الفلاحة التضامنية: خيار استراتيجي لتعزيز نجاعة إعادة بناء القطيع الوطني واستهداف الفئات الهشة من مربي المواشي
في ظل التحديات المناخية المتزايدة وتأثيرات الجفاف المستمر على القطاع الفلاحي، أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات استباقية عاجلة لضمان استدامة القطيع الوطني الذي يعتمد عليه مئات الآلاف من المغاربة . يأتي برنامج الفلاحة التضامنية المرتكز على تربية المواشي الذي أطلقته وزارة الفلاحة ليكون حجر الزاوية في استجابة فعالة لهذه الأزمة، من خلال تقديم الدعم للفلاحين ومربي الماشية، لاسيما في المناطق المتضررة.
وفي خطوة حاسمة نحو حماية القطيع الوطني وضمان استدامته، أصدر السيد أحمد البوراي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أيام قليلة بعد تعيينه من طرف جلالة الملك تعليمات صارمة تقضي بمنع ذبح إناث الأغنام والأبقار القادرة على التكاثر.
يأتي هذا القرار في إطار الجهود المبذولة للتصدي لأزمة الخصاص في رؤوس الماشية التي شهدها القطاع مؤخراً، بهدف استعادة التوازن في الأسواق الوطنية وتعزيز الأمن الغذائي. ويعد استرجاع وضعية القطيع الوطني إلى مستوياتها السابقة من الأولويات التي تضعها الوزارة ضمن استراتيجياتها لضمان استدامة القطاع الفلاحي ورفع الإنتاجية الحيوانية.
هذا الإجراء يعكس رؤية بعيدة المدى لتحقيق توازن مستدام بين الطلب والعرض في الأسواق، مع الحفاظ على الثروة الحيوانية كركيزة أساسية للمنظومة الفلاحية بالمملكة. كما يُنتظر أن يساهم القرار في تعزيز الممارسات المسؤولة التي تدعم زيادة عدد رؤوس الأغنام والأبقار، ما سيُفضي إلى تحسين الإنتاج الحيواني ودعم الاقتصاد الوطني في هذا المجال الحيوي.
وحسب معطيات رسمية تحصلت عليها مجلة “المحيط الفلاحي “، أطلقت وزارة الفلاحة برنامج طموح في إطار الجهود المبذولة لمكافحة تداعيات الجفاف المتكرر. ويهدف البرنامج إلى مساعدة الفلاحين ومربي الماشية على استعادة قواهم الاقتصادية، من خلال إعادة بناء قطيع المواشي الوطني الذي تأثر بشكل كبير من تقلبات المناخ وندرة الموارد المائية.
وتشمل مشاريع الفلاحة التضامنية التي أطلقها هذا البرنامج، تعزيز تربية المواشي في المناطق التي تعرضت للآثار السلبية للجفاف. وستستهدف هذه المشاريع الفئات الأكثر هشاشة، مثل صغار الفلاحين، مربي الماشية، الشباب القرويين، والنساء القرويات. هذه الفئات تحتاج إلى الدعم الفوري لإعادة بناء مواردها ومواصلة العمل في ظل ظروف التغيرات المناخية الصعبة التي يمر بها القطاع الفلاحي.
من خلال هذه المبادرة، تسعى وزارة الفلاحة إلى تعزيز التنمية المستدامة للقطيع الوطني. فالبرنامج يركز على إعادة إحياء الأنشطة الفلاحية المرتبطة بتربية المواشي في المناطق القروية، ليس فقط لتوفير الأمن الغذائي المحلي، بل أيضًا لتحفيز الاقتصاد المحلي من خلال تأمين دخل مستدام للفلاحين والمربين.
تمت مراعاة الطابع الاستعجالي لهذا البرنامج بتعليمات مباشرة وصرامة من السيد البوراي وزير الفلاحة ودعا الجهات المعنية إلى وضع آلية محددة لضمان تنسيق فاعل بين كافة الهيئات المعنية، وكذلك الفاعلين المحليين. تشمل هذه الآلية تحديد معايير واضحة لاستهداف المناطق المتضررة والفئات المستحقة، بالإضافة إلى وضع إجراءات تنظيمية تضمن تنفيذ المشاريع بشكل فعال.
يعد هذا البرنامج نموذجًا مشرفًا في كيفية دمج الفلاحة التضامنية مع استراتيجيات التنمية القروية المستدامة. ، يساهم البرنامج في تأمين استقرار قطيع المواشي الوطني، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على تعزيز الأمن الغذائي، وهو أحد الأهداف الرئيسية للمملكة المغربية تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله .
وأطلقت وزارة الفلاحة في الأيام الماضية ، بشراكة مع الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز، عملية الإحصاء العام للقطيع الوطني تحت شعار “الكسيبة ديالنا ثروة بلادنا”.
و تهدف هذه العملية حسب الوزارة ، إلى توفير معطيات حديثة حول القطيع، وتركيبته، وتوزيعه الجغرافي، بهدف دعم اتخاذ قرارات فعالة للحفاظ على هذه الثروة الوطنية وتعزيز تنميتها.
الفلاحة التضامنية في إطار استراتيجية الجيل الاخضر المرتكزة على تربية المواشي تمثل نموذجًا مبتكرًا في التعامل مع التحديات البيئية التي تواجه القطاع الفلاحي المغربي. عبر هذه المشاريع، يظهر التزام الدولة بتوفير حلول مستدامة للمشاكل التي تؤثر على القطاع، مما يساهم في تعزيز الأمن الغذائي ، في هذه المرحلة الدقيقة، تعد هذه المبادرة خطوة هامة نحو ضمان استدامة القطيع الوطني وتعزيز قدرة المغرب على مواجهة الأزمات المستقبلية.
لضمان نجاح برنامج الفلاحة التضامنية وتنزيله السليم ، ووصوله إلى الفئات الأكثر تضررًا من الجفاف ، يتعين وضع خارطة طريق شاملة للتتبع والتقييم. تشمل تشكيل لجان ميدانية تشرف عن كثب على تنفيذ مختلف مراحل البرنامج، مع اعتماد تقييم مرحلي دقيق أثناء تنزيله وبعد اكتماله. ويهدف هذا التقييم إلى قياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي للدعم على المستفيدين، وتحديد نسبة نجاعة البرنامج بشكل يُمكّن من تحقيق أهدافه المنشودة وتعزيز مبادئ الكفاءة والعدالة الاجتماعية .
#عادل العربي