الفلاحة و التنمية القروية في قانون المالية لسنة 2016
يعتبر القانون المالي السنوي هو الوثيقة الاساسية التي تعكس توجهات الحكومة لتنفيذ مختلف المشاريع والبرامج التنموية و تفعيل مختلف السياسات العمومية، فهو يعبر عن التوجه الاقتصادي والمالي للحكومة، فهو يعكس توجهاتها واختياراتها في السیاسة الاقتصادیة والاجتماعیة، ويبرز الأولویات المسطرة والمقررة من خلال الاعتمادات المالیة المرصودة لتحقيق ذلك، كما يجسد المجهود الاقتصادي والمالي للدولة في تدبير الشأن العام وتنفیذ الميزانية العامة، وهو الأمر الذي يجعل قانون المال يهم القوانين الحكومية السنوية. و من خلال هذا العرض، سنقدم مكانة الفلاحة في الفقرة الاولى ثم نستعرض في الفقرة الثانية برنامج التنمية القروية في هذا القانون و التوجهات السنوية التي تعتزم الحكومة انجازها. الفلاحة في قانون المالية 2016 و للتذكير، يهدف مخطط المغرب الأخضر الطموح الذي أشرف على انطلاقته جلالة الملك محمد السادس في أبريل من سنة 2008 و الذي جعل القطاع الفلاحي رافعة أساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المغرب.
حيث تندرج هذه الاستراتيجية في إطار المشاريع الكبرى على الصعيد الوطني التي تهدف بالاساس الى خلق فرص الشغل ومكافحة الفقر وحماية البيئة، و تحديث القطاع الفلاحي و إعطائه الزخم اللازم لخلق فلاحة تنافسية حسب المعايير المعتدمة دوليا. ويستند مخطط المغرب الأخضر على دعامتين: تستهدف الدعامة الأولى الفلاحة العصرية ذات قيمة مضافة هامة، في حين تخص الدعامة الثانية الفلاحة التضامنية و دعم الفلاحين في وضعية صعبة. و في هذا الاطار تم تخصيص اعتمادات تفوق 11 مليار درهم، أي بزيادة 1 مليار درهم مقارنة مع سنة 2015، ستوجه بالأساس لمواصلة إنجاز 497 مشروعا وإعطاء انطلاقة 85 مشروعا جديدا، في إطار مشاريع الفلاحة التضامنية، موازاة مع مواصلة تفعيل البرنامج الوطني لاقتصاد مياه السقي وتطوير الشراكة مع القطاع الخاص في مجال الري. و للتذكير فقد قامت الدولة في إطار مخطط المغرب الاخضر بتعبئة ما يقارب 66 مليار درهم خصصتها للفترة و للتذكير، 2009-2015. إضافة إلى ذلك، استفاد مخطط المغرب الأخضر من مساهمات مقدمة من صندوق الحسن الثاني (800 مليون درهم في أربع سنوات)، وكذا صندوق التنمية القروية. كما قامت الأبناك الوطنية في إطار هذه السياسة الاستثمارية، بتطوير طرق تمويل ملائمة لحاجيات الفلاحين.
واعتبارا للثقة التي يحظى بها مخطط المغرب الأخضر وكذا إمكانيات الفلاحة المغربية لدى الشركاء الماليين الدوليين، فقد ساهم هؤلاء، من جهتهم، في تمويل هذا المخطط. وقد بلغت مساهمات صناديق الدعم المتعددة الأطراف والثنائية ما يناهز 12.3 مليار درهم (بما فيها العقود المبرمة أو التي في طور التوقيع) منها حوالي 5.3 مليار كمنح و7 مليار درهم في شكل قروض. حقق مخطط المغرب الأخضر، بعد مرور خمس سنوات على إطلاقه، نتائج مهمة و مشجع، حيث تم استثمار 31 مليار درهم من الأموال العامة و22 مليار درهم من الأموال الخاصة. كما ارتفع عدد الاستغلاليات الفلاحية من 200.000 إلى 1.7 مليون، في حين سجلت المساحات المغروسة ارتفاعا ب 11 في المائة مقارنة بالفترة الممتدة بين 2005 و2007. بينما ارتفع الإنتاج الفلاحي بحوالي 43 في المائة. وقد تم، خلال نفس الفترة، تجهيز 333.000 هكتار بأدوات الري المحلي ( أي بارتفاع يساوي 79 في المائة) بينما ارتفعت نسبة المكننة إلى 36 في المائة. بالنسبة للانعكاسات السوسيواقتصادية، فقد سجل الناتج الداخلي الفلاحي الخام والتشغيل في مجال الفلاحي ارتفاعا بنسبة تفوق 25 في المائة. فيما تم توقيع 17 عقد برنامج خاص بكل سلسلة بين الدولة والمهنيين، وتم إعداد 16 عقدا فلاحيا جهويا بشراكة مع الفاعلين المحليين. كما تم تعزيز هيكلة القطاع الفلاحي عبر إحداث 20 مجموعة ذات النفع الاقتصادي وأزيد من 430 تعاونية فلاحية. وفي إطار تشجيع الصادرات، فإن عددا من العقود الفلاحية توجد في طور المفاوضات مع العديد من الشركات الدوليين. لقد مكن المخطط كذلك من تطوير فلاحة عدالة تحترم البيئة بفضل عدد من البرامج الوطنية و الجهوية. كما تم إحداث تأمين يغطي المخاطر المناخية لفائدة الفلاحين خصوصا الصغار منهم. وباعتبار المنتوجات المحلية موروثا وطنيا، فقد أنجزت عدة دراسات و أبحاث لتثمين هذه المنتوجات، وخلق علامات تجارية للعديد من المنتوجات المحلية دعما للمنتجين الصغارالمحليين وكذا تقديم المساعدة التقنية و المادية تشجيع التصدير بمواصفات عالية للجودة والتسويق. كما جاء في قانون المالية لسنة 2016 مجموعة من التدابير الجبائية التي تهدف بالأساس الى تشجيع الاستثمار و دعم المقاولة لتقوية تنافسية قطاع الصناعة الغذائية، عبر تمكينه من استرداد الضريبة على القيمة المضافة على العناصر الداخلة في الإنتاج ذات الأصل الفلاحي. و في نفس الاتجاه، ستعمل الحكومة على تنويع الاسواق و دعم المقاولات المصدرة و تقوية الديبلوماسية الاقتصادية و تنويع الشراكات و التعاون المنتج جنوب-جنوب خاصة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، و ذلك باستثمار السياسة الرشيدة والمثمرة لجلالة الملك، حفظه الله تجاه هده البلدان الصديقة والشقيقة. وفي نفس التوجه، قال السيد أخنوش في كلمته خلال افتتاح الدورة الرابعة للمنتدى الدولي إفريقيا والتنمية، التي تم تنظيمه يومي 25 و 26 فبراير 2016 بالدار البيضاء ،تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ، استعداد المملكة لتقاسم التجارب والخبرات التي راكمتها في قطاع الفلاحة مع القارة السمراء من أجل تحقيق التنمية، مذكرا في هذا الصدد بنموذج التعاون الناجح في القطاع الفلاحي مع مجموعة بلدان جنوب الصحراء الإفريقية ومنها دولة مالي الشقيقة. وأكد أن المغرب استطاع عبر الثورة الخضراء التي أحدثها المخطط الأخضر أن يحقق نتائج مهمة غيرت المشهد الفلاحي ، وساهمت في تحديث الفلاحة وارتفاع نسبة المكننة وتطوير الفلاحة العائلية. وفي سياق متصل ، أبرز أهمية وفوائد الاستثمار في المجال الفلاحي ، كما هو حاصل في المغرب من خلال مشاريع وبرامج مخطط المغرب الأخضر التي تعطي من سنة لأخرى نتائج مهمة للغاية. ويشكل هذا اللقاء الإفريقي، المنعقد ، تحت شعار ” فلاحة وكهربة تعبئة الطاقات “، أرضية حقيقية للفاعلين الاقتصاديين الأفارقة لمناقشة التحديات التي تواجهها القارة السمراء. التنمية القروية في قانون المالية 2016 تفعيلا للتوجيهات الملكية لتكثيف المجهودات لمحاربة الهشاشة و تغطية النقص الكبير في المناطق المعزولة و الاماكن البعيدة، جاء في المرتكز الثاني لقانون المالية لسنة 2016 المبني على توطيد أسس البناء الاقتصادي المدمج لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية خصوصا بالأطلس و الريف و المناطق الصحراوية، و تحسين البنيات التحتية و الخدمات الاجتماعية الاساسية. و عليه فقد تم تخصيص 55 مليار درهم خلال الفترة 2016-2022 ستصرف بالاساس لانجاز ما يقرب من 20800 مشروع و تستهدف أزيد من 12 مليون مواطنة و مواطن يسكنون أكثر من 24 ألف دوار وقرية.و ستعمد الحكومة بكل مكوناتها على بلورة استراتيجية مدمجة اعتمادا على التراكمات و الانجازات الوطنية و القطاعية، بالموازاة مع صندوق التماسك الاجتماعي و نظام المساعدة الطبية و برنامج تيسير و المباردة الملكية “مليون محفظة”. “صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية” والذي رصدت له أكبر ميزانية في تاريخ قوانين المالية بالمغرب المخصصة للعالم القروي.و نظرا للأهمية الاستراتيجية لهذا الصندوق و رغبة في إبعاده عن كل مزايدة او استغلال سياسوي، وبحكم التداخل الكبير بين الفلاحة و العالم القروي من جهة، و لخلق تناغم بين المنجزات من خلال المغرب الاخضر و تطلعات الساكنة بالعالم القروي فقد تم تكليف وزير الفلاحة للاشراف على هذا الصندوق و التنسيق مع باقي القطاعات في إعداد المشاريع و انجازها. وفي هذا الإطار، أوضح السيد أخنوش أن تنمية العالم القروي تحظى بالأهمية والأولية في عدة مناسبات من طرف جميع مكونات الدولة، وقد عملت وزارة الداخلية على إنجاز دراسة ميدانية لتحديد حاجيات التي سيقوم عليها برنامج التنمية القروية الشامل، والذي يهم جميع جهات المملكة، ونتائج هذه الدراسة، حسب وزير الفلاحة لها أهمية كبرى في وضع استراتجية تنمية العالم القروي والمناطق النائية، وهو ما تحدث عنه بتفصيل الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير. وأشار أخنوش إلى أن وزارة الفلاحة والصيد البحري، ونظرا لطبيعة تدخلاتها والبرامج التي تشرف عليها، كانت دائما معنية بالبرامج التي تستهدف العالم القروي، وقد شهدت السنوات الأخيرة عدة برامج تدخل في هذا السياق، جعلت من الوزارة الفاعل الأساسي في تنمية العالم القروي. وأكد أخنوش، أن الأموال المرصودة لتفعيل استراتجية تنمية العالم القروي، لا تقتصر في تمويلها فقط على صندوق تنمية العالم القروي، وإنما هناك متدخلون آخرون من جميع القطاعات الحكومية، من قبيل صندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الذي تشرف عليه وزارة الداخلية، وصندوق تنمية الطرق القروية الذي تشرف عليه وزارة التجهيز والنقل، بالإضافة إلى صندوق التنمية الفلاحية الذي تشرف عليه وزارة الفلاحة والصيد البحري، والذي يعتبر جزء من مصادر تمويل الاستراتجية الشاملة للعالم القروي والمناطق الجبلية. المواكبة و التكامل باستثمارات فاقت 30 مليار درهم، استفاد من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أكثر من 10 ملايين مواطنة و مواطن، 50 في المائة منهم ينحذرون من العالم القروي، و همت بالاساس التجهيزات الاساسية و برنامج الكهربة القرية و التزويد بالماء الصالح للشرب و الطرق القروية. إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية اعطت دفعة قوية و مؤثرة في إنجاح مخطط المغرب الاخضر و في تحسين الظروف المعيشية بالعالم القروي. أيضا يجدر التذكير بالدور المنتظر من الجهوية الموسعة لتحقيق الدفعة اللازمة لخلق الادماج الاجتماعي و الحد من الفوارق المجالية من خلال إحداث صندوق التأهيل الاجتماعي و صندوق التضامن بين الجهات. قانون المالية خصص 4 ملايير درهم موزعة على 12 جهة لتمويل الاختصاصات الجديدة لها، و تم رصد ما نسبته 2 % من حصيلة الضريبة على الشركات الضريبة على الدخل و % 20 من حصيلة الرسم المفروض على عقود التأمين. و هنا تجدر الاشارة الى التخوفات التي ابداها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مؤخرا من عدم التنزيل السليم لمشروع الجهوية المتقدمة بالمغرب لكون السنة الحالية تتسم بتنظيم انتخابات تشريعية، وتحديات إدماج السياسات القطاعية ، ويبقى العائق الكبير لانجاح الجهوية المتقدمة هو استمرار تدبير الجهة بسيادة نفس المنطق والتدبير المحلي، وعدم الارتقاء بها إلى دورها الاستراتيجي مكملة لدور الدولة بمشاريع وبرامج كبرى. وعليه وجب إعادة النظر في كل آليات التدبير والحكامة على الصعيد الجهوي و المحلي. و هنا لا يفوتني التذكير بالبرنامج الاستعجالي التي اعدته وزارة الفلاحة للتخفيف من آثار النقص في التساقطات المطرية على المحصول الزراعي و بالخصوص على قطاع المواشي و الانشطة المرتبطة به. من خلال تقديم هذا العرض الخاص بالفلاحة و التنمية القروية بقانون المالية لسنة 2016 ، يتضح جليا المكانة المهمة و العناية الخاصة التي توليها الدولة المغربية في برنامجها السنوي و خصوصا ما يهم الفلاح الصغير و المواطن بالعالم القروي من خلال المبالغ المرصودة و التدابير المصاحبة لانجاحه، سواء الاستعجالية منها أو العادية. و يبقى دور القطاع الخاص أساسي في إنجاح قانون المالية و ذلك من خلال خلق شراكات مع القطاع العام من جهة و تشجيع الاستثمارات الخارجية من جهة أخرى .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.