مجلة المحيط الفلاحي

تدبير الموارد المائية بالمغرب.. تجربة رائدة في مواجهة تحدي آثار التغيرات المناخية

 

يظل عنصر الماء بمختلف مظاهره، حاضرا وفاعلا في البنية المجتمعية والقانونية لتاريخ المغرب. فقد شرعت المملكة منذ عقود في نهج سياسة ترتكز على تطوير بنية تحتية مائية مهمة، وتحسين الولوج للماء الصالح للشرب، وتلبية حاجيات الفلاحة والسقي على نطاق واسع.

وموازاة مع ذلك، مكنت هذه الجهود من تطوير خبرة وطنية عالية في إدارة وتدبير الموارد المائية، سواء تعلق الأمر بالتجهيزات المخصصة لتعبئة هذه الموارد، أو بالإطار القانوني والتشريعي والمؤسساتي.

ففي مجال التجهيزات المائية المخصصة لتعبئة الموارد المائية، يتوفر المغرب حاليا على 149 سدا كبيرا، و136 سدا صغيرا، و9 محطات لتحلية مياه البحر، و158 محطة لمعالجة المياه العادمة. وكل هذه المنشآت موجهة لتوفير مياه الشرب والسقي وإنتاج الطاقة الكهرومائية والحماية من الفيضانات ومواكبة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

أما على المستوى التشريعي والمؤسساتي فقد تم تسجيل تقدم مهم من خلال سن قانون الماء 36-15 عوض القانون 95-10 مع التأكيد على استمرارية تدبير وحماية الموارد المائية على صعيد الحوض المائي. كما تم إصدار القانون 15-30 المتعلق بسلامة السدود الذي ينص على إلزامية تصنيف السدود وعلى ضبط قواعد سلامتها بنصوص تنظيمية.

غير أنه رغم كل هذه المكاسب، لازالت المنظومة المائية تواجه العديد من التحديات الكبرى، المرتبطة أساسا باستفحال الظواهر المناخية القصوى، تحت تأثير التغيرات المناخية، وما يترتب عنها من ندرة الموارد المائية، وعدم تكافئها مع الحاجيات المتزايدة بسبب النمو الديمغرافي، ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما في القطاع الفلاحي.

وبحسب معطيات وزارة التجهيز والماء، فإنه رغم مساهمة التساقطات في بلوغ حجم المخزون المائي بحقينات السدود إلى غاية أبريل الجاري حوالي 5.52 مليار م3 أي ما يعادل 34,2 في المائة كنسبة ملء إجمالي مقابل 50.82 في المائة سجلت في نفس التاريخ من السنة الماضية، فإن العجز المسجل بالنسبة للواردات المائية من فاتح شتنبر 2021 إلى حدود أبريل الجاري بلغ حوالي 86 في المائة مقارنة مع متوسط الواردات لنفس الفترة.

ضعف التساقطات المطرية بالمغرب وعدم انتظامها، ومعاناة مناطق البلاد من الجفاف، يفسره الخبراء بالاختلال المناخي الذي يعاني منه المغرب، حيث التقلبات المناخية وتغيراتها باتت تأخد منحى مقلقا.

هذا ما أكدته الخبيرة في الموارد المائية والوزيرة السابقة المكلفة بالماء شرفات أفيلال، حيث قالت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء إن المغرب بحكم موقعه الجغرافي يقع في منطقة تصنف دوليا بالبقعة الساخنة، وهي منطقة الفضاء المتوسطي، وبالتالي فإن الظواهر القصوى الناتجة عن التقلبات المناخية كلها تتسارع في منطقة المتوسط.

أفيلال أشارت إلى أن الوضعية الحالية أفضت إلى المساس المباشر والمقلق بمنظومة التزود بالماء الصالح للشرب حتى في المدن الكبرى، بعدما كانت فترات الجفاف في الثمانينات والتسعينات تطال على الخصوص المجال القروي، مسجلة أن ذلك يتطلب إجراءات قوية وعاجلة، واستثمارات أساسية وبسرعة قصوى.

وشددت الوزيرة السابقة على أن عدم التحرك عالميا إزاء التغيرات المناخية قد يؤدي إلى مآسي طبيعية وإنسانية واجتماعية وايكولوجية، وحتى اقتصادية، منها ما صار يعرف بالهجرة المناخية أو النزوح المناخي.

هذه المعطيات يؤكدها أيضا التقرير الجديد لمجموعة الخبراء البين حكومية حول تطور المناخ الذي يُشير إلى أنَ تأثيرات التغيرات المناخية ستتسارع، والتكيف ستصير كلفته أعلى، وسيصبح أكثر محدودية إن لم يـصر مستحيلا بالمرة.

وأمام هذه الوضعية بادرت الوزارة المعنية إلى صياغة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي يهدف إلى تسريع وتيرة الاستثمار في مجال الماء من أجل مواكبة الطلب المتزايد على الموارد المائية وضمان الأمن المائي للبلاد والحد من تأثير التغير المناخي، بكلفة إجمالية تبلغ 115,4 مليار درهم.

كما قامت الوزارة بتحديد الآفاق المستقبلية لمشروع المخطط الوطني للماء 2050، وذلك عبر مواصلة سياسة السدود الكبرى، وتوسيع شبكة الأنظمة المائية من خلال مشاريع للربط بين الأحواض المائية لضمان تدبير مرن للموارد المائية، والتقليص من الفوارق المجالية، وإنجاز السدود الصغرى و البحيرات التلية، وتطوير تحلية مياه البحر لتبلغ القدرة الإنتاجية القصوى 1 مليار م3/السنة مع اللجوء إلى الطاقات المتجددة ، وخفض معدل توحل السدود بنسبة 10 إلى 20 في المائة عبر تهيئة الأحواض المائية.

ويروم مشروع المخطط الوطني للماء 2050 أيضا تحسين النجاعة المائية عبر مواصلة برنامج الاقتصاد في مياه السقي من خلال تحويل أنظمة السقي إلى الموضعي، والتجهيز الهيدروفلاحي للمساحات المرتبطة بالسدود (منطقة الغرب واللوكوس أساسا)، وصياغة برنامج لتجميع وتثمين مياه الأمطار ، فضلا عن إعادة استعمال 340 مليون م3 / السنة من المياه العادمة المعالجة.

وتعكس هذه التجربة العريقة والرائدة في مجال تدبير الماء والحفاظ عليه وحسن استعماله، حرص المغرب على توفير الأمن المائي على المستوى الوطني والإسهام في ذلك على المستويين الإفريقي والدولي، “باعتبار الماء مصدر الحياة”.

عادل جوهاري : و م ع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.