خمسة عشر عامًا من العطاء والتميز: المحيط الفلاحي رمز الإعلام المتخصص في خدمة القطاع الزراعي والتنمية المستدامة بالمغرب…
في مشهد إعلامي يتغير بسرعة مذهلة، تبرز بعض المؤسسات كأيقونات للاستمرارية والتميز، محققة توازنًا نادرًا بين المهنية والابتكار. مجلة “المحيط الفلاحي”، التي تحتفل اليوم بمرور خمسة عشر عامًا على تأسيسها، هي إحدى هذه الأيقونات. لم تكن انطلاقتها مجرد مشروع إعلامي عابر، بل كانت رؤية متكاملة لتأسيس منصة تعكس نبض القطاع الزراعي والقروي والصيد البحري ، وتلبي احتياجات العاملين فيه ، من فلاحين ومهنيين وصناع قرار وباحثين بمعلومات ومعطيات دقيقة ، بل وتمتد لتخاطب وجدان الأمة المغربية بمسؤولية عميقة تجاه الأرض، والبيئة، والتنمية المستدامة.
عندما بدأنا المشوار قبل خمسة عشر عامًا، كان الطموح كبيرًا، لكنه ظل متواضعًا أمام ما تحقق اليوم. فقد كانت الفكرة ببساطة أن نكون لسان حال الفلاح المغربي، أن نوصل صوته إلى صناع القرار، وأن نكون مرجعًا لمن يبحث عن المعلومة الدقيقة في قطاع يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الوطني. لكننا أدركنا سريعًا أن المهمة أكبر من ذلك، وأن العمل الإعلامي المتخصص في قطاع حيوي كالفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري يتطلب رؤية أبعد وأعمق.
على مر هذه السنوات، لم تكن “المحيط الفلاحي” مجرد ناقل للأخبار . لقد حملنا على عاتقنا مسؤولية الإسهام في توجيه النقاش حول قضايا مصيرية كالأمن الغذائي، التغيرات المناخية، استدامة الموارد الطبيعية، وتطوير الفلاحة التضامنية التي تساهم في تقليص الفوارق الاجتماعية بين العالم القروي والمدن.
على مدار خمسة عشر عامًا، كنا دائمًا في قلب الميدان، حيث تنبض الحياة الحقيقية. جُلنا مختلف جهات المملكة، ووصلنا إلى أعمق الجبال و المناطق القروية بوطننا الحبيب لننقل الواقع كما هو، بعيدًا عن رفاهية المكاتب المكيفة وأساليب الاعتماد على المعطيات الجاهزة. نحن من النوع الذي يفضل أن يشهد الحدث عن قرب، ويتحاور مع الفلاحين والصيادين مباشرة ودوي الاختصاص من مهندسين ومسؤولين وغيرهم ، ليكون ما ننشره مرآة صادقة لنبض هذا الوطن وقضاياه الحيوية.
أن تكون مسؤول لمجموعة إعلامية متخصصة مثل “المحيط الفلاحي” يعني أن تتحمل أعباء مضاعفة، أن تكون عيونك مفتوحة على تفاصيل كل تحول صغير أو كبير، وأن تكون لديك الجرأة على نقل الحقائق كما هي، دون تزييف أو مجاملة. يعني أيضًا أن تضع نصب عينيك دائمًا أن الرسالة الإعلامية ليست مجرد كلمات تُكتب أو تُنشر، بل هي مسؤولية أخلاقية ووطنية، هدفها الأول خدمة المصلحة العامة.
نحن لا نحتفل اليوم فقط بالاستمرارية في مشهد إعلامي مليء بالتحديات، بل نحتفي أيضًا بالقيم التي حافظنا عليها منذ البداية: المصداقية، الدقة، والالتزام بقضايا التنمية المستدامة. كانت “المحيط الفلاحي” دائمًا أكثر من مجرد مجلة. كانت جسرًا للتواصل بين مختلف الفاعلين في القطاع، ومنبرًا للمزارعين والفلاحين الذين لا يجدون في كثير من الأحيان من يُصغي إليهم.
خمسة عشر عامًا ليست مجرد رقم، بل هي شهادة على أن العمل الجاد والمخلص يثمر دائمًا. ومع كل عام يمر، تزداد مسؤوليتنا تجاه جمهورنا، وتكبر طموحاتنا في مواصلة تقديم محتوى إعلامي يليق بحجم التحديات التي يواجهها القطاع الفلاحي والتنمية القروية والصيد البحري في المغرب.
واليوم، أكثر من أي وقت مضى، ندرك أهمية الإعلام المتخصص في توجيه الرأي العام وتعزيز الوعي بالقضايا الحيوية التي تؤثر على مستقبلنا جميعًا. فلا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة أو مواجهة تحديات المناخ دون تسليط الضوء على دور الفلاحين، والعاملين في قطاع الصيد البحري، والجهود التي تبذلها الدولة لتعزيز هذا القطاع الحيوي.
ورغم التحديات المادية، أطلقنا بكل اجتهاد النسخة الإنجليزية من مجلة “المحيط الفلاحي”، لنعرّف بالمشاريع الكبرى في القطاع الزراعي المغربي على الساحة الدولية، مستندين إلى حقيقة أن اللغة الإنجليزية هي اليوم لغة الاقتصاد العالمي.
مجلة “المحيط الفلاحي” هي قصة نجاح متواصلة، تُكتب بحروف من التفاني والإصرار، وتلهم كل من يؤمن بأن الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل المعلومة، بل أداة للتغيير والبناء. إننا اليوم، وبعد مرور خمسة عشر عامًا على انطلاقتنا، نجدد العهد بأن نبقى في خدمة القطاع الفلاحي والقروي، وأن نواصل رفع راية المهنية والابتكار، وأن نبقى أوفياء لرسالتنا النبيلة في تعزيز التنمية المستدامة ومواكبة مسيرة التقدم التي يقودها بلدنا العزيز تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
إن التحديات أمامنا كبيرة، لكن إيماننا برسالتنا أكبر. وفي كل مقال يكتب ، نؤكد من جديد أن “المحيط الفلاحي” ليست مجرد مجلة، بل هي حكاية وطنية تختزل في طياتها التزامًا لا يتزعزع بخدمة قضايا الأرض والبيئة والإنسان.
#عادل العربي
مدير نشر مجلة المحيط الفلاحي