مجلة المحيط الفلاحي

تساقطات شهر ماي قد تنسف تقديرات وزارة الفلاحة حول حصيلة الموسم


الرباط : أجمع خبراء زراعيون مغاربة على أن التساقطات المطرية، التي شهدها المغرب إلى حدود النصف الثاني من أبريل المنصرم، كانت تبشر بموسم فلاحي جيد يتجاوز توقعات ميزانية الدولة لسنة 2011، بيد أن التساقطات المطرية الأخيرة، والتي تواصلت إلى حدود بداية الأسبوع الأول من شهر ماي الجاري، تدفع في اتجاه مراجعة هذه التوقعات، بما فيها تلك الصادرة مؤخرا عن وزارة الفلاحة.
فقبل أسبوع واحد، خلال افتتاح الدورة الرابعة من المناظرة الوطنية للفلاحة، أعلن عزيز أخنوش وزير الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري، أن إنتاج الحبوب للموسم 2010 /2011، سيصل إلى 88 مليون قنطار، معتبرا هذا المؤشر أساسيا لكونه يقوي طموحات المغرب بالنسبة لسلسلة إنتاج الحبوب لضمان 70 مليون قنطار التي تم تجاوزها للسنة الثالثة على التوالي.
واعتبر خبراء زراعيون في تصريحات لهم ، أن إعلان وزير الفلاحة يفرض توخي الحذر لأنه مبني على تقديرات قد تتجاوز المستوى المعلن عنه مسبقا، مثلما قد لا تصل إلى عتبة هذه التقديرات، خاصة وأن عوامل أخرى لم يتم أخدها بعين الاعتبار، منها تواصل التساقطات خلال الأسبوع الأول من شهر ماي، وإمكانية هبوب رياح الشركي أو تساقط البرد.
وفيما أجمعت تصريحات الخبراء الزراعيين على أهمية الموسم الفلاحي في مجمله، وفي العديد من المناحي، على اعتبار أن كمية الأمطار التي تهاطلت على البلاد (زيادة 25 في المائة مقابل المعدل التاريخي)، ستمكن من تحسين العديد من الزراعات، ومن رفع حقينة السدود التي جاوزت اليوم 80 بالمائة، (ما سيمكن من تأمين الإنتاج من المساحات المسقية لثلاث سنوات مقبلة)، بالإضافة إلى توسيع الفرشة المائية، وتحسن مردود المراعي، فإنهم شددوا، مقابل ذلك، على هذه العوامل قد تجعل تقديراته أخنوش دون معنى يذكر، وعلى رأسها الجانب السلبي للأمطار الأخيرة المتمثل في ضعف جودة البذور وبروز الطفيليات والأعشاب المضرة في الضيعات التي تم زرعها بالحبوب بشكل مبكر، والتي ستقدم منتوجا ذا جودة ضعيفة لن تقبل بشرائه المطاحن، ما سيفتح الباب على مصراعيه للاستيراد.
وهي حالات قاهرة، يقول الخبير الزراعي عباس الطنجي ، لا يمكن الجزم بإغفال وزارة الفلاحة لها بدليل أن أخنوش أشار إليها بالقول «إن توقع إنتاج 88 مليون قنطار من الحبوب مؤكد اليوم، إذا ما استثنينا كل ظرف طارئ». وهو ما يعني، بحسب الطنجي، أن الأمطار وحدها لا تكفي لبلوغ المردودية الحقيقية، وضمان استغلال أمثل للطاقات الكامنة للفلاحة المغربية.
صحيح أن وفرة الأمطار تؤمن احتياطيا من مياه السقي بالنسبة للمواسم المقبلة وتضمن تحسنا لمستوى الفرشة المائية، لكن المغرب، يضيف المتحدث، الذي استند إلى الأرقام الرسمية الصادرة مؤخرا، عن الوزارة الوصية على القطاع، يشكو غياب العناية والاستهداف الواقعي لمكامن الخلل في الفلاحة المغربية، التي تشكل الحبوب عمودها الفقري.
فحسب الأرقام المستمدة من بحث ميداني أجرته مصالح وزارة الفلاحة، لم تتعد المساحة المزروعة بحبوب الخريف لم تتعد 4.93 مليون هكتار (قمح وذرة)، فيما لم تتجاوز الزيادة في المساحة المزروعة بالقمح الطري نسبة 8 %، والمساحة المزروعة بالقمح الصلب بنسبة 2 %، أما المساحة المزروعة بالذرة فقد تراجعت بنسبة 3 % بسبب التساقطات المبكرة لهذا الموسم.
وهو واقع يمكن تغييره، يقول الطنجي، لرفع مردودية الفلاحة المغربية، عبر سلسلة من التدابير تمت الدعوة إلى تفعيلها مرارا، دون أن يجد هذا النداء صدى مقبولا. فمكافحة الأعشاب الضارة والأمراض تبقى ضعيفة؛ إذ لا يشمل استعمال المبيدات سوى مليون هكتار فقط، أي ما يمثل أقل من 20% من المساحة المزروعة. وهي المساحة ذاتها التي تستفيد من استعمال البذور المختارة، في غياب إرشاد فلاحي شامل، وفي ظل تواضع البحث الزراعي الذي يشكو ميزانية ضعيفة لا تمكنه من نقل تكنولوجيا للمزارعين وتكوينهم، ناهيك عن ارتفاع أسعار المبيدات وغياب سياسة حقيقية لدعم الأسعار، وعوامل أخرى مغيبة بشكل كلي من مخطط المغرب الأخضر.
وترى مصادرنا أن هذه المعيقات تحول دون بلوغ المغرب لمنتوج سنوي يتراوح بين 75 و120 مليون قنطار من الحبوب، بصرف النظر عن حجم التساقطات، مشددين، في هذا السياق، على ضرورة العناية بالفلاحة المتجهة نحو إنتاج المواد الأساسية (الحبوب والسكر والحليب واللحوم)، عبر العناية بالفلاحة الصغيرة التي تنتج 80 % من هذه المواد الغذائية، وإيلاء الاهتمام بالتعاونيات كرافعة أساسية لضمان الأمن الغذائي للمغاربة.
وهو هدف استراتيجي، خاصة في ظل تراجع محاصيل الدول الرئيسية المنتجة للمواد الغذائية الأساسية، وارتفاع أسعار النفط، ومن الواجب «التشبث ببلوغه من خلال تدابير تسمح بمرافقة طموحات مخطط المغرب الأخضر، الذي يعتبر خارطة طريق تستحق التنويه، لكن تفرض مرحليا الوقوف وقفة تأمل لإعادة ترتيب الأولويات، مثلما تفرض تفاعل الفلاحين معها وعدم الركون إلى مقعد الانتقاد السلبي»، يقول الطنجي

مصطفى السالكي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.