مجلة المحيط الفلاحي

الزراعة المغربية بين تحديات المناخ ورهانات الاستدامة: نحو حلول مبتكرة للموسم الفلاحي الحالي..

يأتي الموسم الفلاحي الحالي في ظل سياق مناخي استثنائي وصعب، يشهد تراجعاً حاداً في الموارد المائية بسبب التغيرات المناخية العالمية، التي لم تسلم منها بلادنا. هذا الواقع يتطلب منا جميعاً، أفراداً ومؤسسات، تضافر الجهود والعمل بروح المسؤولية لمواجهة التحديات التي تهدد استدامة قطاعنا الزراعي، الذي يعد ركيزة أساسية لأمننا الغذائي واقتصادنا الوطني.

إن الموارد المائية، التي تعتبر شريان الحياة للزراعة، باتت تواجه ضغوطاً غير مسبوقة. هذه التحديات تفرض علينا إعادة النظر في أساليبنا التقليدية وإيجاد حلول مبتكرة تضمن تحقيق توازن دقيق بين احتياجاتنا الزراعية وحماية مواردنا الطبيعية. وهنا تتجلى أهمية الالتزام الجماعي بتنفيذ سياسات زراعية ذكية ومستدامة، قادرة على مواجهة الأزمات المناخية وتحقيق الأمن الغذائي.

وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أظهرت التزاماً قوياً بمواجهة هذه التحديات عبر سلسلة من المبادرات الطموحة. فقد وضعت الوزارة استراتيجيات شاملة تعتمد على تقنيات الري الحديثة، مثل الري الموضعي، الذي يساهم في خفض استهلاك المياه وزيادة كفاءتها. كما أولت اهتماماً خاصاً لمشاريع تحلية مياه البحر وربط الأحواض المائية، وهي خطوات هيكلية تهدف إلى تعزيز قدرة القطاع الزراعي على التكيف مع التغيرات المناخية.

من جهة أخرى، تعمل الوزارة على دعم البحث العلمي لإنتاج أصناف زراعية مقاومة للجفاف والتغيرات المناخية. هذا إلى جانب تنظيم حملات توعية موجهة للمزارعين، تهدف إلى نشر الممارسات الزراعية المستدامة وتبني التقنيات الحديثة. ولعل أبرز ما تميزت به هذه الجهود هو انسجامها مع رؤية استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030″، التي تهدف إلى تحقيق تحول جذري في القطاع الزراعي، يجمع بين تعزيز الإنتاجية وحماية البيئة.

لكن هذه الجهود الحكومية، مهما كانت كبيرة، لن تكون كافية دون مشاركة فعالة من جميع الفاعلين في القطاع الزراعي. إن التعاون بين المزارعين، والخبراء، والمؤسسات البحثية، والقطاع الخاص هو السبيل لضمان نجاح المبادرات الزراعية. فالإدارة الرشيدة للموارد المائية وتطبيق التقنيات المستدامة ليست مسؤولية جهة واحدة، بل هي مسؤولية وطنية مشتركة تتطلب وعياً مجتمعياً عميقاً وإرادة قوية.

في هذا السياق، نشدد على أهمية التوعية المجتمعية وتعزيز روح المسؤولية الجماعية. إن نجاحنا في تحقيق زراعة مستدامة ومواجهة التحديات المناخية يعتمد بشكل كبير على مدى قدرتنا على تغيير ثقافتنا الزراعية وتبني أنماط إنتاج تحترم البيئة وتحافظ على الموارد.

إننا اليوم أمام فرصة ذهبية لإعادة صياغة علاقتنا بالبيئة، من خلال الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية وتطوير البنية التحتية للمياه. فالأزمات، رغم صعوبتها، تحمل في طياتها إمكانات كبيرة للتحول والتجديد.

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نستحضر قيم التفاني والصبر التي لطالما ميزت المزارعين المغاربة، ونتضرع إلى الله عز وجل أن يبارك لنا في أرضنا ويغمرها بخيراته، وينزل علينا الغيث، ويديم على بلادنا الأمن والاستقرار. إن العمل المشترك بروح الأمل والتفاؤل هو مفتاحنا نحو مستقبل زراعي مشرق ومستدام.

#عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.