مجلة المحيط الفلاحي

“المحيط الفلاحي” تجري حواراً صحفياً مع الدكتور نور الدين مختاري حول مشروع “فودلاند” والتحديات الغذائية التي تواجهها البلدان الإفريقية..

في عالم يواجه تحديات غذائية متنامية، أصبحت مسألة الأمن الغذائي وتعزيز التغذية الصحية من أبرز القضايا التي تستحوذ على اهتمام الباحثين وصناع القرار. وفي القارة الأفريقية، التي تعاني  دولها من معدلات مرتفعة لسوء التغذية، يبرز مشروع “فودلاند” كمنصة طموحة تهدف إلى تحويل التحديات إلى فرص.

على مدى السنوات الأربع الماضية، تمكن المشروع، بدعم من الاتحاد الأوروبي، من تعزيز التنوع الغذائي وتحسين الأنظمة الغذائية المحلية في ستة بلدان أفريقية، من بينها المغرب. المشروع لا يقتصر على تقديم حلول نظرية، بل يجمع بين البحث الميداني والتطبيق العملي لتوفير غذاء صحي ومتنوع، خاصة للفئات الأكثر هشاشة، مثل النساء والأطفال.

ولأن المغرب يشكل حالة فريدة في مسيرة المشروع، نظرًا لتحولاته الاقتصادية والاجتماعية التي انعكست على أنماط التغذية والصحة العامة، كان لا بد من تسليط الضوء على هذه التجربة الرائدة من خلال حوار صحفي معمق مع الدكتور نور الدين مختاري، أستاذ باحث بالمدرسة الوطنية الفلاحي بمكناس، المنسق الوطني لمشروع “فودلاند”.

في هذا الحوار، نتناول رؤية المشروع وأهدافه، التحديات التي واجهها على أرض الواقع، والتوصيات التي قدمها لتحسين الأنظمة الغذائية. كما نستعرض التغيرات التي طرأت على النظام الغذائي في المغرب بفعل التحضر والعولمة، وتأثيرها على الصحة العامة، لنصل في النهاية إلى استشراف المستقبل وما يحمله من آمال وتطلعات لتحقيق الأمن الغذائي المستدام.

الدكتور مختاري، بخبرته الواسعة وعمله الدؤوب، يمثل رمزًا للإصرار على إحداث فرق في هذا المجال الحيوي. من خلال هذا اللقاء، ندعوكم لاستكشاف تفاصيل الجهود المبذولة، النجاحات المحققة، والرؤية المستقبلية التي يحملها مشروع “فودلاند” لتحسين جودة الحياة وتعزيز الصحة العامة في المغرب وباقي الدول المستفيدة.

دكتور نور الدين، مرحبا بك في مجلة المحيط الفلاحي ، ، أولا حدثنا عن مشروع “فودلاند”. ما هي الرؤية التي انطلق منها هذا المشروع، وما الأهداف التي يسعى لتحقيقها….؟

شكرا الاستاذ عادل العربي على الاستضافة ، مشروع “فودلاند” هو استجابة متكاملة للتحديات الغذائية التي تواجهها البلدان الأفريقية، وهو يهدف إلى تحسين الأنظمة الغذائية المحلية لجعلها أكثر استدامة ومرونة. رؤيتنا كانت واضحة منذ البداية: توفير غذاء صحي ومتنوع يعزز تحسيس  الأفراد ويحد من مشكلات سوء التغذية. لتحقيق ذلك، ركزنا على تعزيز التنوع الغذائي، تحسين سلاسل الإمداد الغذائي، وخلق فرص عمل في المجتمعات المحلية. بالإضافة إلى ذلك، يسعى المشروع إلى توجيه الأنظمة الغذائية المحلية نحو مقاومة الأمراض غير المعدية المرتبطة بسوء التغذية، مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم.

ما الذي يميز المغرب عن بقية الدول المشاركة في المشروع من حيث التحديات الغذائية…؟

المغرب يتميز بتركيبة غذائية فريدة تعكس التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها خلال العقود الأخيرة. على الرغم من أن معدلات نقص التغذية تعد منخفضة نسبيًا مقارنة بدول أخرى، إلا أن المغرب يواجه تحديات مختلفة، مثل ارتفاع معدلات السمنة وفائض الوزن، خاصة بين الأطفال والنساء. هذه الظاهرة مرتبطة بشكل وثيق بالتغيرات في أنماط الحياة والغذاء نتيجة التحضر والتوسع العمراني، مما أدى إلى زيادة استهلاك الأغذية الطاقية كالدهون والسكريات، على حساب الأطعمة الغنية بالألياف والفيتامينات.

كيف واجه مشروع “فودلاند” هذه التحديات في المغرب…؟

اعتمدنا في المغرب على نهج شامل ومتكامل، يبدأ بالبحث الميداني لتحديد طبيعة التحديات وانتهاءً بوضع حلول عملية قابلة للتنفيذ. قمنا بتنظيم ملتقيات تغذية محلية (FoodHubs) تهدف إلى ربط المنتجين المحليين بالمستهلكين لتوفير غذاء صحي بأسعار معقولة. كما عملنا على زيادة وعي المجتمع بالمخاطر الصحية المرتبطة بالنظم الغذائية غير المتوازنة، من خلال حملات توعية شملت النساء القرويات والأطفال، وركزنا على تشجيع التنوع الغذائي والحد من استهلاك الأغذية غير الصحية.

ذكرت أنكم قمتم بأبحاث ميدانية واسعة. ما أبرز النتائج التي توصلتم إليها..؟

أظهرت الأبحاث الميدانية وجود تفاوتات كبيرة بين المناطق الحضرية والقروية فيما يتعلق بالنظم الغذائية. في المناطق الحضرية، كانت المشكلة الرئيسية هي السمنة والأمراض المرتبطة بها، بينما في المناطق القروية، لا تزال مشكلات نقص التغذية وسوء التنوع الغذائي بارزة. كما لاحظنا أن جودة النظم الغذائية لا ترتبط دائمًا بمستوى الدخل، بل بمدى توفر المعرفة والوعي التغذوي لدى السكان. هذه النتائج مكنت المشروع من صياغة توصيات دقيقة تركز على تحسين السلوك الغذائي وزيادة الوعي بالتغذية الصحية.

كيف أثرت التحولات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب على النظام الغذائي…؟

التحولات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، مثل التحضر وعولمة الأسواق، أثرت بشكل كبير على أنماط الاستهلاك الغذائي. في الماضي، كان النظام الغذائي المغربي يعتمد بشكل رئيسي على الأطعمة الطبيعية والغنية بالعناصر الغذائية. أما اليوم، فقد أصبح استهلاك الأغذية المصنعة والطاقية، مثل السكريات والدهون، أكثر شيوعًا. هذا التغير انعكس سلبًا على الصحة العامة، مع زيادة معدلات الأمراض غير المعدية مثل السمنة والسكري.

ما دور النساء في المجتمعات القروية في تحقيق أهداف المشروع…؟

للنساء دور محوري في تعزيز الأمن الغذائي في المجتمعات القروية. هن المسؤولات بشكل رئيسي عن تحضير الغذاء وتغذية الأطفال، لذا ركز المشروع عليهن من خلال حملات التوعية وبرامج التدريب. قصد تعريفهن بأهمية التنوع الغذائي وكيفية إعداد وجبات صحية باستخدام الموارد المحلية. هذه الجهود ستساهم في تحسين العادات الغذائية داخل الأسر القروية ورفع مستوى الوعي حول أهمية التغذية السليمة.

    الدكتور نور الدين مختاري

 

ما أهم التوصيات التي خرج بها المشروع لتحسين الأنظمة الغذائية…؟

التوصيات التي خرج بها المشروع ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: أولًا، تعزيز التنوع الغذائي من خلال دعم الإنتاج المحلي وتشجيع استهلاك الفواكه والخضروات والبروتينات النباتية. ثانيًا، تقليل استهلاك الأغذية غير الصحية مثل السكريات والدهون المشبعة. وأخيرًا، زيادة الوعي التغذوي عبر برامج توعية تستهدف جميع الفئات العمرية، مع تركيز خاص على الأطفال والنساء في سن الإنجاب.

كيف يمكن للمواطنين وصناع القرار المساهمة في تحقيق أهداف المشروع..؟

على المواطنين تبني أنماط غذائية صحية ومتنوعة، والابتعاد عن الأغذية المصنعة والطاقية. أما صناع القرار، فدورهم يتمثل في دعم السياسات التي تشجع على الإنتاج المحلي للأغذية الصحية، وتوفير برامج تعليمية حول التغذية السليمة في المدارس والمجتمعات. كما يجب الاستثمار في مشاريع تنموية تسهل وصول الفئات الهشة إلى غذاء صحي ومستدام.

ما هي خططكم المستقبلية لتوسيع نطاق المشروع في المغرب…؟

نخطط لتوسيع نطاق “ملتقيات التغذية” لتشمل المزيد من المناطق، خاصة القروية منها. كما نهدف إلى تعزيز التعاون مع الجهات الحكومية والخاصة لإطلاق برامج جديدة تدعم الأمن الغذائي. بالإضافة إلى ذلك، نعمل على تطوير أدوات مبتكرة لتقييم أثر المشروع على الصحة العامة، مع التركيز على تحسين سلاسل الإمدادات الغذائية لتكون أكثر شمولية واستدامة.

في نهاية هذا الحوار ، أود أن أتوجه بخالص الشكر للأستاذ عادل العربي، ومجلة “المحيط الفلاحي”، التي كانت شريكًا إعلاميًا فاعلًا ومساندًا لهذا المشروع منذ انطلاقه. جهودكم الإعلامية ساهمت بشكل كبير في إيصال رسالتنا والتوعية بأهمية النظم الغذائية المستدامة. شكراً لكم على هذا الحوار المثمر وعلى دعمكم المتواصل لتحقيق أهداف “فودلاند”.

#المحيط الفلاحي: أجرى الحوار عادل العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.