مجلة المحيط الفلاحي

الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب، أية مفارقات؟

رحمة الله على مؤلف سلسلة “إقرأ” أحمد بوكماخ. تذكرت أحد نصوصه وأنا أتجول عبر شوارع و أزقة مدينة مكناس، إنه النص القرائي “موسم الحصاد”. نعم، وعبر عقد من زمن الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب ، تشرع مدينة مكناس عند مستهل شهر مارس من كل سنة في موسم حصاد المبكر لغابات الأعشاب، وتقليم الأشجار الشائكة، وطلاء الطوار على امتداده، و كل الواجهات التي من المنتظر مرور موكب الافتتاح الأولي منها.
عشرة سنوات، ومقدمة العقد الثاني بالسنة (11) دخله الملتقى الدولي الفلاحي بالمغرب، ولا زال نفس النهج يتكرر سنة بعد سنة، حتى سماها المواطن المكناسي “موسم التويزة التزيينية”. مكناس تتزين وتكشف عن مفاتنها ، بمعنى إنها كانت مهملة الصورة إلى حد ملمح البداوة القصية في الزمان. تتزين باللحظة الرمزية بتكرار الأفعال و الأشغال، وطلي كل ما يشاهد بقوة الوصول إلى مركز الملتقى بنفس مساحيق التجميل حتى وإن كانت صلاحية جودتها منتهية . كل المنافذ المؤدية حتما إلى موقع المعرض (الملتقى) تغرس جوانبها بالأزهار والرياحين والورود المتفتحة بقدرة الله بين عشية وضحاها ، وتكنس الأتربة التي عمرت حولا بالمكان .
السؤال الذي يتداوله أهل مكناس، لما يتزين نصف المدينة موسميا فقط؟ هل الساكنة المكناسية لا تستحق مدينة تسلب نظرة الناظر بهجة، وتضمن نقاوة الفرح، والعيش الكريم ؟.
كل من بالمدينة كان يرتضي بالأمل الواثق من إقامة الملتقى الفلاحي بالمغرب / مكناس، طفرة نوعية تفك عن المدينة شبح الانحرافات التدبيرية التي لبستها، وعمرت بها زمانا بسوء تقدير حكامة محلية رشيدة . كل من بقي بالمدينة وعاشق لها، كانت رؤيته تستنجد إلى وصل ماضي مدينة الجد الأكبر المولى إسماعيل بحاضر المغرب الحديث، مغرب الملك محمد السادس له التأييد والنصر. الكل استبشر خيرا من الرؤية الإستراتيجية ل”مكناس الكبير”، لكن الملف الكبير لا نعرف ما الذي أصابه، وشل من حركته الحبوية الأولية .
مكناس مدينة الجن والملائكة ، كل المتناقضات والتباينات تجدها حاضرة ومعمرة بالتواتر بالمدينة، كل الرحايا الهوائية للتطاحنات اللسانية والسياسية (السائبة) سكنت المدينة وتشعبت بين ما لف من أسوار المدينة، وما فتح بها من أبواب، حينها أصبح قوم مكناس شيعا وقبائل، لا لون لهم، ولا جبهة قوية للمرافعة عن المدينة، ولا هاجس تجديد يسكن المدينة حضارة وتطورا. إنها المدينة المنسية التي تنتظر قطار الاستنساخ السنوي الآتي اليوم أو غدا مما جادت به سكة فاس كمركز للجهة .
نفس المحاور الطرقية لم تتغير بالتوسيع أو بإضافة مسالك أخرى جديدة، نفس الاكتظاظ بمداخل الطريق السيار (الغربي والشرقي) يتكرر، ولم يسعف القيمين عن الملتقى الدعوة إلى التوسيع وفتح منافذ أخرى للدخول والخروج بالسيولة الكافية ولو بالاستثناء الموسمي للملتقى الفلاحي. نفس مواقف السيارات، ولم يتسن التفكير في البدائل، ولما القول بالإبداع. من هذا الجانب لا أخفيكم القول فالثقل كل الثقل ينزل على شرطة المرور، والأمن الوطني أيام الملتقى الفلاحي بالمغرب/مكناس، كيف يمكن تدبير كثافة بشرية، وتوجيه أكثر من مليون زائر، و200 ألف عربة نقل باختلاف أحجامها في ظل خمسة أيام ؟ إنها مكناس الجذبة العيساوية أيام المعرض/ الملتقى.
منذ عشر دورات بعدد السنين، وتفكيرنا لا يبارح مكانه من تزيين المداخل، وغرس الشتائل المزهرة أصلا. إنها سنة “العكار الفاسي” في ظل أول موسم للجهوية المتقدمة “فاس – مكناس”، عكار صبغ كل طوار مداخل المدينة بالأحمر، ولون ما غرس من أزهار باللون الأحمر في استعجالية استباقية شملت كل الممرات الرئيسية ، والمدارات بسهم اتجاهات أبواب مداخل الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب / مكناس.
لحظة كثر الحديث عن رحيل أو”تهريب” المناظرة الدولية حول الفلاحة من رحم الولادة بمدينة مكناس، حينها احتدم النقاش، وكتبت البيانات التنديدية، وأعلنت الوقفات الاحتجاجية، وكثرت المهاتفات التلفونية بين أهل الحل والعقد. هنا تشعر بأن المدينة مستهدفة، ونحن صغارا عن الإدراك الشامل بالضغط، لا نعلم السبب ولا المسببات من توقيف عجلة التحرك التحديثي بمكناس، هنا تشعر أن موضوع “تهريب المناظرة” كما اصطلح على تسميته، ما هو إلا تمويه عن نقاش أكبر وجدي حول نتائج استفادة المدينة من الملتقى الدولي للفلاحة، والقيمة المضافة ماديا على البنية التحتية وعلى المورد الاقتصادي للساكنة المكناسية. إنها الفجوات السحيقة المبيتة بالنية، والتي ترتضي تكميما تاما لأفواه الفاعلين من المجتمع المدني، والفاعلين السياسيين والاجتماعيين لأهل مكناسة بالسكوت طواعية مرة، وبالرضا بقدر المدينة وقضائه، وللبداية بالمنطق نهاية، فحتى الملتقى السنوي للفلاحة بالأجزاء والفواصل سيحول إلى مدن أخرى، كما تم ترحيل ملتقى الفرس!!!.
لا أحد اليوم من أهل مكناس، والقيمين عن الشأن المحلي ينكر حركية الملتقى الفلاحي على المدينة، والجذب المادي للمعاملات التجارية والتسويقية، لا أحد من أهل ساكنة مكناسة ينكر الوصلة الإعلامية التسويقية لنمذجة من علامات مكناس الحصرية (الصناعية/ الثقافية/ الفنية…). لكن الجميع ينكر على المدينة سياسة ” قدي بلي كاين”، فالمطالب تتسع نحو اعتبار مكناس قطب شريك في الجهوية المتقدمة، لا تابع بالتسمية لفاس المدينة. فالمطالب تزداد بالتفكير في محاور طرقية تفك عزلة مدينة تختنق طرقها صباح مساء، فالمطالب وإن كانت بساطتها لا تتسع عمقا، فهي تتميز في خلق سياسة مدينة يكون فيها المواطن المكناسي هو المستهدف من جمالية المدينة طيلة السنة، لا مع الملتقى الفلاحي بأيامه “الباكورية” المعدودة، وكفى.

محسن الأكرمين

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.