“المحيط الفلاحي” تجري حواراً صحفيا حصريا ً مع كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول الجهود الجماعية لاستعادة مخزون سمك التونة الجاحظ ومبادرة الحزام الأزرق
يشكل قطاع الصيد البحري في المغرب رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويجسد التزام المملكة الراسخ بالحفاظ على مواردها البحرية الثمينة، سواء على المستوى الوطني أو من خلال مساهمتها الفاعلة في الجهود الدولية لحماية هذه الموارد وضمان استدامتها. وفي حوار خاص حصري مع مجلة “المحيط الفلاحي”، تفتح السيدة زكية الدريوش، كاتبة الدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات المكلفة بالصيد البحري، نافذة على الإنجازات والتحديات التي يواجهها المغرب في سبيل الحفاظ على المخزون السمكي، خاصة في ظل التحولات البيئية والتغيرات المناخية التي تؤثر على استدامة المحيطات. وقد جاء هذا اللقاء على هامش مشاركة المملكة المغربية المتميزة في أشغال الاجتماع الاستثنائي 24 للجنة الدولية للحفاظ على أسماك التونة الأطلسية الذي نظم في قبرص، حيث استعرضت السيدة الدريوش دور استراتيجية “أليوتيس” و”مبادرة الحزام الأزرق” في تعزيز التعاون الإفريقي في هذا القطاع الحيوي، فضلاً عن جهود المغرب لدعم الاقتصادات المحلية عبر الصيد المستدام تحت قيادة جلالة الملك حفظه الله. كما تطرقت إلى الرؤية المستقبلية التي يحملها المغرب لتعزيز ريادته في مجال حماية التنوع البيولوجي البحري على المستوى الدولي.
السيدة الدريوش، شكراً لك على تواجدك معنا. نود أن نبدأ بالحديث عن الدور الذي يلعبه المغرب في حماية موارد التونة، وخاصة تونة الأطلسي. كيف يمكنكم تقييم جهود المغرب في هذا المجال..؟
أولاً، أود أن أشكر لكم هذه الفرصة للحديث عن هذا الموضوع الهام. المغرب يلتزم بشكل قوي بمبادئ الحفاظ على الموارد البحرية، ويعد من الدول التي تساهم بشكل فعال في الجهود الدولية لحماية وتطوير مخزون أسماك التونة، خاصة تونة الأطلسي. في هذا السياق، أؤكد أن المملكة المغربية تحت قيادة جلالة الملك نصره الله ، وعبر التعاون مع الأطراف الدولية، نعمل بشكل مستمر لإعادة استدامة مخزون التونة الجاحظ وتحقيق توازن بيئي في مناطق صيدها. المغرب كان قد ساهم في الجهود الدولية لإعادة مخزون التونة ذات الزعنفة الزرقاء في شرق المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، واليوم، نحن مستعدون لاستكمال هذا الدور مع التونة الجاحظ. نحن نسعى إلى التوصل إلى توافق في الآراء بشأن توزيع عادل للصيد المسموح به يضمن حقوق الدول النامية، ويعزز نمو القطاع.
يبدو أن المغرب يتبنى نهجاً شاملاً في حماية الموارد البحرية. هل يمكن أن تخبرينا المزيد عن الاستراتيجية التي يعتمدها المغرب في هذا المجال، وخاصة فيما يتعلق بالتنوع البيولوجي البحري..؟
بالطبع أستاذ عادل ، المغرب أطلق منذ سنوات استراتيجية شاملة لحماية البيئة البحرية. التوجه الذي يرعاه جلالة الملك محمد السادس نصره الله منذ 2009 يتضمن استدامة الموارد البحرية كعنصر أساسي في استراتيجية “أليوتيس” التي تهدف إلى جعل قطاع الصيد البحري رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. لقد تم التركيز في هذه الإستراتيجية على جوانب الاستدامة البيئية والأداء الاقتصادي والقدرة التنافسية. على مدار العقدين الماضيين، بذلنا جهوداً ضخمة لحماية أنواع بحرية مهددة مثل الثدييات البحرية وأسماك القرش والسلاحف البحرية والطيور البحرية، وساهمنا في تحقيق الأهداف البيئية المتفق عليها في الاتفاقيات الدولية.
على صعيد آخر، قمنا بتعزيز قدرات البحث العلمي والمراقبة البحرية. مؤخراً، على سبيل المثال، اشترينا سفينة أوقيانوغرافية مجهزة بأحدث التقنيات لمراقبة المحيطات ودراسة تأثير التغيرات المناخية على البيئة البحرية. هذا التوجه يهدف إلى دعم الانتقال نحو مصايد مستدامة تساهم في ضمان الأمن الغذائي، وتوفير فرص عمل مستدامة، وتحقيق تنمية اقتصادية مسؤولة.
في حديثك عن إستراتيجية “أليوتيس” والمخطط الأزرق، هل يمكن أن تشرحي لنا كيف يدعم المغرب التعاون مع الدول الإفريقية الأخرى المطلة على الأطلسي في هذا المجال…؟
المغرب، بفضل رؤية جلالة الملك محمد السادس نصره الله، يرسّخ مكانته كعنصر محوري في تعزيز التعاون البحري والتجاري بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي. فمن خلال خبرة امتدت لأكثر من 15 عاماً في تنفيذ استراتيجية “أليوتيس”، استطاع المغرب ليس فقط تنمية قطاع الصيد البحري على المستوى الوطني، بل أيضاً مشاركة تجربته مع العديد من الدول الإفريقية الشقيقة . وتأتي “مبادرة الحزام الأزرق”، التي أُطلِقت خلال المؤتمر الوزاري الثالث الذي عقد بمدينة طنجة، كخطوة مهمة لتسهيل وصول الدول الإفريقية إلى الموارد البحرية وتعزيز الاقتصاد الأزرق المستدام. هذه المبادرة لا تعكس فقط التزام المغرب بتعزيز ممارسات الصيد المسؤول وحماية التنوع البيئي، بل تسعى أيضاً إلى بناء جسور اقتصادية تدعم التنمية المشتركة بين دول القارة.
ومن خلال دوره الكبير في أفريقيا، قد إكتسب قواعد وخبرة راسخة، والتزام قوي إتجاه أفريقيا، وهو إلتزام تعزز بفضل الرغبة القوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، في تعزيز الانفتاح بين البلدان الأفريقية الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي، وتعزيز تنمية قطاع الصيد البحري على المستوى الإقليمي، المحفز لإقتصاد أزرق مرن ومستدام، وتعزيز الممارسات المسؤولة .
في سياق التحديات التي يواجهها قطاع الصيد البحري، كيف تري تأثير التغيرات المناخية على استدامة المخزون السمكي في المغرب والمنطقة بشكل عام…؟
التغيرات المناخية تمثل تحدياً كبيراً لقطاع الصيد البحري على مستوى العالم، والمغرب ليس استثناءً. نحن نعيش في عالم يشهد تقلبات مناخية غير مسبوقة، وهو ما يؤثر مباشرة على تنوع الأنواع البحرية وعلى استدامة الموارد السمكية. هناك تأثيرات ملموسة على درجة حرارة المياه، والتي تؤثر بدورها على توزيع الأسماك وتزايد بعض الأنواع على حساب الأخرى.
في المغرب، نواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على المخزونات السمكية في ظل هذه التغيرات، لذا كان من الضروري تكثيف الجهود في مجالات الرصد البيئي والبحث العلمي. نحن بحاجة إلى تطوير تقنيات متقدمة لتحليل بيانات المحيطات، وتعزيز عمليات المراقبة البحرية لضمان استدامة الموارد السمكية. المغرب قد بدأ بتطبيق إجراءات عدة لتقليص التأثيرات السلبية لتغير المناخ، بما في ذلك العمل على تأمين الاستغلال المستدام للموارد، وتعزيز الأنظمة البحرية المسؤولة.
بالإضافة إلى تربية الأحياء المائية في المغرب التي تعد أحد الأعمدة الرئيسية لتعزيز استدامة الثروة السمكية، إذ تساهم بشكل فعّال في تنمية المخزون السمكي والحفاظ عليه، فضلاً عن تقليل الضغط المتزايد على مصايد الأسماك الطبيعية. ويُجسّد هذا القطاع رافعة تنموية واعدة، حيث يوفّر حلولاً مبتكرة لدعم الأمن الغذائي، وتحقيق التوازن البيئي، وتعزيز الاقتصاد الأزرق، مما يرسّخ مكانة المغرب كوجهة ريادية في مجال استغلال الموارد البحرية بأساليب مستدامة.
ماذا تأملون أن تحققوا من خلال المشاركة في الاجتماع الاستثنائي للجنة الدولية للحفاظ على أسماك التونة الأطلسية في قبرص..؟
اجتماع قبرص مثل فرصة هامة لجميع الدول المعنية لمناقشة قضايا ملحة تتعلق بالحفاظ على أسماك التونة، وخاصة التونة الاستوائية. هذا الاجتماع أسفر عن نتائج ملموسة ستساهم في تعزيز استدامة هذه الموارد. نحن نركز على ضمان التوزيع العادل والمنصف للمصطادات السمكية بين جميع الأطراف المعنية، بحيث يتم مراعاة مصالح الدول النامية، مع توفير فرص عمل مستقرة، وهو ما يتماشى مع الأهداف التي حددتها المملكة المغربية في إطار سياستها الوطنية للصيد البحري.
كما نأمل في أن يعمق النقاش حول قضايا أخرى مهمة، مثل تأثير التغيرات المناخية على التنوع البيولوجي البحري، وأن يتم اتخاذ قرارات عملية بشأن استدامة المخزونات السمكية والتدبير الأمثل لها، بما يساهم في تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال.
ما هي أبرز المكاسب التي حققها المغرب خلال الاجتماع الاستثنائي للجنة الدولية للحفاظ على أسماك التونة في المحيط الأطلسي (ICCAT) لعام 2024…؟
بالفعل أستاذ عادل ، نجح المغرب خلال هذه الدورة في تحقيق مجموعة من المكاسب حيث عمل الوفد المغربي خلال هذه الدورة على تأمين المصالح والمكتسبات الوطنية التي تهم جميع المتدخلين من الصيد التقليدي، والصيد الساحلي، ومزارع التسمين، وسمك التونة الجاحظ، وسمك أبو سيف، وغيرها من المحاور التي همت المفاوضات.
والتي همت مراجعة تصاعدية لإجمالي الصيد المسموح به (TAC) على مستوى سمك أبو سيف في شمال الأطلسي، ما مكن المملكة المغربية من الاستفادة من زيادة هامة في حصتها الحالية، التي انتقلت من 850 طنا إلى 1186 طنا، بالإضافة إلى حصة إضافية قدرها 175 طنا منقولة من اليابان بمعدل 150 طنا وترينيداد توباغو بمعدل 25 طناً خلال الفترة 2025-2027.
وبالنسبة لأسماك التونة الاستوائية “thonidés tropicaux” فقد أقرت الهيئة خطة متعددة السنوات لحفظ وإدارة هذا النوع من التونيات، بإعتماد مجموعة من التدابير، فيما نجح المغرب في الحصول على حصة مهمة للغاية من سمك التونة الجاحظ “thon obèse” في حدود 1600 طن. إلى ذلك تتضمن الخطة أيضا الإبقاء على المصيد الإجمالي السنوي “TAC” لسمك التونة ذات الزعنفة الصفراء “albacore demeurera” عند المستوى الحالي البالغ 110.000 طن. وفي ما يتعلق بصيد التونة ذات الزعنفة الزرقاء أو التونة الحمراء “thon rouge” ، فقد حافظت المملكة المغربية على حصتها الحالية، الممثلة في 3700 طن لسنة 2025. وبخصوص مخزونات أسماك القرش قد حضيت بإهتمام خاص في أشغال اللجنة، توجت بإعتماد العديد من التدابير للحفظ المستدام والتدبير الجيد.
بخصوص مداولات اللجنة التنفيذية نوهت مرة أخرى بكون المغرب “في حالة مطابقة تامة”، مع تدابير الحفظ والإدارة التي اعتمدتها اللجنة الدولية لحفظ أسماك التونة في المحيط الأطلسي، حيث تعد المملكة المغربية واحدة ضمن 14 دولة من أصل 57 دولة أبدت امتثالها الكامل ، كما يقدم المغرب اليوم نفسه نموذجا يحتدى به في الإنخراط الجاد والمسؤول في إدارة المصايد المعنية ، وأكدنا خلال إنطلاق اشغال هذه اللجنة، إستعداد المملكة للمساهمة في الجهود الجماعية، الرامية إلى إنعاش مخزون سمك التونة الجاحظ، والتوصل إلى توافق في الآراء بشأن التوزيع العادل لإجمالي الصيد المسموح به.
في ختام حوارنا، هل من رسالة أخيرة تودين توجيهها للمجتمع الدولي، خاصة في ما يتعلق بحماية المحيطات والمصايد السمكية..؟
أود أن أؤكد على أن حماية المحيطات والموارد البحرية ليست مسؤولية فردية، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الدول والحكومات والمؤسسات الدولية. المغرب يظل ملتزماً بتعزيز هذه الجهود المشتركة، ويشجع على ضرورة تبني سياسات أكثر استدامة في مجال الصيد البحري. نحن نعيش في وقت حساس، ويجب أن نعمل معاً لضمان بقاء المحيطات والموارد البحرية للأجيال القادمة. المغرب تحت قيادة جلالة الملك نصره الله سيظل شريكاً قوياً في هذا السياق، ملتزماً بكل ما من شأنه حماية البيئة البحرية وتعزيز التنمية المستدامة في هذا القطاع الحيوي.
شكراً السيدة كاتبة الدولة المكلفة بقطاع الصيد البحري على هذا الحوار المفيد…
في ختام هذا الحوار، شكرا لك الأستاذ عادل و لمجلة “المحيط الفلاحي” على اهتمامها المستمر بقطاع الصيد البحري والزراعي ببلادنا ، وعلى تغطيتها الشاملة والمهنية لهذا المجال الحيوي. مثل هذه المبادرات الإعلامية تلعب دوراً مهماً في رفع الوعي العام حول التحديات والفرص التي يواجهها القطاع، وتعزز من تبادل المعرفة والخبرات بين المهنيين والفاعلين في هذا المجال.
#المحيط الفلاحي: أجرى الحوار عادل العربي