مجلة المحيط الفلاحي

” تصابونت” .. عصير التمور والأعشاب المعد للأهل والأحباب بزاكورة

عبد اللطيف الجعفري : بحلول فصل الخريف ، الذي تجنى فيه تمور أشجار النخيل ، تحرص ساكنة منطقة زاكورة خاصة بالقرى على تحضير مشروب محلي يطلق عليه ” تصابونت ” ، وهو عبارة عن عصير مستخلص من التمور الممزوجة بأعشاب ونباتات تتواجد على نطاق واسع بالمنطقة .

وحسب باحثين في الثقافة والتراث المحليين ، فإن كلمة ” تصابونت ” المسكوكة بالأمازيغية ، تعني ” المادة أو الشيء المنظف ” ، وذلك في استعارة لوظيفة الصابون الذي ينظف الملابس والأواني ، في الوقت الذي ينظف مشروب ” تصابونت ” الجسم من السموم والمواد الضارة .وخارج إطار البحث عن أصل الكلمة ، يبدو أن الأسر بمنطقة درعة ما تزال تعض بالنواجد على هذا المشروب اللذيذ المتوارث ، والذي تعمل النساء على إعداده بعناية فائقة وفق طرق ، لا تتقنها إلا الحريصات منهن على التشبث بأصول التغذية المحلية .

وحسب شهادات لنساء قرويات بوادي درعة ، فإن هذا المشروب ، الذي يقدم للأهل والأحباب خاصة في وسط النهار ، يتطلب كمية هامة من التمر الطري المائل للصفرة ( الساير أو الخلط ) ، ومجموعة مهمة من النباتات والأعشاب الخاصة بإعداد ” تصابونت “.

في البداية ، يتم تنظيف الأعشاب والنباتات بعناية ويتم وضعها في إناء قابل للإغلاق يطلق عليه محليا ” الخشاشة “، مع إضافة كمية من الماء ، وبعد ذلك يتم إغلاق الإناء وتركه لمدة تقارب الأسبوع حتى يمتزج الماء بنكهة الأعشاب والنباتات ، ويتمخض عنه سائل لذيذ ذي رائحة زكية . أما المرحلة اللاحقة، فتتمثل في تنظيف كمية من التمور من كل الشوائب ، وإضافة كمية قليلة من الماء ، مع العمل على عجنها ودلكها بالأيدي بطريقة تشبه عملية عجن دقيق الخبز ، وبعد أن تتحول التمور إلى عجينة متماسكة ، يتم خلطها بقليل من المياه الباردة وسائل النباتات والأعشاب المعد سلفا ، حتى تصبح سائلا مختلطا . وتلي هذه المرحلة ، مرحلة تصفية المشروب من نواة التمور وغشائها الخارجي باستعمال غربال نظيف ، للحصول على مشروب بني طافح برغوة هائجة ، فيقدم مباشرة للشرب سواء قبل الأكل أو بعده . وحسب الحسين بومسعود ، باحث في الثقافة المحلية،، فإن التجربة أظهرت أن عصير ” تصابونت ” ينظف الأمعاء والمعدة من الغازات ، فضلا عن مساهمته في انتعاش خلايا الجسم ، دون إغفال لذته .

وأضاف أن هذا العصير العجيب يساهم أيضا في جعل بشرة الوجه ناصعة تميل إلى الصفرة الذهبية، خاصة بالنسبة للنساء الباحثات عن إضافة لمسة فريدة من الجمال لجسمهن ، كما يلعب دورا هاما في جعل النساء النحيفات يتمتعن بجسم ممتلئ ، نظرا للمواد المكونة للأعشاب. وقد تكون كل هذه المميزات والخصائص وراء إقبال النساء على تصنيع واستهلاك ” تصابونت” أكثر من الرجال. ويبقى أن هذا المشروب المحلي الصحي ، ما يزال يشكل جزء من الموروث الغذائي الزاكوري المستخلص من التمور الطرية أساسا.

ونظرا لتعدد الخصائص الصحية لهذا المشروب ، فقد عاد بقوة ليشكل جانبا أساسيا في المنظومة الغذائية المحلية ، التي ما تزال تحافظ على عادات وطقوس متوارثة ، وإن انفتحت على بعض متطلبات الحياة العصرية .

المحيط الفلاحي : و.م.ع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.