السيد البواري.. صراحة وزير وشجاعة مسؤول في مواجهة تحديات الفلاحة
في ظل موجة الجفاف المتواصلة، والتحديات المتزايدة التي تواجه القطاع الفلاحي، خرج وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، السيد أحمد البواري في ندوة صحافية الخميس على هامش انعقاد المجلس الحكومي ، ليضع المغاربة أمام حقيقة الأوضاع، بالأرقام والمعطيات الميدانية، بعيدًا عن الخطابات الانفعالية والمزايدات غير المستندة إلى وقائع دقيقة.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يتأكد أن القطاع الفلاحي المغربي ليس مجرد مستهلك للمياه، بل هو منظومة حيوية تقاوم في وجه شح الموارد المائية، وتحافظ على الأمن الغذائي رغم قسوة الظروف. فمن بين 80 أو 90% من المياه التي يُتهم القطاع الفلاحي باستنزافها، لا يعتمد الفلاحون إلا على ما تبقى في السدود بعد تخصيص الحصص لمياه الشرب والصناعة والسياحة. ومع ذلك، يواصل الفلاح المغربي الصمود بكل عزيمة وتحدي، رغم أن نصيبه من مياه السدود لم يتجاوز هذا العام 760 مليون متر مكعب، أي أقل من 14% من حاجيات القطاع الفعلية، وهو رقم ينذر بالخطر إذا استمرت شح الواردات المائية.
الأرقام التي كشف عنها السيد الوزير صادمة: مخزون سدود دكالة لا يتجاوز 2%، وهو ما حرم الفلاحين هناك من أي حصة مائية منذ ست سنوات، فيما لم يتجاوز المخزون في تادلة 50%، وفي الحوز 13%، وسوس ماسة 15%. هذه الوضعية تدفع المغرب نحو خيار استراتيجي لا مفر منه: التوسع في بناء محطات تحلية المياه لتأمين مياه الشرب، مما قد يمنح الفلاحة هامشًا إضافيًا للاستفادة من الموارد التقليدية المحدودة.
ورغم الأزمة، تواصل المنظومة الفلاحية المغربية أداءها، حيث بلغت المساحات المزروعة خلال هذا الموسم 3.5 ملايين هكتار، رغم تساقطات مطرية لم تتجاوز 20 ملم خلال شهري نوفمبر وديسمبر، ما أدى إلى تدهور الغطاء النباتي باستثناء بعض المناطق، مثل اللوكوس التي لا تزال تحافظ على وضعية جيدة نسبيًا. لكن هذا لا يعني أن الوضع مطمئن، فالمخزون المائي في السدود لم يتجاوز منذ فاتح شتنبر 1.2 مليار متر مكعب، وهو مستوى ضعيف جدًا مقارنة بالمتوسط المعتاد.
في مواجهة هذه التحديات، لم تبق الوزارة مكتوفة الأيدي، بل اتخذت تدابير لدعم الفلاحين، شملت توفير مليون و300 ألف قنطار من البذور المختارة، ودعم 200 ألف طن من الأسمدة الأزوطية، إضافة إلى دعم الشعير والأعلاف بأسعار مخفضة للحفاظ على القطيع، فضلًا عن دعم زراعات الطماطم والبصل لضمان استقرار الأسعار خلال شهر رمضان المبارك .
الواقع أن الوضعية تستدعي مصارحة وطنية، كما أكد السيد البواري ، فالمياه قليلة، والفلاحة تعاني، لكن الفلاح المغربي يواصل عمله بإرادة صلبة، متمسكًا بأرضه، منتجًا رغم الظروف المناخية الصعبة ، غير أن السؤال الذي يفرض نفسه: هل آن الأوان لإعادة النظر في النماذج الفلاحية التقليدية نحو خيارات أكثر تكيفًا مع ندرة الموارد المائية؟
في زمنٍ تهيمن فيه الخطابات الملتوية والوعود الفضفاضة، جاءت صراحة وزير الفلاحة، السيد أحمد البواري، كنموذج نادر للمسؤولية والوضوح. لم يُخفِ التحديات التي تواجه القطاع، ولم يوارِ حقيقة الوضعية الصعبة التي فرضها شح المياه والتغيرات المناخية، بل قدّم الأرقام والوقائع كما هي، دون تجميل أو تهوين. وهذه الصراحة في حد ذاتها خطوة شجاعة، لأن مواجهة الأزمات تبدأ أولًا بالاعتراف بها، ثم العمل على تجاوزها بإرادة وعزيمة.
لكن الأهم من ذلك، أن الوزير لم يكتفِ بالتشخيص، بل أرسل رسالة تقدير وإجلال للفلاحين والكسابة الذين يواصلون العمل في ظروف صعبة، مؤكدًا أن المغرب، رغم محدودية موارده، قادر على ضمان أمنه الغذائي. وهذا ما يجعل من تصريحاته دعوة مفتوحة لكل الفاعلين والمؤسسات لدعم هذا القطاع الحيوي، ليس فقط بالمساعدات الظرفية، بل بسياسات استراتيجية جريئة تضمن استدامته وتعزز صموده أمام التحديات.
إن صراحة الوزير تستحق التقدير والاشادة ، لكنها أيضًا تلقي على عاتق الجميع مسؤولية التحرك بفعالية، لأن الفلاحة المغربية ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي أساس الاستقرار والأمن الغذائي للمغاربة. واليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يحتاج هذا القطاع إلى رؤية بعيدة المدى والاستثمار في حلول مبتكرة، والتخطيط لمستقبل تُحفظ فيه الموارد المائية، ويُصان الإنتاج الفلاحي، ويستمر المغرب في شق طريقه بثبات نحو سيادة غذائية حقيقية.
اللهم ارحمنا بغيث ينبت الزرع، ويسقي الضرع، ويعمّ به الخير البلاد والعباد.
#عادل العربي