مجلة المحيط الفلاحي

“الوسطاء ” : اقتصاد الطفيليات الذي يجب اجتثاثه…!

حينما انتشر الخبر الغير رسمي في الاسابيع الماضية حول إلغاء عيد الأضحى، ظن البعض أن المتضرر الأكبر هو المواطن والفلاح ، لكن الحقيقة كانت أكثر عمقًا ومرارة. لقد جاءت الصدمة الحقيقية لأولئك الذين اعتادوا على تحويل الأسواق الفلاحية إلى مزارع خاصة بهم  لجني الأرباح الفاحشة دون جهد أو إنتاج، أولئك الذين امتصوا دماء الفلاحين واستنزفوا جيوب المستهلكين لسنوات.. “الشناقة”، تلك الكائنات الطفيلية التي نمت وترعرعت في ظلال الفوضى وغياب الرقابة القانونية .

إن قرار إلغاء العيد، سواء كان رسميًا أم لا، كشف عن هشاشة اقتصاد الوساطة الطفيلية التي تسيطر على أسواقنا الفلاحية. فالوسطاء، الذين لطالما راكموا الثروات عبر احتكار العرض والمضاربة على الأسعار، وجدوا أنفسهم أمام مأزق غير متوقع، دورة الربح السريع توقفت، والتلاعب بالأسواق تعطل، وباتت حقيقة الاستغلال الذي يمارسونه جلية أمام الجميع.

لم تكن تجارة المواشي وحدها هي الضحية، فهؤلاء المتلاعبون بجيوب المغاربة بسطوا نفوذهم إلى أسواق السمك، والخضر والفواكه ، والمواد الغذائية، حيث يتحكمون في سلاسل التوزيع، يرفعون الأسعار متى شاؤوا، ويتركون الفلاح والمستهلك تحت رحمة جشعهم المستمر. لقد تحولوا إلى قوة اقتصادية موازية تتحدى الدولة والقوانين، وتجعل الفوضى هي القاعدة، والاستغلال هو العرف السائد.

ما كشفه هذا الوضع ليس مجرد أزمة ظرفية مرتبطة بمناسبة دينية، بل هو دليل دامغ على اختلال عميق في منظومة الأسواق بصفة عامة . إلى متى سيبقى الفلاح يبيع تعبه بأبخس الأثمان، بينما يكدس “الشناقة” الأرباح بلا حسيب أو رقيب ومضاعفة بأكثر من خمسة مرات …؟ وإلى متى سيظل المستهلك رهين مضاربات لا تخضع لمنطق اقتصادي عادل…؟

إن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل. المطلوب اليوم ليس فقط تنظيم الاسواق ، بل إعادة هيكلة شاملة لسلاسل الإنتاج والتوزيع، بحيث تُمنح الفئات المنتجة أدوات تسويق مباشرة، وتُوفر قنوات عادلة للبيع، بعيدًا عن تسلط الوسطاء. فلا يمكن لدولة تسعى جاهدة إلى تحقيق الأمن الغذائي في ظروف مناخية صعبة  أن تسمح باستمرار هذه الطفيليات في استنزاف مقدراتها وتعطيل تطور اقتصادها.

إلغاء العيد، إذا كان حقيقة، فهو ليس المشكلة الكبرى، بل استمرار منظومة “الشناقة” صغارا او كبارا  هو الأزمة الحقيقية التي يجب مواجهتها بقرارات جريئة وقوانين حازمة تضع حدًا لجشعهم. لقد آن الأوان لكي تتدخل الدولة بحزم، وتسن تشريعات تردع هؤلاء المضاربين، وتفرض رقابة صارمة على الأسواق، وتفتح المجال أمام آليات تسويق عادلة تحترم المنتج والمستهلك معًا.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشادة بالمجهودات الجبارة التي تبذلها وزارة الفلاحة من أجل دعم الفلاحين وحمايتهم من تقلبات الأسواق، من خلال برامج تعزز قدراتهم الإنتاجية وتوفر لهم آليات تمويل أكثر إنصافًا. إن هذه المبادرات، رغم أهميتها، تحتاج إلى دعم أقوى عبر سياسات صارمة تضع حدًا لاستغلال المضاربين، لأن ضمان عدالة الأسواق هو الخطوة الأولى نحو تنمية فلاحية مستدامة تحفظ حقوق المنتج والمستهلك على حد سواء.

السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم ليس: “لماذا أُلغي العيد؟” رغم انه ليس قرار رسمي لحد الان فقط مجرد إشاعة ارعبت الوسطاء ، بل: “متى نلغي سلطة الشناقة على أرزاق المغاربة…وبالخصوص البسطاء منهم ؟”. فهل نحن أمام فرصة حقيقية للإصلاح، أم أننا سنترك الأسواق رهينة لجشع لا حدود له..؟

# عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.