خطر الوسطاء: بين استنزاف جيوب المواطنين وإضعاف المنتجين..
يشهد السوق الوطني اليوم أزمة حقيقية تتمثل في الفجوة الشاسعة بين أسعار المنتجات الزراعية عند المنتج والفلاحيين بصفة عامة وأسعارها النهائية التي يتحملها المستهلك. هذه الظاهرة، التي أصبحت عبئًا يثقل كاهل الأسر المغربية، تعود في جوهرها إلى تغوّل شبكات الوساطة التي تسيطر على جزء كبير من الدورة الاقتصادية، محققة أرباحًا خيالية على حساب المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الفلاحة في دعم سلاسل الإنتاج وتطويرها من خلال برامج متعددة تهدف إلى تحسين مردودية الفلاحين والرفع من جودة المنتجات، إلا أن غياب آليات صارمة لتنظيم السوق ومكافحة الاحتكار والوسطاء قد أفشل الكثير من هذه المبادرات، حيث يظل الفلاح الحلقة الأضعف والمستهلك الضحية الأولى.
فالطماطم، على سبيل المثال، تُباع في الضيعات بسعر زهيد لا يتجاوز درهمين للكيلوغرام، لكنها تصل إلى المستهلك بسعر يضاعفه ثلاث مرات أو أكثر. ولا تتوقف المشكلة عند الطماطم فحسب، بل تشمل أسعار اللحوم الحمراء، والدواجن، والأسماك، والخضروات، والفواكه، التي شهدت جميعها زيادات غير مبررة.
ما يزيد من حدة الأزمة هو أن المنتجين، رغم جهودهم الكبيرة في توفير هذه المنتجات، لا يحصلون إلا على نسبة تتراوح بين 30 و40% من السعر النهائي، بينما تستحوذ شبكات الوساطة على النصيب الأكبر من الأرباح. هذا الوضع يكشف عن غياب الشفافية والتنظيم في السوق، ما يترك المواطن عرضة لجشع هذه الشبكات.
وفي هذا السياق، حان الوقت لفتح قوس للنقاش الجدي حول ضرورة إخراج قانون خاص ينظم عمل الوسطاء، بحيث يضع حداً لجشعهم ويضمن الشفافية في العمليات التجارية، مع حماية حقوق المنتجين والمستهلكين على حد سواء. فتنظيم هذه الفئة بات ضرورة ملحة لكبح الاستغلال وتقويم مسار السوق.
اليوم، بات من الضروري أن تتدخل الجهات المسؤولة لوضع حد لهذه الممارسات غير العادلة، من خلال تعزيز آليات المراقبة، وتقوية دور التعاونيات الفلاحية، وخلق قنوات توزيع مباشرة بين المنتجين والمستهلكين. فإصلاح السوق ليس خيارًا، بل ضرورة ملحة لضمان عدالة اقتصادية وحماية القدرة الشرائية للمواطن، مع إنصاف المنتجين الذين هم العمود الفقري لاقتصادنا الزراعي.
#العربي عادل