مجلة المحيط الفلاحي

الزرع المباشر والري التكميلي: الحل المستدام لضمان إنتاج الحبوب في مواجهة التغيرات المناخية بالمغرب

يواجه القطاع الفلاحي بالمغرب، وخاصة إنتاج الحبوب، تحديات كبيرة نتيجة التقلبات المناخية. في ظل غياب الأمطار الكافية وتكرار الظواهر المناخية القاسية مثل رياح “الشرقي” الحارة والجافة، يجد المزارعون أنفسهم أمام فترات من الإجهاد المائي الشديد الذي يهدد استقرار محاصيلهم. في هذا السياق، برزت ممارسات زراعية حديثة مثل الزرع المباشر والري التكميلي كحلول واعدة تضمن استدامة إنتاج الحبوب حتى في ظل فترات الجفاف.

الزرع المباشر: تقنية صديقة للبيئة…

تُعد تقنية الزرع المباشر واحدة من الوسائل الفعالة للحفاظ على رطوبة التربة، وهي عامل أساسي لنمو المحاصيل، خصوصًا في المناطق شبه الجافة بالمغرب. وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي توفرها هذه التقنية، فإنها لا تستطيع بمفردها تعويض نقص المياه خلال فترات الجفاف الطويلة، مما يبرز أهمية الري التكميلي كحل إضافي.

الري التكميلي: دعم أساسي في مواجهة الإجهاد المائي…

يُعرف الري التكميلي بأنه عملية توفير كميات إضافية من المياه للمحاصيل عندما تصبح الأمطار غير كافية. على عكس الري التقليدي الذي يعتمد على سقي المحاصيل بانتظام، يتم استخدام الري التكميلي فقط في فترات الإجهاد المائي الحادة، خاصة خلال المراحل الحرجة من دورة نمو النباتات (مثل الحبوب خلال مراحل الإنبات، والحرث، والإزهار).

بتطبيق كميات معتدلة من المياه، تتراوح بين 60 و100 ملم لكل دورة زراعية مع الاعتماد على الأمطار الطبيعية لبقية الموسم، يمكن للري التكميلي تعزيز نمو المحاصيل وضمان استقرار الإنتاج دون هدر الموارد المائية.

حالة دراسية من منطقة الغرب…

شهدت إحدى المزارع في منطقة سيدي قاسم يوم، الجمعة 20 ديسمبر 2024، مثالًا حيًا على فعالية هذه المنهجية. فقد تم زرع قطعة أرض بالقمح باستخدام تقنية الزرع المباشر منتصف نوفمبر. وبعد تأخر هطول الأمطار ومرور رياح الشرقي، اضطر المزارع إلى استخدام نظام الري بالرش لتزويد الأرض بـ15 ملم من المياه لكل هكتار. ونتيجة لذلك، تم إنقاذ المحصول واستعاد نموه الطبيعي، ما يعكس الأثر الإيجابي للري التكميلي المدروس.

نهج مستدام لزراعة الحبوب…

تبرهن تجربة الجمع بين الزرع المباشر والري التكميلي في منطقة الغرب على جدواها الكبيرة. إذ توفر هذه الطريقة للمزارعين فرصة للحفاظ على إنتاج مستقر بغض النظر عن الظروف المناخية. وإذا ما تم توسيع نطاق تطبيق هذه التقنية على مساحة مليون هكتار من الحبوب، مع اعتماد كميات ري تكميلي معقولة (60-100 ملم لكل دورة زراعية) واستخدام تقنيات زراعية حديثة كالبذور المقاومة والإدارة المثلى للموارد، فمن الممكن تحقيق إنتاج يصل إلى 60 مليون قنطار من الحبوب.

هذا التحول النوعي لن يعزز فقط الإنتاجية، بل سيساهم أيضًا في الحفاظ على الموارد الطبيعية وتقليل الاعتماد على الواردات.

مستقبل إنتاج الحبوب بالمغرب..

في ظل التحديات التي يفرضها التغير المناخي، يصبح اللجوء إلى حلول مبتكرة ومستدامة ضرورة لضمان استدامة إنتاج الحبوب في المغرب. ويمثل الجمع بين تقنية الزرع المباشر والري التكميلي في المناطق المناسبة إحدى أكثر الخيارات الواعدة لتحقيق هذا الهدف.

من خلال الاستثمار في هذه الممارسات وتدريب المزارعين على تطبيقها، يمكن للمغرب تعزيز أمنه الغذائي ليصبح نموذجًا يحتذى به في مجال الزراعة المستدامة على مستوى المنطقة.

# محسن عبد الحكيم مهندس زراعي 

رئيس الجمعية المغربية للزراعة الحافظة 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.