العوامل المؤثرة في جودة زيت الزيتون المغربية
أم كلثوم كريمي بنشقرون: تحتل زراعة الزيتون أهمية خاصة على الصعيد الوطني و يتجلى ذلك من خلال المعطيات التالية بحيث أن المغرب يشتمل على 5.4% من المساحة المزروعة بأشجار الزيتون على الصعيد العالمي محتلا بذلك الرتبة السادسة من حيث المساحة. كما أن زراعة الزيتون الوطنية تمثل لوحدها أكثر من 55% من المساحة المزروعة بالأشجار المثمرة على الصعيد الوطني وتمتد هذه الأخيرة على مساحة تقدر ب760.000 هكتار. و تجدر الإشارة إلى أن المغرب كان دائما يطمح إلى الرفع من المساحة المزروعة أكثر فأكثر.
وهذا راجع لكون شجرة الزيتون يمكنها التأقلم مع الظروف المناخية في أغلب مناطق المغرب. أما فيما يخص التموقع الجغرافي لهذه الزراعة، فيمكننا التمييز بين ثلاث مناطق كبيرة تتواجد فيها هذه الشجرة الكريمة على الصعيد الوطني، هذه المناطق هي :
1. منطقة الشمال: تمثل هذه المنطقة 8% من مجموع المساحة الوطنية المزروعة بأشجار الزيتون و هي متمثلة بعمالات : وزان، شفشاون، تطوان و الناظور.
2. منطقة الوسط: و تمثل 41% من مجموع المساحة و تضم عمالات فاس، مكناس، تاونات، تازة وكرسيف.
3. وفي الأخير منطقة الجنوب والتي تمثل 31% من المساحة المزروعة بأشجار الزيتون و هي متمثلة بعمالات تادلة، بني ملال، قلعة السراغنة ومراكش.
يقدر عدد الضيعات الفلاحية التي تتواجد بها زراعة الزيتون بأكثر من 400.000 ضيعة.
كما أن قطاع الزيتون يلعب أدوارا متعددة و مختلفة في بلادنا نذكر من بينها أنه يؤمن ما يفوق 11.000.000 يوم عمل في السنة وهو ما يعادل 55.000 مركز عمل قار. كما يساهم هذا القطاع بشكل كبير في استغلال الأراضي الفلاحية و تثبيت الساكنة القروية في المناطق الهامشية.
بالإضافة إلى أنه يمكن من تزويد: 16000 وحدة تقليدية لإنتاج الزيت،وأكثر من 260 وحدة عصرية لإنتاج الزيت و 50 وحدة عصرية لتصبير زيتون المائدة دون أن ننس الدور الإيكولوجي الذي يتمثل في محاربة عوامل التعرية.
رغم الأهمية التي يكتسيها قطاع الزيتون في بلادنا، فإن هذا الأخير يعاني من مشاكل و معوقات كثيرة و مختلفة تتجلى أساسا في سوء التنظيم الذي يعرفه هذا الأخير، مما ينعكس سلبا على جودة المنتوج كما و كيفا إذ تحول هذه العراقيل دون الرفع من مستوى الإنتاج. يرجع هذا التأثير لعدة عوامل سأحاول التطرق إلى البعض منها، كمالا تخف على أحد أهمية جودة الإنتاج الفلاحي لا سيما و المغرب ماض قدما في مجال العولمة و التبادل الحر.
أما فيما يخص جودة زيت الزيتون فتعتبر نتيجة لمراحل إنتاج الزيتون و تحويله. و هذه العوامل تتضمن الصنف النباتي لشجرة الزيتون، المسار التقني المتبع لإنتاج الزيتون وفي الأخير الطرق المتبعة لاستخلاص زيت الزيتون.
I.الصنف النباتي : ونعني به الحمولة الوراثية التي تحتوي عليها المادة النباتية. فالصنف النباتي يؤثر بشكل كبير على نسبة الزيت والتي تختلف من صنف لآخر. كما أن للصنف تأثيرا كبيرا على خاصيات أخرى لزيت الزيتون كتركيبتها الكيماوية، و مذاقها و كذلك على خاصية استقرارها.و هنا لا داعي للتذكير بالأهمية البالغة التي تكتسيها خاصية استقرار زيت الزيتون بالموازاة مع تسويق هذه الأخيرة. كما أريد أن أشير إلى أن أصناف الزيتون تنقسم إلى ثلاثة أنواع و هي : أصناف صالحة لاستخراج الزيت وهي عموما أصناف ذات ثمرة صغيرة الحجم و تتميز بنسبة عالية من الزيت، أصناف ذات ثمرة صالحة لإنتاج زيوت المائدة و لهذه الأصناف مواصفات تخول لها إمكانية التصبير و التسويق بالطرق الحديثة، كما أن هناك أصنافا صالحة للغايتين في آن واحد و يعتبر الصنف المغربي الأكثر انتشارا من بين هذه الأصناف التي تعتبر صالحة لإنتاج زيتون المائدة و التي تعد نسبة الزيت فيها لا بأس بها عموما (18% كمعدل عام بالنسبة للصنف المغربي). وهنا تجب الإشارة إلى أن المسار التقني المتبع لإنتاج الزيتون يعتبر ذا أهمية كبيرة فيما يخص مصير المنتوج (زيتون المائدة أو زيت الزيتون).
و لقد بينت بعض الأبحاث بأن الصنف النباتي يؤثر على كل مكونات زيت الزيتون بحيث أن نسب هذه الأخيرة تختلف من صنف لآخر.
كما أن للصنف النباتي علاقة وطيدة بالمواصفات المورفولوجية لحبة الزيتون. و لكل هذه المعطيات تأثير على جودة زيت الزيتون و ذلك راجع للعلاقة الموجودة بين هذه الأخيرة من جهة و مؤشر الطزاجة من جهة أخرى.
و هنا تجدر الإشارة إلى أن مؤشر الطزاجة يجب أخذه بعين الإعتبار من طرف منتجي الزيت لتحديد موعد الجني، و ذالك للحصول على أعلى نسبة ممكنة من الزيت علما أن هذه الأخيرة تمر بمراحل مختلفة بحسب اختلاف لون الزيتون، وتكون نسبة الزيت في قمتها عندما تبلغ حبات الزيتون اللون المتأرجح بين وردي- بنفسجي. إضافة إلى الصنف النباتي، هناك عوامل أخرى تؤثر على جودة زيت الزيتون وهذه العوامل تتلخص في المسار التقني لإنتاج الزيتون من جهة وفي طريقة استخلاص الزيت من جهة أخرى.
أما المسار التقني فيتضمن دة عمليات و عدة مراحل و هي كالتالي:
1. المسار التقني لإنتاج الزيتون :
عمليات و عدة مراحل و هي كالتالي:
1- تركيبة التربة، خدمتها و تسميدها: تؤثر هذه العوامل على جودة زيت الزيتون نظرا للعلاقة المتينة الموجودة بينهما و بين تغذية الأشجار التي تتبلور بطبيعة الحال في تركيبة زيت الزيتون و بالتالي في جودتها.
2- كثافة غرس الأشجار و الزراعات المرافقة للزيتون: يؤثر هذان العاملان على جودة زيت الزيتون بشكل كبير و ذلك راجع لارتباطهما بكمية تغذية الأشجار مما ينعكس على التركيبة الكيميائية لزيت الزيتون المنتجة و بالتالي على الجودة العامة لهذه الأخيرة.
3- عملية تقليم الأشجار، الحالة الصحية للحقل و طريقة جني الزيتون.
تؤثر هذه العمليات بشكل كبير على جودة زيت الزيتون و ذلك نظرا لأهمية كل واحدة من هذه المراحل بالنسبة لكمية المنتوج و جودته سواء كان زيتون المائدة أو زيت الزيتون.
فعملية التقليم تعد بالغة الأهمية بحيث أنها تؤمن للأشجار ظروفا أحسن فيما يخص النمو و الإثمار بحيث أن عملية التقليم تؤمن للشجرة إضاءة أكثر و تهوية أفضل مما يساعدها على نمو أحسن.
كما أن عملية التقليم تمكن شجرة الزيتون من التخلص من الفروع التي تشتمل على علامات الأمراض أو الحشرات المضرة بالشجرة بالإضافة إلى الخشب الذي لم يعد صالحا للإنتاج. و نظرا للعلاقة المتينة الموجودة بين الحالة الصحية و جودة زيت الزيتون، فإن عملية التقليم تكتسي أهمية كبيرة بالموازاة مع هذه الأخيرة.
أما فيما يخص طريقة الجني فتعد بالغة الأهمية بحيث أن طريقة الجني التقليدية أي ما يعرف بالجني بالعصي يحدث جروحا على حبات الزيتون مما يؤدي إلى دخول الهواء إليها و يحدث تفاعلات كيميائية ينتج عنها ارتفاع نسبة الحموضة في الزيت المستخلصة من الزيتون، لذا فالطريقة الأمثل لجني الزيتون هي إما قطفه باليد إلا أن هذه الطريقة تعد جد مكلفة فيما يخص اليد العاملة مما يجعل أغلب المنتجين يستعملون العصي للجني.
كما أن هناك طريقة أخرى عصرية و هي ميكانيكية بحيث تستعمل آلات تحدث اهتزاز بجذوع الأشجار مما ينتج عنه تساقط حبات الزيتون في حالة جيدة، و يتم بالتالي جمع المحصول داخل قطع بلاستيكية مما يخول لمحصول الزيتون أن يصل إلى وحدة التحويل في ظروف سليمة .
– تسويق المنتوج: تخزينه و طرق تحويله:
يطرح تسويق المنتوج مشاكل كبيرة و خصوصا بالنسبة للمناطق النائية و التي لا تتوفر على مسالك طرقية تسهل على منتجي الزيتون إيصال محاصيلهم في حالة جيدة، و هذا راجع أساسا إلى سوء تنظيم قطاع الزيتون ببلادنا، بحيث أن الطريقة الأمثل لتفادي هذه المعوقات هي تنظيم الفلاحين داخل تعاونيات مما يسهل عليهم كل العمليات و المراحل المتعلقة بإنتاج و تسويق المنتوج بطريقة صحيحة و ناجعة.
تعد مرحلة تخزين الزيتون حساسة فيما يخص معيار جودة زيت الزيتون و ذلك لتردي الظروف السائدة عموما في المخازن التي تؤدي إلى إحداث تفاعلات كيميائية في الثمار مما يؤثر سلبا على جودة الزيت المستخلصة بحيث أن مستوى الحموضة يرتفع، لذا فمدة التخزين و الظروف السائدة في المخازن لها تأثير بليغ على جودة زيت الزيتون.
أما عن طريقة استخلاص الزيت فتعتبر ذات أهمية قصوى فيما يخص الجودة ، لذا فان زيت الزيتون تختلف كثيرا باختلاف طريقة التحويل. و هنا تجدر الإشارة إلى أنه على الصعيد الوطني تشكل الوحدات التقليدية 2600 وحدة و تمثل بذلك الغالبية المطلقة بالنسبة للوحدات العصرية لاستخلاص الزيت و هذا ما يفسر كون بلادنا تنتج عموما زيتا ذات جودة جد متواضعة في غالبيتها. أما فيما يخص الوحدات العصرية فتمكن من إنتاج زيت ذات جودة عالية مما يخول لها أن تصدر إلى الخارج وذلك لتطابقها مع المعايير الدولية للجودة.
و في الأخير يمكن القول بأن جودة زيت الزيتون ما هي إلا نتيجة حتمية لكل هذه العمليات و المراحل التي تمر بها زراعة الزيتون ابتدءا من صنف الشجرة و مرورا بتقنيات الإنتاج، تخزينه و طرق تحويله.
و لذلك وجب تظافر مجهودات كل المهتمين بقطاع الزيتون و ذلك لتحسين ظروف إنتاج هذا الأخيرو تحويله و ذالك بهدف الرفع من مستوى الإنتاج كما و كيفا. و هنا أريد أن أركز على زيت الزيتون و التي سيساهم الرفع من جودتها في بلادنا من تصدير كميات أكبر من هذا المنتوج والذي أتمنى صادقة أن يتطابق جله مع المعايير الدولية الموضوعة من لدن المجلس الدولي للزيتون في أقرب الآجال إن شاء الله تعالى.
مع العلم أن زيت الزيتون المغربية، و لله الحمد، تتميز عن غيرها بخاصية مذاقية بالغة الأهمية تتجلى في نكهتها الطيبة و السلسة و لذا فإن هذه الأخيرة تحظى باستحسان كبير من لدن كل من له أبسط دراية و علم بمحاسن منتوجات هذه الشجرة المباركة و الكريمة.
* الأستادة أم كلثوم كريمي بنشقرون: مهندسة باحثة بالمركز الجهوي للبحث الزراعي لمكناس