اليوم العالمي للأغذية .. إبراز دور الحماية الاجتماعية في مكافحة الجوع عبر العالم
المحيط الفلاحي : يخلد المغرب، على غرار باقي بلدان العالم، غدا الجمعة، اليوم العالمي للأغذية، الذي يتم الاحتفاء به هذه السنة تحت شعار “الزراعة والحماية الاجتماعية .. تقويض الحلقة المفرغة للفقر الريفي”، وذلك بهدف إبراز أهمية الحماية الاجتماعية في الحد من الفقر في المناطق القروية وإتاحة إمكانية الحصول على الأغذية أو وسائل شرائها.
وتعرف منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، التي تحتفي بيوم الأغذية العالمي في 16 أكتوبر من كل عام الذي يوافق اليوم الذي أنشئت فيه المنظمة عام 1945، الحماية الاجتماعية بأنها مجموعة من الحلول، التي غالبا ما تكون مقترنة ببعضها البعض، من قبيل فرص العمل، وتوفير الأغذية والمال والخدمات، والتي تكون مصممة لدعم الفئات الضعيفة ولمساعدة الفقراء في المجتمع على الخروج من دائرة الجوع والفقر.
وترى المنظمة أن الحماية الاجتماعية “تحمل المفتاح لمكافحة الجوع” في وقت يعاني حوالي 795 مليون شخص من الجوع في العالم، ويعيش حوالي مليار شخص في وضعية فقر مدقع، أغلبهم في المناطق القروية، وهو ما دفع (الفاو) إلى تكثيف جهودها لمساعدة الحكومات والشركاء لتضمين الحماية الاجتماعية في الاستراتيجيات والسياسات الإنمائية الوطنية.
وتساهم برامج الحماية الاجتماعية، التي يستفيد منها حاليا بحسب تقرير ل(الفاو) 2.1 مليار شخص في البلدان النامية وحدها بوسائل متنوعة، في تحقيق خمسة نتائج إيجابية تصب في اتجاه حل مشاكل الجوع وسوء التغذية والفقر عبر العالم، على اعتبار أنها تعزز دخل الأسرة وأمنها الغذائي، وتسمح للأسر بشراء أو الحصول مباشرة على مواد غذائية أكثر تنوعا، وبجودة أعلى، فضلا عن كونها تساعد على بقاء الأطفال في المدرسة من خلال ضمان دخل للأسرة لا يضطرها لتشغيل أبنائها لسد هذه الفجوة.
كما تقلص الحماية الاجتماعية من حدة انتشار فيروس نقص المناعة البشرية (السيدا)، بالنظر إلى أن النشاط الفلاحي والأسر المتأثرين من هذا الفيروس يواجهون تراجع اليد العاملة ويصبحون أقل قدرة على إنتاج ما يكفي، سواء للعيش أو لتوليد الدخل. فالأموال المخصصة للأسمدة وغيرها من المداخيل يتم إنفاقها ثمنا للأدوية.
وتبدو الآثار الإيجابية للحماية الاجتماعية جلية، أيضا، على مستوى تضييق فجوة الفقر، عبر زيادة فرص الحصول على الخدمات العامة والاستثمار في رأس المال البشري، خاصة في الصحة والتعليم، وكذا من خلال دعم مشاركة الفئات الأقل حظا في أسواق العمل.
وتتميز الحماية الاجتماعية، كذلك، بكلفتها الميسورة، حيث لم تظهر البرامج الرائدة فقط أن تأثير الحماية الاجتماعية على الفقر يمكن أن يكون كبيرا ولكن أيضا أنه في كثير من الأحيان تكلف برامج الحماية الاجتماعية الكبيرة أقل من 0,5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي المغرب، تم اعتماد سياسة عمومية في مجال العمل الاجتماعي والتضامني للمساهمة في تحسين الإنتاجية الفلاحية وتعزيز التنمية الاقتصادية المحلية والاستخدامات المستدامة للموارد الطبيعية وكذا الاندماج الاجتماعي، من خلال وضع ترسانة واسعة من السياسات المنسجمة مع المعايير الدولية المتعلقة بالحق في التغذية ومكافحة الفقر، مكنت المملكة من تحقيق تقدم هام في مجال بلوغ أهداف الألفية للتنمية، ولاسيما تقليص نسبة الفقر المدقع (من 16 إلى 6 في المائة منذ سنة 2010)، وكذا القضاء على الجوع.
وفي مقدمة هذه الأوراش الاقتصادية والاجتماعية الهامة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تم إطلاقها سنة 2005 وكان لها عظيم الأثر على الفئات المعوزة، حيث مكنت من إخراجها من دائرة الفقر، خاصة عبر مشاريع مدرة للدخل. وقد تم تصنيف المبادرة الوطنية ضمن لائحة أفضل خمسة برامج عمل ذات المنفعة العامة على الصعيد العالمي. كما حل المغرب ثالثا ضمن لائحة أفضل خمسة بلدان على مستوى البرامج ذات البعد الاجتماعي، وذلك في تقرير حديث للبنك الدولي حول ” وضعية شبكات الأمان الاجتماعي في العالم لسنة 2015″، حيث شمل دراسة وضعية البرامج ذات البعد الاجتماعي في 136 دولة.
وباعتبار القطاع الفلاحي العمود الفقري للاقتصاد ورافعة أساسية للتنمية الاجتماعية، حيث يساهم بما بين 14 و25 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، ويوفر فرص الشغل لنحو 40 في المائة من الساكنة النشيطة، أطلق المغرب مخطط (المغرب الأخضر) سنة 2008، الذي عزز بشكل قوي هذا القطاع لجعله قاطرة النمو في ال15 سنة القادمة.
وقد أعطى هذا المخطط مكانة متميزة للفلاحة الصغيرة لدورها الأساسي في القضاء على المجاعة والفقر وتحسين الأمن الغذائي والتغذية وسبل العيش وكذا على مستوى التدبير المستدام للموارد الطبيعية.
ومن جملة تدابير الحماية الاجتماعية التي اعتمدتها المملكة، برنامج (اليوتس) الذي يتوخى تحقيق تنمية وتنافسية قطاع الصيد البحري وتثمين الموارد البحرية للمملكة بكيفية مستدامة وزيادة الناتج الداخلي للقطاع بثلاثة أضعاف في أفق سنة 2020، وبالتالي جعل القطاع محركا لنمو الاقتصاد المغربي.
ويبرز برنامج “تيسير” للتحويلات النقدية المشروطة كأحد البرامج الرائدة في مجال الحماية الاجتماعية، حيث يرمي إلى تقديم دعم مالي للأسر الفقيرة، ويكتسي دورا أساسيا في تنمية الرأسمال البشري والحد من هشاشة الأسر القروية، وتحسين الأمن الغذائي والتغذية وتقليص نسب الفقر بالعالم القروي.
وقد توجت مختلف هذه الجهود بتسلم المملكة، في شهر يونيو الماضي، جائزة منظمة (الفاو) لتمكنها من تحقيق أول أهداف الألفية للتنمية المتعلق بالحد من الفقر المدقع ومكافحة الجوع، وذلك قبل سنتين من الموعد المسطر لهذا الهدف.
ويؤكد المغرب عزمه الراسخ على مواصلة العمل، إلى جانب الأوراش التي تم إطلاقها، لتطوير نظام الحماية الاجتماعية، سواء على المستوى القانوني أو من حيث تدبير ومراقبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها المملكة وتأثيرها على احتياجات الساكنة.
تجدر الإشارة إلى أن الاحتفال السنوي باليوم العالمي للأغذية يشكل مناسبة لزيادة وعي الرأي العام بمشكلة الجوع في العالم، والتشجيع على توجيه قدر أكبر من الاهتمام إلى الإنتاج الزراعي في جميع البلدان، وبذل جهود أكبر على المستويات الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف وغير الحكومية لتحقيق هذا الغرض، فضلا عن تشجيع نقل التكنولوجيا إلى بلدان العالم الثالث، وتعزيز التضامن الدولي والقطري في الكفاح ضد الجوع وسوء التغذية والفقر واسترعاء الاهتمام نحو المنجزات المتحققة في مجالي الأغذية والتنمية الزراعية.