تربية الخيول في المغرب: إرث عريق ودعامة للتنمية الاقتصادية والثقافية
تُعد تربية الخيول في المغرب إرثاً عريقاً يمتد عبر قرون طويلة من التاريخ، مُجسدةً العلاقة الفريدة التي جمعت الإنسان العربي بفرسه منذ العصور القديمة. إن الخيول العربية الأصيلة ليست مجرد وسيلة للنقل أو رفيقاً في الحياة اليومية ، بل هي رمز للقوة، الشجاعة، والكرامة. من هنا، لم تكن تربية الخيول مجرد نشاط اقتصادي أو زراعي، بل جزء من الهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي.
الخيول ودورها عبر التاريخ
عُرفت الخيول العربية بصفاتها المميزة من حيث القوة، السرعة، والصبر، مما جعلها أداة لا غنى عنها في التجارة، والنقل على مدار التاريخ. وقد ساهمت هذه السلالات الأصيلة في تعزيز إمبراطوريات عظيمة وتوطيد العلاقات بين القبائل العربية. امتازت الخيول العربية بقدرتها على التحمل وقوتها في الصحراء القاحلة، مما جعلها محوراً رئيسياً في العديد من الثقافات والشعوب، بما في ذلك المملكة المغربية العريقة.
ولعل المغرب يعد اليوم واحداً من أبرز البلدان التي احتفظت بهذا التراث العظيم وواصلت تطويره، حيث تحتل سلسلة الخيول مكانة رفيعة في المجتمع المغربي ، سواء في إطار الأنشطة التقليدية مثل التبوريدة أو في سباقات الفروسية التي تجمع بين المهارة الرياضية والارتباط بالتاريخ والتراث.
دور وزارة الفلاحة في تطوير القطاع
في سياق هذا التراث المتجذر، لعبت وزارة الفلاحة المغربية دوراً ريادياً في الحفاظ على سلالات الخيول وتطوير قطاع تربية الخيول بشكل يعزز من مساهمته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتعمل الوزارة في إطار “مخطط المغرب الأخضر” واستراتيجية “الجيل الأخضر” على تقديم دعم كبير للقطاع من خلال العديد من المبادرات. من أبرز هذه المبادرات، التوقيع على عقد – البرنامج مع مهنيي القطاع، والذي يهدف إلى تحسين سلالات الخيول البربرية والبربرية-العربية، بما يتناسب مع متطلبات السوق المحلية والدولية.
كما يشكل المعرض الدولي للفرس، الذي يعقد سنوياً، منصة رئيسية للترويج لهذا القطاع والتعريف بأهميته الاقتصادية والاجتماعية. ويأتي توقيع اتفاقيات بين وزارة الفلاحة و المهنيين ليُعبر عن إرادة الدولة في دعم تنمية وتحديث قطاع تربية الخيول، الذي يُساهم بما يقارب 0.6% من الناتج الداخلي الخام ويوفر نحو 30 ألف فرصة عمل كما أكد وزير الفلاحة امس بمناسبة إفتتاح الدورة ال15 للمعرض الدولي للفرس بالجديدة.
التبوريدة: رمزية ثقافية وعادات أصيلة
وتعد “التبوريدة” واحدة من أبرز التقاليد المغربية المرتبطة بتربية الخيول، حيث تُجسد عبر العروض الحية أسمى معاني الفروسية والشجاعة. ولم تكن التبوريدة مجرد رياضة، بل إرث حضاري وثقافي يُعيد إلى الأذهان أمجاد الفروسية المغربية. لذلك، نجد أن وزارة الفلاحة، ضمن استراتيجيتها للحفاظ على هذا التراث، تولي أهمية خاصة لهذه الرياضة التقليدية، وتعمل على توفير الظروف المواتية لدعمها وتعزيزها سواء عبر تطوير البنية التحتية أو تقديم الدعم المالي والتقني للمهنيين.
الخيل والقدرة الاقتصادية والانتاجية
لا يمكن إغفال الأهمية الاقتصادية التي يمثلها قطاع تربية الخيول في المغرب، فإلى جانب كونه نشاطاً رياضياً وثقافياً، يُعد من الركائز التي تساهم في تنمية العديد من المناطق الجهوية. تحتل الخيول مكانة محورية في الأنشطة السياحية التي تستقطب الزوار من داخل وخارج المملكة، حيث تُنظم المهرجانات والعروض التقليدية التي تُبرز جمال وسرعة الخيول المغربية.
من خلال هذه الجهود المتواصلة، تسعى وزارة الفلاحة إلى تحويل قطاع تربية الخيول إلى نموذج يحتذى به في التنمية المستدامة، وتحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث وتطوير القدرات الإنتاجية والاقتصادية، بما يُعزز مكانة المغرب على الساحة الدولية كواحد من الدول الرائدة في تربية الخيول العربية الأصيلة.
في الختام، تظل الخيول العربية رمزاً للمجد والتراث الثقافي في المغرب، حيث تجمع بين التاريخ العريق والاقتصاد المعاصر. إن الجهود المبذولة من قبل وزارة الفلاحة ومختلف الفاعلين في هذا القطاع تساهم في الحفاظ على هذا الإرث وتطويره بما يتماشى مع تطلعات المغرب نحو مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً.
#المحيط الفلاحي : عادل العربي