المـجتمع المــدني القــروي رهــان مؤسساتي من أجل تعبئة أفضل للموارد الطبيعية لأغراض التنمية المحلية
المحيط الفلاحي : تكتسي إشكاليات التنمية المحلية بالمناطق الجبلية المغربية أهمية خاصة بالنظر لعدة عوامل يتقدمها وبدون منازع الخصاص الكبير الذي تعاني منه هذه المناطق على كل المستويات بدءا من البنيات التحتية الأساسية، مرورا بوسائل وأنظمة الإنتاج ووصولا إلى الرأسمال البشري. تخلف رهيب في المحصلة ينعكس سلبا وبشكل مباشر على استراتيجيات عيش السكان المتمحورة أساسا حول استغلال الموارد الطبيعية الجد محدودة (أرض، ماء، غطاء نباتي، غابة…) والمندرجة أصلا في إطار نظام ايكولوجي جبلي هش بنيويا.
السياسات الوطنية المتعاقبة في مجال التنمية الفلاحية والقروية لم تفلح كثيرا في تقديم أجوبة فعالة لهذه الإشكالات المعقدة، بل أن جلها لم يعر المجال الجبلي أهمية تذكر. فمجموعة من السياسات والممارسات السلطوية لم تعمل سوى على تفكيك أشكال التنظيم والتدخل التقليدي لتدبير الشأن المحلي رغم توفرها على مقومات مهمة للمساعدة على النهوض بتحديات التنمية. لذا أضحى المجال الجبلي يغطي مساحات كبيرة من مناطق الظل في الاسترتيجيات التنموية للبلاد حيث يسجل ضعف كبير لكل هيئات وأشكال وميكانيزمات التدخل العمومي لأجل التنمية.
بالمقابل، برزت في ظل هذا الواقع المرير مبادرات تنموية، متواضعة الحجم والتأثير إلا أنها تفتح أبواب الأمل مشرعة أمام العمل الدؤوب من أجل غد أفضل. مبادرات وإبداعات كثيرا ما نجد في صلبها تنظيمات مدنية محلية ومقاربات تشاركية للبحث والتنمية تجعل الإنسان في مركز وصلب اهتمامها. ولعل من أهم هذه الأعمال تلك التي تركز تدخلاتها على استنهاض وتقوية الفعل المؤسساتي المحلي وفق قيم المواطنة الفعلية بعيدا عن كل توجيه يجعل من التنظيمات المحلية مجرد آليات تنفيذية لإستراتيجيات ومشاريع فوقية.
وفق هذا التوجه يندرج عمل التنمية المؤسساتية الذي يؤطره فريق بحث من المركز الجهوي للبحث الزراعي لمكناس بجماعة تالزمت (إقليم بولمان) في إطار المشروع التشاركي “تحسين إدارة المياه لضمان استدامة الزراعة الجبلية” المنجز بشراكة مع المديرية الإقليمية للفلاحة لبولمان وبتعاون مع المركز الدولي للدراسات بالمناطق الجافة والأراضي القاحلة (ايكاردا).
تبعا لمقاربة البحوث الإجرائية (recherche-action) التي يتبناها هذا العمل تم بدءا إجراء بحث ميداني تشاركي مكن من إنجاز تقييم دقيق للمؤهلات المؤسساتية المدنية المتوفرة بالجماعة كما بين مكامن ضعفها واستخرج متطلبات تأهيلها من أجل إسهام أفضل في التنمية المحلية المستدامة. المرحلة التالية همت وضع وتنفيذ برنامج تشاركي لتقوية قدرات الجمعيات والتعاونيات النشيطة سعيا إلى بناء شبكة مؤسساتية مدنية فاعلة في مجال تعبئة الموارد الطبيعية لأجل أغراض التنمية المستدامة. وقد أثمر هذا المجهود عن التأسيس المستقل لفدرالية للجمعيات والتعاونيات المحلية بمثابة إطار للفعل المدني المواطن الملتزم بالقضايا التنموية للجماعة في أبعادها الشمولية بعيدا عن التفكير الانقسامي السائد الذي يتغذى على الصراعات الاثنية البالية بين القبائل والدواوير مهمشا المصالح الإستراتيجية للمنطقة على حساب المصالح الضيقة للبعض. بحيث يمكن الإطار الجديد من التعامل، من موقع أفضل، مع إشكالات التدبير المستديم للثروات الطبيعية للجماعة في إطار منظور تنموي منسجم يعبئ حوله مختلف الهيئات والفعاليات المعنية بتنمية جماعة تالزمت. لذا يعمل النسيج المدني المتكتل في إطار فدرالي على تدقيق إستراتيجيته في هذا المضمار وعلى إطلاق برنامج ترافعي لأجل برامج فعلية للتنمية المندمجة لجماعة تالزمت تضع ضمن أولوياتها رهانات التدبير المستديم للموارد الطبيعية المحلية وفي مقدمتها الماء والثروة الغابوية.
نورالدين بحري، المركز الجهوي للبحث الزراعي لمكناس