المعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية بتاونات ..أدوار رائدة في مجال تثمين هذه المنتوجات
المحيط الفلاحي : يقوم المعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية بتاونات بأدوار رائدة في مجال تثمين هذه السلسلة الواعدة من المنتوجات وإنجاح إدماجها في الدورة الاقتصادية فضلا عن الرفع من مساهمتها في تحقيق التنمية.
ويحتل المغرب مكانة جد متقدمة ضمن البلدان التي تتوفر على أنواع متعددة ومتنوعة من النباتات الطبية والعطرية إذ توجد به ما يقارب 800 نبتة طبية وعطرية منها على الخصوص (أزير والشيح والريحان والزعيترة وورقة سيدنا موسى والزعتر وغيرها).
لكن ورغم هذا الغنى والتنوع في أنواع النباتات الطبية والعطرية التي يتوفر عليها المغرب فإن عدد الأنواع المستغلة لحد الآن لدواعي طبية وتجميلية لا يتجاوز ما بين 200 و 250 نبتة.
وأكد السيد عبد السلام الخنشوفي٬ مدير المعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية بتاونات٬ أن للمغرب شهرة عالمية في مجال النباتات الطبية والعطرية باعتباره من أكثر بلدان الضفة الجنوبية لحوض المتوسط التي يلائم مناخها توالد وتكاثر هذه النباتات التي استوطنته منذ آلاف السنين.
إلا أن هذا التنوع الذي يحظى به المغرب في مجال النباتات الطبية والعطرية وما راكمه من خبرة في مجال تحضيرها لم يشفعا لهذا المنتوج أن يرقى إلى مستوى ما حققته بلدان أخرى حيث أن العديد من الأنواع من هذه النباتات تظل غير مستغلة بالشكل الأنسب كما أن انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية تبقى جد محدودة.
ولتثمين هذا المورد الطبيعي والمساهمة في اندماجه ضمن النسيج الاقتصادي الوطني تم تأسيس المعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية باستثمار مالي بلغ 2 ر 54 مليون درهم باعتباره مؤسسة جامعية موجهة للبحث العلمي والتطبيقي والدعم التقني للتنمية مع مهام نشر الخبرة والمعرفة العلمية المتخصصة حول النباتات الطبية والعطرية وباقي المنتوجات الطبيعية الأخرى.
وحسب السيد الخنشوفي فإن المعهد ظل منذ إنشائه سنة 2002 وفيا لمهمته الأساسية حيث يقوم بأدوار محورية في مجال الابتكار والإنتاج والمصاحبة والتكوين وتقديم الخبرة التقنية ونقل التكنولوجيا.
ويقوم المعهد بمواكبة مجهودات المزارعين والتعاونيات الفلاحية من أجل تنمية وتطوير هذه الأنواع النباتية الطبيعية والمحافظة عليها وتثمينها واستعمالها وإدماجها في التنمية الاقتصادية من خلال إحداث المشاتل والضيعات النموذجية وإجراء التجارب على هذه النباتات عبر مجموعة من الآليات والهيئات كالمقاولات الصغرى والمتوسطة والاستغلاليات المتوسطة.
كما يقدم المعهد مساعدات للمنتجين من خلال منحهم شهادات التصديق البيولوجي (بيو) تثبت أن منتوجهم طبيعي وتمكنهم من تحويله واستغلاله وفق المعايير والمقاييس التي تحددها الأسواق الدولية.
وحسب مدير المعهد فإن هذه المؤسسة تقوم بتوجيه المزارعين وتعريفهم بكيفية الزراعة وجمع المحصول وتحويله وبيع المنتوج بالاعتماد على آخر تقنيات التسويق الحديثة٬ مشيرا إلى أن المعهد يقدم مساهمة كبيرة في مجال دعم السكان القرويين بالمغرب ومساعدتهم على تحسين مستوى عيشهم عبر الرفع من مدخولهم اليومي.
وحتى يقوم المعهد بالأدوار المنوطة به فهو يتوفر على سبع مختبرات متخصصة وحديقة للتجارب تمتد على مساحة تقدر ب 5 ر 6 هكتارات تستعمل بالخصوص لزراعة النباتات الطبية والعطرية وتدجينها وجعلها مطابقة للمعايير والمقاييس الدولية.
ويعبر السيد الخنشوفي عن ارتياحه للنتائج التي تم تحقيقها من طرف المعهد خاصة في ميدان البحث العلمي حيث بلغت نسبة براءة الاختراع التي تم وضعها من طرف الباحثين التابعين لهذه المؤسسة 44 في المائة من مجموع براءات الاختراع التي وضعتها جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس التي يتبع لها المعهد وذلك رغم أن عدد الباحثين بالمعهد لا يتجاوز سبعة من أصل 1200 أستاذ ينتمون للجامعة الأم.
وقال إن العديد من الشركاء سواء بالمغرب أو بالخارج يطلبون خدمات المعهد المعروف بجودة وجدية تدخلاته من أجل الإشراف على تنفيذ العديد من المشاريع أو القيام بأبحاث علمية وتقنية في ميدان التنمية.
وأعطى مثالا على تدخلات المعهد سواء في المشاريع التي تنفذها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو في إطار مشروع المغرب الأخضر بتاونات حيث يساهم المعهد في مشروع لزراعة 95 هكتارا من النباتات الطبية والعطرية باستثمار يصل إلى 17 مليون درهم .
وأكد مدير المعهد أن النباتات الطبية والعطرية بإمكانها أن تصبح رافعة للتنمية المستدامة في المناطق القروية بشرط تعزيز وتقوية المعرفة حول هذه النباتات وخصائصها واستعمالاتها من خلال وضع برامج للبحث وإنعاش وتثمين هذه المنتوجات سواء على الصعيد الوطني أو الدولي فضلا عن تأطير القطاع وتقديم دعم مالي وتحفيزي للمهنيين .
لكن ورغم كل هذا فالمعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية بتاونات لا يمكنه أن يقوم بالدور المنوط به على أكمل وجه إذا لم يتم التفكير في تغيير قانونه الأساسي الذي يحد من قدرته وطاقته على العمل.
وفي هذا الإطار يؤكد السيد الخنشوفي على ضرورة العمل على تحويل المعهد إلى مؤسسة عمومية لها استقلال إداري ومالي لتمكينها من توحيد جهود جميع المتدخلين في القطاع .
وقال إن القانون الأساسي الحالي الذي يشتغل المعهد في إطاره يعيق في الغالب تدخلاته٬ مشيرا إلى أن التوجه لتحويله إلى مؤسسة عمومية ذات استقلالية يظل أنجع وسيلة لتنسيق مختلف التدخلات في القطاع وتسريع وثيرة العمل وتحقيق الفعالية سواء تجاه القطاع الخاص أو تجاه الفاعلين الاقتصاديين.
وحسب مدير المعهد فإن مشروع إحداث الوكالة الوطنية لتثمين النباتات الطبية والعطرية الذي وصل إلى مرحلة المصادقة من شأنه أن يعطي دفعة قوية لهذا التوجه الذي يروم بالأساس إدماج النباتات الطبية والعطرية ضمن مقاربة التنمية المستدامة التي تستهدف بالأساس تنمية المناطق القروية ومساعدة سكان القرى والمداشر على تحسين مستوى عيشهم سواء بإقليم تاونات أو بباقي الجهات الأخرى .
يشار إلى أن الإنتاج السنوي من النباتات الطبية والعطرية بالمغرب يقارب 33 ألف طن وتقدر صادرات هذا المنتوج ب 550 مليون درهم مما يمكن المغرب من احتلال الرتبة 12 على الصعيد الدولي ضمن الدول المصدرة لهذا النوع من النباتات وراء كل من الهند والصين وفرنسا وغيرها.
وعلى المستوى الدولي حققت منتوجات النباتات الطبية والعطرية خلال سنة 2012 رقم معاملات بلغ 60 مليار دولار وذلك بفضل ارتفاع الطلب المتزايد على المنتوجات المستخلصة من هذه النباتات.
وتتشكل صادرات المغرب من هذه النباتات التي توفر ما مجموعه 500 ألف يوم عمل في السنة من عدة أنواع أهمها النعناع واللويزة وأزير والزعتر وغيرها.
ويظل الأطلس الكبير والأطلس الصغير وجبال الريف والمنطقة الشرقية أهم المناطق التي توفر مناخا ملائما لتكاثر هذه النباتات.
و.م.ع : محمد التوزاني