مجلة المحيط الفلاحي

الرقمنة في الفلاحة: رهان المغرب لتحقيق الاستدامة والابتكار..

في عالم يزداد ارتباطه قويا بالتكنولوجيا، أصبح التحول الرقمي ضرورة استراتيجية لتطوير القطاعات الحيوية، وعلى رأسها القطاع الفلاحي الذي يعد ركيزة أساسية للاقتصاد المغربي. وفي هذا الإطار، تبنّى المغرب رؤية استباقية تهدف إلى إدماج الرقمنة في الفلاحة، بما ينسجم مع استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030. هذه الاستراتيجية التي تضع الابتكار والاستدامة في صلب أولوياتها، تمثل خارطة طريق واضحة لمواجهة التحديات الكبرى، مثل التغيرات المناخية وضمان الأمن الغذائي وتحسين الإنتاجية.

من بين أبرز المبادرات التي تعكس التزام المغرب بالرقمنة، يبرز القطب الرقمي للفلاحة والغابات، الذي تم إطلاقه في العام الماضي كمنصة متكاملة تجمع بين الابتكار والتكنولوجيا لخدمة الفلاح المغربي، يحمل القطب الرقمي رؤية طموحة تهدف إلى رقمنة 50% من القطاع الفلاحي بحلول عام 2030، مع استهداف مليوني مزارع لتزويدهم بالخدمات الرقمية المبتكرة.

القطب الرقمي ليس مجرد مشروع تقني، بل هو رؤية استراتيجية شاملة تسعى إلى تحويل التحديات إلى فرص، وذلك من خلال تطوير حلول مبتكرة، مثل إنشاء مرصد الجفاف لتقديم بيانات دقيقة حول تطور الجفاف والتنبؤ به، بالإضافة إلى تأسيس مركز لإدماج النساء في العقارات الزراعية، بما يعكس الالتزام القوي بتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة القروية في القطاع الزراعي.

تسعى وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، من خلال القطب الرقمي، إلى إحداث تحول نوعي في القطاع الفلاحي، مستندة إلى التكنولوجيا كأداة رئيسية لتحسين الإنتاجية وتعزيز الاستدامة. فعبر حلول ذكية تشمل استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاستشعار عن بعد وتحليل البيانات، يمكن للفلاحين المغاربة التنبؤ بالظروف المناخية، تحسين استخدام الموارد المائية، والرفع من جودة المحاصيل.

هذا التوجه يضع الفلاح المغربي في صميم عملية التحديث، حيث يصبح شريكاً فاعلاً في استيعاب التكنولوجيا واستثمارها لتحقيق فوائد ملموسة، سواء من حيث خفض التكاليف أو تحسين جودة المنتجات الزراعية، مما يعزز القدرة التنافسية للقطاع الفلاحي المغربي على الصعيدين الوطني والدولي.

إن الاعتراف الدولي الذي حظي به القطب الرقمي يعكس الجهود المبذولة لتحويل الفلاحة المغربية إلى نموذج عالمي يحتذى به. وللاشارة وفي إطار الاحتفال باليوم العالمي للأغذية في الشهر الماضي، منحت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ميدالية تقديرية للقطب الرقمي، تقديراً للدور الريادي الذي يلعبه في دعم التحول الرقمي الزراعي والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. هذا التكريم يمثل دليلاً ملموساً على المكانة المتقدمة التي يحتلها المغرب في مجال الابتكار الزراعي، ويؤكد التزامه بالوفاء بتعهداته تجاه تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاستدامة.

إن ما يميز رؤية وزارة الفلاحة هو تبنيها لمفهوم الرقمنة كحل شامل لمعالجة التحديات الراهنة وبناء مستقبل أكثر إشراقاً. فإلى جانب الفوائد الاقتصادية والتقنية، تركز الاستراتيجية على تعزيز دور التعاونيات الزراعية والمزارعين الصغار، وضمان إدماج النساء والشباب في دينامية التغيير.

إن رقمنة الفلاحة ليست مجرد خيار تقني، بل هي تحول اقتصادي يعكس إرادة المملكة في تحقيق فلاحة ذكية، مستدامة، ومتقدمة تكنولوجياً.

تحت الرؤية السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه  الله، تسير وزارة الفلاحة بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها الطموحة، واضعة نصب أعينها تحسين جودة الحياة في العالم القروي، وتحقيق الأمن الغذائي كأحد أعمدة التنمية الشاملة.

بهذا النهج الطموح، يصبح المغرب نموذجاً يحتذى به في مجال الفلاحة الذكية، ليؤكد مرة أخرى حضوره القوي كمحرك للتغيير الإيجابي، وكرائد في تعزيز الاستدامة والابتكار على الساحة الدولية.

#عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.