مجلة المحيط الفلاحي

جلالة الملك: إفريقيا مطالبة بالنهوض بمؤهلاتها الفلاحية لرفع التحديات …

دكار- أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أن إفريقيا مطالبة بالنهوض بشكل إيجابي بمؤهلاتها الفلاحية لرفع التحديات المستقبلية.

وقال جلالة الملك، في رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال الدورة الثانية للمنتدى الدولي “دكار – فلاحة ” المخصص لموضوع “تنظيم الأسواق الفلاحية والحكامة العالمية”، التي انطلقت اليوم الاثنين بدكار، إنه ينبغي على قارتنا الإفريقية تعزيز تنميتها الفلاحية ووضع استراتيجيات صلبة ودائمة كفيلة بمواصلة محاربة الفقر وإيجاد حلول لإشكالية الأمن الغذائي.

وفي ما يلي نص الرسالة الملكية التي تلاها الوزير الأول السيد عباس الفاسي ، الذي يمثل جلالة الملك في هذه التظاهرة الدولية :

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه

أصحاب الفخامة والمعالي

حضرات السيدات والسادة

يطيب لنا أن نتوجه إلى المشاركين في أشغال الدورة الثانية للمنتدى الدولي ل+ دكار – فلاحة + المخصص لموضوع + تنظيم الأسواق الفلاحية والحاكمة العالمية +.

ونود بداية الإشادة بمبادرة أخينا العزيز فخامة الرئيس عبد الله واد لتنظيم هذا المنتدى الهام الذي يشكل إطارا لتبادل الآراء حول الإشكاليات الفلاحية الكبرى وفرصة لبلدان الجنوب للتفكير المشترك بشأن القضايا الأساسية للسيادة والأمن الغذائيين.

كما ننوه بالرؤية المتبصرة للأستاذ واد الذي تجسد منجزاته الكبرى ومبادراته المحمودة اقتناعا راسخا بضرورة تحقيق وحدة وتقدم إفريقيا .

أصحاب الفخامة والمعالي

حضرات السيدات والسادة

إن خلاصات الملتقى الأول + دكار – فلاحة + الذي نظم سنة 2005 قد شكلت منطلقا لمقاربة خلاقة في أفق تقليص الهوة الفلاحية العالمية .

إن الأمر يتعلق حاليا بالانكباب على الإشكالات الجوهرية والتوصل إلى توصيات ملائمة بشأن قضايا السيادة والأمن الغذائيين وآليات تنظيم الأسواق الفلاحية في إطار حكامة عالمية جديدة .

وفي ظل الظرفية العالمية الراهنة فإن الأجندة الدولية تركز على ضرورة تحديد التعديلات التي يتعين إدخالها في مجال التنظيم الزراعي . ومن هنا فإن الخلاصات التي ستنبثق عن هذا الملتقى سوف تعكس، بدون شك، الإرادة المشتركة لدول الجنوب في المساهمة في إعادة بلورة الحكامة العالمية .

وإن توالي الأزمات الغذائية والآفاق المقلقة للأزمات الزراعية الناتجة عن اختلالات نظام فلاحي معولم إنما تؤكد بأن السياسات الفلاحية الوطنية تظل رهينة بشكل كبير بمدى انخراطها في المبادلات الدولية للمواد الغذائية وبذلك فإن قضية الأمن الغدائي للدول الأفريقية تظل مثيرة للانشغال.

وفي هذا الصدد فإن الهيئات الدولية العليا تحذر البلدان بشأن الأمن الغذائي وتدعو إلى مضاعفة الإنتاج الفلاحي العالمي في أفق عام 2050 ، ذلك أن الظرفية الدولية تقتضي إقامة سياسة فلاحية وغذائية عالمية تحدد في إطارها مبادئ تنظيم الأسواق .

أصحاب الفخامة والمعالي

حضرات السيدات والسادة

إن أفريقيا مطالبة بالنهوض بشكل إيجابي بمؤهلاتها الفلاحية لرفع التحديات المستقبلية .

لذا ينبغي لقارتنا الإفريقية تعزيز تنميتها الفلاحية ووضع استراتيجيات صلبة ودائمة كفيلة بمواصلة محاربة الفقر وإيجاد حلول لإشكالية الأمن الغذائي .

في هذا الإطار، فإن النهوض بالتعاون جنوب-جنوب، في المجال الفلاحي من شأنه أن يساهم بشكل ملموس في بلوغ هذا الهدف، في ما يتعلق بفرص التعاون والتكامل.

وإن المغرب والسنغال، من خلال مخططات كل منهما، “مخطط المغرب الأحضر، و”الثورة الخضراء”، يتقاسمان العديد من محاور التعاون المثمر، من أجل أمن غذائي مشترك.

وفي هذا الصدد، فإن التحكم في الموارد المائية، وتحسين القاعدة المنتجة، والرفع من الإنتاجية الفلاحية، تشكل كلها مجالات لتبادل الخبرات والمهارات، يتعين تشجيعها.

وإن قارتنا، بفضل رصيدها من الأراضي الزراعية، ومؤهلات الري التي تتوفر عليها، تزخر بثروات حقيقية للتنمية الفلاحية.

كما أن بلدانا مثل السنغال، قد شرعت بالفعل في تنميتها الخضراء، بفضل الإصلاحات الهيكلية الواعدة، وتحديد الأهداف الدقيقة في ما يتعلق بالرفع من الإنتاج، وتحسين المردوديات. فهذه المبادرات المتبصرة ينبغي أن تتخذ نموذجا في مختلف المناطق الإفريقية التي تواجه اليوم صعوبات في تنمية فلاحتها.

فإفريقيا مطالبة اليوم، بالقيام بدور فعال، على الصعيد الدولي في مجال الأمن الغذائي، وهو ما يقتضي بالضرورة استثمارات هائلة ومكثفة في المشاريع الفلاحية، وفي البنيات التحتية، وخاصة ما يتعلق منها بالبنيات الرئيسية للري الزراعي، وتقوية الآليات اللوجستيكية للتوزيع والولوج إلى الأسواق.

كما يتعين تعزيز هذه التعبئة، من قبل الأطراف المانحة، مستقبلا وبشكل أقوى، للمساهمة في تأمين الاستراتيجيات الفلاحية الإفريقية، وتمكينها من تحقيق أهدافها.

وبموازاة ذلك ينبغي للدول الأفريقية أن تضع وتطبق سياسات تأخذ بعين الاعتبار التناسق بين الفلاحة والبيئة وذلك بغية النهوض بالتنمية المستدامة في إفريقيا . فهذا التوازن هو الذي سيمكن بلداننا من ضمان أمنها الغدائي في المستقبل.

أصحاب الفخامة والمعالي

حضرا ت السيدات والسادة

إن المملكة المغربية التي تعمل جاهدة لتأمين سيادتها الغدائية ووعيا منها بالدور الحيوي للقطاع الفلاحي في التنمية المندمجة للبلاد وتحديثها قد أقدمت على إطلاق عدد من الإصلاحات الهيكلية الكبرى ومن ضمنها مخطط المغرب الأخضر.

وتهدف هذه الاستراتيجية الجديدة إلى جعل القطاع الفلاحي رافعة أساسية للتنمية على مدى السنوات الخمسة عشر المقبلة وإلى تمكين الفلاحة المغربية من شروط التنمية المستدامة.

وتقوم هذه الإستراتيجية على مقاربة تتوخى محاربة الفقر من خلال إدماج السكان القرويين الأكثر هشاشة في منظومات اقتصادية قابلة للحياة والاستمرار بما يمكنهم من الرفع من دخلهم بشكل ملموس وقار .

كما أن مختلف المشاريع المدرجة في إطار هذا المخطط الفلاحي الطموح تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد البيئية وملاءمة الفلاحة المغربية للتغيرات المناخية وذلك عبر اعتماد التوازن بين التنمية البشرية والتدبير العقلاني للموارد الطبيعية .

وعلاوة على الرفع الملموس من الإنتاج الفلاحي فإن مخطط المغرب الأخضر يواكب الرهانات الدولية الكبرى للأمن الغذائي. وهو بذلك إنما يشجع على إدماج الزراعات الصغيرة في المبادلات الدولية، عبر تحسين الإنتاجية، وتقديم الدعم للتوجه نحو قطاعات إنتاج ذات مردودية عالية، مثل منتجات الزراعات المحلية.

ولتفعيل هذا المخطط على الوجه الأمثل، تعمل الحكومة المغربية حاليا، على تعزيز مجهود الاستثمار في المشاريع الفلاحية والهيدرو – فلاحية، والبنى التحتية اللوجستيكية، كما يستفيد هذا المخطط من دعم مؤسسات مالية وطنية ودولية، كالبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والصندوق الدولي للتنمية الفلاحية.

وقد قدم هؤلاء الشركاء دعمهم لهذا المخطط، بالنظر لوجاهته ولطابعه المتفرد والأصيل. وهو بذلك يعتبر نموذجا ناجحا للتنمية الفلاحية، ينبغي أن يشكل قاعدة لتبادل المعارف والخبرات بالنسبة لبلدان المنطقة .

كما تم طلب دعم مؤسسات تعمل في المجالات الاجتماعية، لمواكبة هذه الاستراتيجية، لما لها من أثر عميق على النهوض بالتنمية البشرية ومحاربة الفقر.

وعلاوة على الجانب المالي، فإن انخراط هؤلاء الفاعلين الماليين، يمكن من استثمار التجارب المحلية ذات الصلة، والاستفادة المثلى من الممارسات العملية في هذا المجال، فضلا عن كونه يتيح إمكانية استعمال آليات عصرية وناجعة للحكامة.

وتكتسي ضرورة الانفتاح على المبادلات الدولية ذات الصلة بالمواد الأولية، واتفاقيات التبادل الحر، أهمية بالغة في إطار استراتيجية المغرب الأخضر، لكونها تتيح للمغرب إيجاد أسواق لمنتوجاته، والانتفاع من مبادلاته التجارية.

ويشكل هذا الورش الأساسي تحولا هيكليا عميقا، سيمكن القطاع الفلاحي المغربي، ولاشك، من كسب رهانات التحديث والإنتاجية والتنافسية، وذلك لضمان أمن غذائي أفضل لصالح كافة المغاربة.

أصحاب المعالي،

حضرات السيدات والسادة،

إننا واثقون بأن هذا المنتدى الهام، اعتبارا لما للخبراء وصناع القرار المشاركين فيه من مكانة علمية وفكرية رفيعة، سيشكل قوة اقتراحية ناجعة.

كما أن أشغال هذا اللقاء ستسهم، لامحالة، في إيجاد أفضل الوسائل للدفع قدما بالتفكير في قضية الأمن الغذائي وضبط الأسواق الفلاحية، وذلك في إطار مبادئ مبتكرة، تتوخى تحقيق حكامة عالمية أفضل.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

تعليق الصورة: في الصورة الملك محمد السادس أثناء تدشينه أحد المشاريع الفلاحية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.