بقايا الغطاء النباتي: ثروة وطنية في مواجهة رهانات الاستدامة
في ظل التحديات البيئية المتسارعة التي يشهدها المغرب والعالم بأسره، يُمثل الغطاء النباتي بجميع أشكاله ومكوناته أحد أعمدة التوازن البيئي، وأساسًا لاستدامة الحياة في مختلف المناطق. ومن هذا المنطلق، لا يمكن النظر إلى بقايا الغطاء النباتي كمجرد فضلات طبيعية أو مخلفات لا قيمة لها، بل هي كنوز بيئية تعكس ثراء المنظومة الطبيعية، وتؤدي أدوارًا محورية في حماية التربة، وصون الموارد المائية، والتخفيف من وطأة التغيرات المناخية التي باتت تهدد مستقبل الأجيال.
في المملكة المغربية، التي تمتاز بتنوعها الطبيعي والجغرافي من السهول الخصبة إلى الجبال الشامخة والصحاري الشاسعة، تُساهم بقايا الغطاء النباتي في تشكيل درع حيوي يقي الأرض من التدهور البيئي. فهي تحمي التربة من التعرية والجفاف، وتعمل كعامل أساسي في الحفاظ على خصوبتها، مما يدعم الأنشطة الزراعية التقليدية والممارسات الرعوية التي يعتمد عليها آلاف السكان، لاسيما في المناطق القروية النائية.
فضلًا عن ذلك، تساهم هذه البقايا في تقليل انجراف التربة وتغذية الأحواض المائية الجوفية، مما يعزز إدارة الموارد المائية التي تُعتبر عصب الحياة والتنمية في المغرب، خاصة في ظل التحديات المناخية المتزايدة مثل التصحر والجفاف.
رغم هذه الأدوار الحيوية، يواجه الغطاء النباتي وبقاياه تحديات متزايدة تتفاقم يومًا بعد يوم، نتيجة للضغط السكاني المتزايد، والتوسع العمراني العشوائي، والرعي الجائر، وقطع الأشجار غير المنظم. هذه السلوكيات تُضعف المنظومة البيئية، وتُعرض المغرب لمخاطر حقيقية تتجلى في التدهور البيئي، وفقدان التنوع الحيوي، وتراجع الأمن الغذائي.
أمام هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى تنفيذ استراتيجيات وطنية شاملة تهدف إلى حماية الغابات والمناطق الطبيعية، مثل استراتيجية “غابات المغرب”، التي تسعى إلى تأهيل الغطاء النباتي وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة. كما أن تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية بقايا الغطاء النباتي، سواء عبر الحملات التوعوية أو البرامج التعليمية، يُعد خطوة أساسية نحو ترسيخ ثقافة الاستدامة البيئية.
إن بقايا الغطاء النباتي ليست مجرد مخلفات طبيعية، بل هي جزء أصيل من الهوية البيئية للمغرب، وثروة حقيقية تستحق العناية والحماية. الحفاظ عليها ليس خيارًا بل ضرورة، إذ يرتبط بها مستقبل النظم البيئية، ومرونة المملكة في مواجهة التغيرات المناخية، وحق الأجيال المقبلة في التمتع ببيئة مستدامة وصحية.
من هنا، يجب أن يكون الحفاظ على بقايا الغطاء النباتي مهمة جماعية تتضافر فيها جهود الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، من أجل وضع سياسات فعالة تضمن حماية هذا الإرث الطبيعي. فالطبيعة السخية التي وهبها الله للمغرب تستحق منا العناية والاحترام، لأن فقدانها لن يكون مجرد خسارة بيئية، بل ضياعًا لما يشكل أساس حياة الأجيال القادمة.
#العربي عادل