مجلة المحيط الفلاحي

اليوم العالمي للمناطق الرطبة: كنوز بيئية في مواجهة تحديات العصر

يعيش العالم اليوم أزمة متفاقمة في الموارد المائية العذبة، حيث بات استهلاك البشر يفوق قدرة الطبيعة على التجديد، مما يعرض المنظومات البيئية الهشة، وعلى رأسها المناطق الرطبة، لخطر التدمير والانقراض. هذه النظم البيئية ليست مجرد مساحات طبيعية، بل هي شرايين حياة تمد الأرض بالمياه العذبة، وتؤوي تنوعًا بيولوجيًا غنيًا، وتوفر خدمات بيئية لا تقدر بثمن.

وفي هذا السياق، يحيي العالم في الثاني من فبراير من كل عام اليوم العالمي للمناطق الرطبة، مناسبة تهدف إلى رفع الوعي بأهميتها الحيوية، وتخليد ذكرى توقيع معاهدة رامسار سنة 1971، التي تعد الإطار القانوني الأبرز لحماية هذه المناطق الحيوية. ويتم تخصيص الاحتفاء بهذه المناسبة كل سنة  لتسليط الضوء على دور الأراضي الرطبة في تأمين الموارد المائية العذبة، وتعزيز جهود استعادتها وحمايتها من الاندثار.

أراضي مهددة رغم أهميتها الحيوية..

تؤدي الأراضي الرطبة وظائف أساسية لضمان استدامة الحياة على كوكب الأرض، فهي تعمل كمرشحات طبيعية تنقي المياه، وتخزنها، وتحمي من الفيضانات، وتؤمن موائل لما يقرب من 40% من الكائنات الحية. كما تلعب دورًا محوريًا في مكافحة تغير المناخ عبر تخزين الكربون في الغابات والمستنقعات.

ورغم هذه الأهمية البيئية والاقتصادية، فإن تدهور الأراضي الرطبة مستمر بوتيرة مقلقة، حيث تشير بيانات وابحاث مبادرة المناطق الرطبة المتوسطية إلى أن العالم فقد ما يقرب من 90% من مناطقه الرطبة منذ عام 1700، بمعدل تدهور أسرع بثلاث مرات من الغابات. وتواجه ثلث الكائنات الحية في المياه العذبة خطر الانقراض بسبب تدمير موائلها الطبيعية، نتيجة النمو السكاني المتزايد، والتوسع العمراني العشوائي، والتلوث الصناعي، وسوء إدارة الموارد المائية.

وبالإضافة إلى التأثير البيئي، تؤدي أزمة المياه إلى تفاقم النزاعات حول العالم، حيث كانت ندرة المياه سببًا رئيسيًا في الصراعات داخل 45 دولة على الأقل عام 2017، فيما يتطلب تحقيق الأمن الغذائي العالمي زيادة الموارد المائية بنسبة 14% بحلول عام 2050، لتأمين الغذاء لـ10 مليارات نسمة.

المغرب.. ريادة في حماية المناطق الرطبة

منذ قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، كان المغرب من بين الدول الرائدة في تعزيز الوعي العالمي بأهمية النظم الإيكولوجية، حيث صادق على معاهدة رامسار سنة 1980، وأطلق العديد من المبادرات لحماية وتأهيل مناطقه الرطبة.

وفي هذا الإطار، أعلنت المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر مؤخرًا عن تسجيل 12 موقعًا مغربيًا جديدًا ضمن قائمة رامسار، ليصل العدد الإجمالي للمناطق الرطبة ذات الأهمية البيئية في المغرب إلى اكثر من  38 موقعًا. ومن بين هذه المواقع: بحيرات إيموزار كندر، وبحيرة سد سمير، وواد تيزكيت، وساحل جبل موسى، وواد الساقية الحمراء، وواد مكون، وشط بوكوياس وغيرها.

وتسعى المملكة، ضمن رؤيتها البيئية المستقبلية، الى تنفيذ 60 مخططًا لتدبير وتأهيل المناطق الرطبة ذات الأولوية، إلى جانب تعزيز برامج التوعية البيئية، التي تهدف إلى إشراك نصف مليون شخص سنويًا في جهود حماية هذه الأنظمة البيئية. كما يشمل هذا البرنامج تطوير أنشطة اقتصادية مستدامة مرتبطة بالمناطق الرطبة، مثل مراقبة الطيور، والصيد التقليدي، وتربية الأحياء المائية، والسياحة البيئية.

نحو استراتيجية مستدامة لإنقاذ المناطق الرطبة

أظهرت أزمة كوفيد-19 كيف يمكن أن تستعيد الطبيعة عافيتها في غياب التدخل البشري السلبي، حيث انخفضت مستويات التلوث في عدة مناطق حول العالم. ومع ذلك، فإن حماية المناطق الرطبة لن تتحقق إلا من خلال إجراءات جادة ومستدامة، تشمل وقف تدمير الأراضي الرطبة واستعادة ما تدهور منها مع الحفاظ على صحة التربة .

إن الأراضي الرطبة ليست مجرد مساحات طبيعية، بل هي رئة بيئية تنعكس حمايتها على صحة الكوكب ومستقبل الأجيال القادمة. لذا، فإن الالتزام بحمايتها هو مسؤولية جماعية تتطلب تكاتف الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لضمان أن تظل هذه النظم البيئية الثمينة حية ومتجددة، قادرة على تأمين الموارد المائية وحماية التنوع البيولوجي، في عالم يزداد عطشه إلى حلول بيئية مستدامة.

#المحيط الفلاحي : عادل العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.