادي فخورا حينما يجد أن تجربته لقيت نجاحا كبيرا لتشكل نموذجا للتحدي المبني على الوعي الزراعي المتقدم الطامح لتنويع الإنتاج والمساهمة في الاكتفاء الذاتي للمغرب من نوع فلاحي جيد.
ويرى بعض الخبراء في المجال الفلاحي أن هذه الضيعة قد تشكل قاطرة بالنسبة للفلاحين الآخرين الذي سيحدون حدو العربي الشرادي للمخاطرة، لكن بوعي وبدون تسرع، لأن الفستق يحتاج إلى الصبر والتحمل وانتظار النتائج بعد سنوات من الجهد والعمل المتواصل.
ولعل ثقافة سكان وفلاحي المنطقة تساعدهم على ذلك، خاصة أن زراعة الفستق تشبه نوعا ما العناية بنخيل التمر، حيث يتقاسمان مدة انتظار المحصول الأول لعدة سنوات بعد زرع النبتة الأولى، وهو ما ينطبق فعلا على العديد من أنواع نخيل التمر المعروف بالمنطقة.
ولا يمكن الحديث عن سلسلة الفستق في جهة درعة تافيلالت مثل سلاسل الإنتاج الأخرى، بقدر ما ينبغي الحديث عن تجربة في بدايتها لم تنضج بالشكل الكافي لتصبح ذات مردودية كبرى على فلاحي المنطقة. فالمنطقة عبارة عن ممر كبير على مشارف الصحراء وفضاء تهيمن عليه الواحات بنحو 88 في المائة من المساحة.
وبالطبع فإن اللجوء إلى زراعات “جديدة” يشكل مخاطرة كبيرة بالنسبة للمستثمرين في قطاعات إنتاجية لا يعلمون نتائجها سوى بعد التجربة المضنية على المستوى الزمني والمادي.
وهو ما قامت به عائلة أميناص في إقليم ورزازات التي خاضت المغامرة قبل عشرين سنة، إذ كانت للعائلة رؤية أخرى مخالفة لما هو متداول بين فلاحي المنطقة.
وكانت النتيجة أن أصبحت الضيعة، التي توجد بدوار إيمزوغن بمنطقة آيت زينب بضواحي ورزازات، أهم منتج للفستق الذي يوصف بالثمرة المربحة و”الزكية”، لكونها تمنح، كل سنة، كمية كبيرة من الثمار تذهب أغلبها للاستهلاك المحلي والعائلي.
مريم أميناص، ابنة المنطقة التي عايشت كل فترات زراعة والعناية بالفستق بالمنطقة، تعتبر أن هذه النبتة الجميلة و”الحلوة” لا تزال تمنح السعادة للعائلة وللسكان لأنه يمكن استعمالها في العديد من الوجبات المختلفة.
وقالت إننا نعيش في شهري يونيو ويوليوز مرحلة التوالد الكثيف للفستق، مما يضفي بهجة على العائلة والمستفيدين من هذه الزراعة لأن المغامرة الكبيرة برأسمال مهم والمخاطرة بالاهتمام بنبتة تبدو غريبة على المنطقة أتت أكلها ونجحت في أن تساهم في تنويع المنتوج الفلاحي بورزازات.
وأشارت مريم، مستحضرة مرحلة طفولة قضتها بين أشجار ضيعة العائلة وهي شاهدة على نمو أشجار الفستق الذي يتطلب انتظار أكثر من ست سنوات لرؤية الإنتاج، إلى أن هناك رغبة في تعميم التجربة في المناطق الأخرى بجهة درعة تافيلالت، وعلى الخصوص، بورزازات لأن التجربة “الفريدة” نجحت بشكل كبير.
وأكدت الرغبة الموجودة لتوسيع هذا المشروع، داعية إلى تقديم يد المساعدة للفلاحين من حيث التوجيه والتأطير والمواكبة المستمرة بغية إنتاج الفستق بالمنطقة.
ورغم أن زراعة الفستق لا تسود بشكل كبير مثلما هو الأمر بالنسبة للتمور وأشجار الزيتون في جهة درعة تافيلالت، فإن المخاطرة تكمن مرة أخرى في الصعوبات التي تكتنف زراعته والعناية به والصبر على فترة جني ثماره.
والفستق يحتاج، لكي يمنح محصولا جيدا، إلى أن يزرع في منطقة تتميز بمناخ شبه صحراوي لا تتجاوز درجة حرارته 45 درجة مائوية، بشرط الاعتناء بالنبتة بطريقة مختلفة عن جميع النباتات التي اعتاد سكان الجهة الاهتمام بها وإدراجها ضمن أنشطتهم الفلاحية المعتادة.
وتعد شجرة الفستق من النوع الذي يصلح في المناطق البورية مع توفير بيئة جافة نسبيا، وانتظار سنوات عدة قبل الحصول على منتوج يساوي المجهود المبذول من أجله.
ويشترط أيضا أن يتم السقي عند ارتفاع درجات الحرارة، خاصة في فصل الصيف، لمساعدته على تكوين النوى، وكذا عند بروز عناقيد ثمار الفستق، ويتغير الأمر حينما يحل فصل الشتاء بسقي كمية ضئيلة لكونه لا يتحمل هطول الأمطار بكثرة، فالسقي يتغير من فصل إلى آخر.
كما أن الفلاحين الذين يرغبون في الاهتمام بالفستق كزراعة واعدة ومدرة للدخل، يجدون صعوبة في الحصول على الشتائل المناسبة للأراضي الزراعية التي في حوزتهم، ويحتاجون للاستشارة الفلاحية الواقية من شر المغامرة غير المحسوبة العواقب.
ويمكن لفلاحي المنطقة اللجوء إلى زراعة هذا النوع من النباتات لكون الجهة تتوفر على عدة سدود تتيح امكانية تطوير المجال الفلاحي وخدمات الماء الصالح للشرب.
فالجهة تتوفر على خمسة سدود كبرى وثلاثة أخرى قيد البناء، مع وجود مياه سطحية بنحو 1.535 مليار متر مكعب، ومياه جوفية تصل إلى 423 مليون متر مكعب، في وقت تصل فيه المساحة المسقية إلى 154 ألف هكتار.
والفستق رغم مخاطره الجمة، فإنه استثمار جيد بالنسبة للفلاحين الذين يتوفرون على أراضي شاسعة يمكن أن يخصص جزء منها للنبتة التي تحتاج إلى أناة وصبر، لاسيما أنها تتأقلم مع مناخ المغرب.
المحيط الفلاحي:و.م.ع