مجلة المحيط الفلاحي

التوصل الى مبيد مضاد للفطور المسؤولة عن أمراض ما بعد القطاف عند التفاح

في الصورة :  د.الحسن أشباني مدير البحث، المركز الجهوي للبحث الزراعي مكناس

المحيط الفلاحي مكناس : يساهم المغرب بنسبة 30 بالمائة من إنتاج التفاح بإفريقيا، الأمر الذي يؤهله لاحتلال الدرجة الثانية بعد جنوب إفريقيا. وبالرغم من ذلك، فإن هناك بعض الإكراهات التي تحول دون الإرتقاء بهذا القطاع الى ماهو أفضل، كإتلاف وتدهور الفاكهة أثناء التخزين مما يسبب خسائر كبيرة يمكن أن تصل إلى 30 بالمائة من المحصول، و الناتج بالخصوص عن الأمراض الفطرية المسببة من طرف كل من بوترتيس سنيريا ( Botrytis cinerea)  و بنسليوم اكسبانسوم (Penicilium expansum) و فيزاريوم أفينسوم (Fusarium avenaceum). فبالنسبة للمغرب و مثله مثل باقي الدول و على رأسها دول المغرب العربي، و حسب تحرياتنا و خرجاتنا إلى الميدان، فإن الفطريين الأولين هما السبب وراء التعفنات الكثيرة التي تصيب فاكهة التفاح وكذا الإجاص أثناء التخزين. وتعتبر هذه الخسائرمن الناحية الاقتصادية مهمة جدا، إذ لها تأثير جلي على ثمن البيع الذي يفوق كثيرا القدرة الشرائية لفئة واسعة من الطبقات المتوسطة الدخل.

أما طرق العلاج المستعملة حاليا بكثرة، فهي أساسا المكافحة الكيميائية، حيث تستعمل المبيدات المنتمية لعائلة البانزميدازول (Benzimidazole). و من المعلوم بمكان، أن استعمال هذه المبيدات ينتج عنها، إضافة إلى تلوث البيئة، بروز سلالات ممرضة جديدة مقاومة لها.أضف إلى ذلك، فإن البلدان المستوردة للفواكه وعلى رأسها دول الإتحاد الأوروبي مستمرة في تقنين أكثر فأكثر استعمال المبيدات عبر ترسانة من القوانين التي تحد من اللجوء إليها، لذلك، أصبحت الآن بعض المبيدات محدودة الاستعمال مثل مادة الفانكلوزولين (La vinchlozoline) التي يسمح فقط باستعمالها في التفاح و الإجاص خلال فترة الإزهار، قصد مكافحة مرض العفن الرمادي (Pourriture grise)، كما تم منع استعمال مادة الكابتان (Le captane) في ألمانيا و هولندا بسبب مشاكل السمية الإيكولوجية (Eco-toxicologie) وتم تمديد الفترة الفاصلة بين آخر رشة لهذا المبيد و القطاف. و في المستقبل القريب سوف تمنع في العلاج بعض المبيدات الفعالة المنتمية لعائلة البانزميدازول. كما ينتظر أن تستطحب هذه الإجراءات عملية تخفيض الحدود القصوى لبقايا المبيدات المسموح بها في الثمار، وحسب المعطيات التي تم جمعها في سنة 2004، فإن47 بالمئة من الأغذية التي تباع بأوروبا تحتوي على بقايا المبيدات، أي تقريبا واحد على اثنين من الأغذية ملوث و 5 بالمئة منها تتعدى فيها نسبة المبيدات المعايير الدولية الجاري بها العمل.

لهذه الأسباب، تتجه البحوث نحو إيجاد طرق بديلة للمكافحة الكيميائية تسمح من جهة، بتقليل الخسائر الناتجة عن الأمراض ما بعد القطاف، وتستجيب من جهة أخرى لمستلزمات السوق الدولي، ومن بين هذه البدائل، تحضى المكافحة الحيوية بأهمية كبرى وخصوصا بعد النتائج المشجعة التي تم التوصل إليها خلال العقد الأخير.

وقد أفضت هذه النتائج إلى الحصول على كائنات حية دقيقة مضادة لأهم الأمراض ما بعد القطاف عند مجموعة من الثمار و الخضراوات، تنتمي الى البكتيريا مثل نوع باسيلوس سيبتليس (Bacillus subtulis) و بسودوموناس سيرانجي (Pseudomonas syringae)، أو إلى الخمائر الموجهة ضد فطور بنيسليوم دجيطاطوم (Penicillium digitatum) مثل بيشيا انومالا (Pichia anomala) و كانديدا أوليوفيلا (Candida oleophila) و بيشيا كييغموندي (Pichia guilliermondii) و كانديدا ساكى (Candida sake) واكغيمونيوم بروفي (Acremonium breve). ويعزى الحضور القوي للخمائر ضمن العناصر المضادة المسجلة، كونها تتحمل  ظروف البرد القصوى داخل محطات التخزين، إضافة أن بامكان بعض أنواعها التسامح مع أوساط تتسم بحركية مائية (aw) يمكن أن تصل إلى 0.62. أضف الى ذلك كون الخمائر- مقارنة مع البكتيريا- تمتاز بإيجابيات تؤهلها لتتبوء صفة مبيد حيوي، مثل الإتلاف السريع لعناصر التغذية وانسجامها مع البيئة الحمضية، فضلا أن الخمائر معروفة بأنها لا تشكل خطورة على صحة الإنسان مقارنة مع الكائنات الحية الأخرى.

و يوجد في السوق حاليا 4 مبيدات حيوية تستعمل لمكافحة أمراض ما بعد القطاف عند التفاح و الإجاص مثل أسبير (Aspire) المكون أساسا من خميرة تنتمي إلى كانديدا اليوفيلا (شركة أكوجين- أمريكا)، وبيوسيف 110 (Bisave) المكون من بكتيريا بسودوموناس سيرانجي (شركة ايكسيونس- أمريكا) و اييلد بليس (Yield plus) من خميرة كانديدا ألبيدوس (شركة أنكيرياست، إفريقيا الجنوبية) ومبيد حيوي بلجيكي بيونكست (BioNext) المكون من احدى الخمائر.

هذا و تمر عملية تطوير المكافحة الحيوية الموجهة للأمراض التي تظهر خلال تخزين فاكهة التفاح، بداية عبر مرحلة انتقاء كائنات مضادة لفطور الممرضة المهمة اقتصاديا. بعد ذلك، يتطلب تطبيق هذه الكائنات المضادة و الاتجار بها في نطاق واسع دراسات أولية تهم فعالية التقنيات المستعملة لمعرفة تأثير مختلف العناصر البيئية (الحرارة، الرطوبة، الأشعة…)على تنمية وانتشار وتطور مجموعة هذه المضادات ضمن المجموعات الأخرى الموجودة في العضو المعالج، مما يحتاج إلى إيجاد و تطوير تقنية وسم هذه الكائنات المضادة. ويمكن بواسطة هذه التقنية التشخيص الدقيق للكائن المضاد في البيئة الموضوع فيه، وحمايته تجاريا (الجانب الكمي)، فضلا على أنها تسمح بمتابعة زمنيا حركية ونشاط مجموعة الكائن المضاد (الجانب النوعي). وبالتوازي، يتم دراسة جوانب أخرى تعتبر أكثر أهمية عن المراحل الأولى، مثل الإنتاج المكثف للكائن المضاد الذي تم انتقاؤه وفق معايير بيولوجية (فعالية المكافحة) ومعايير حماية البيئة والأنسان (دراسة بيبليوغرافية)، و صياغة المنتوج وأخيرا تقييم زمنيا مدى قابليته للحياة ومردوديته عند الاستعمال.

في هذا الصدد، ووعيا من المعهد الوطني للبحث الزراعي (مختبر أمراض النبات و المكافحة الحيوية، الوحدة العلمية لوقاية النبات، المركز الجهوي للبحث الزراعي بمكناس) بأهمية البحث عن طرق بديلة للمكافحة الكيميائية، المحافظة للبيئة ولصحة الإنسان والتي يمكن أن تدمج في إطار المكافحة المندمجة ضد الأمراض بصفة عامة و أمراض ما بعد القطاف عند التفاح بصفة خاصة،أنجز دراسة دامت أربع سنوات من الكد و العمل المتواصلين،والتي ترمي إلى تحسين تقنيات تخزين التفاح ومحاربة الأمراض، التي تسبب لوحدها كل سنة خسائر هائلة كما سلف ذكره، وذلك باستعمال المكافحة الحيوية التي تعد الآن القناة الأكثر دراسة وتطويرا خلال العشرين سنة الماضية. لذلك، تم إنجاز المحاور الستة التالية : 1- البحث واستخلاص عزلات مضادة  لمسببي أمراض ما بعد القطاف عند التفاح وهما بوترتيس سنيريا (Botrytis cinerea) و بنسليوم اكسبانسوم (Penicilium expansum) واختيار واحدة منها للدراسة والتمحيص، 2- التشخيص الكلاسيكي و الجزيئي للخميرة المضادة المختارة عزلة 1113.5، 3- دراسة مدى استجابة الخميرة للعوامل الإيكولوجية من أجل فهم ديناميتها وتحسين فعاليتها، 4- دراسة نوعية التضاد للخميرة، 5- تقييم وتطوير إمكانيات إنتاج وبوفرة الخميرة على المستوى المخبري أو على مستوى أكبر عبر المفاعلات البيولوجية “fermenteurs”، وأخيرا 6- دراسة تأثير ظروف التخزين على الاستقرار والقدرة التضادية لخلايا الخميرة المصوغة ضد فطر بنسليوم اكسبانسوم (Penicilium expansum)، أحد المسببين الرئيسيين لأمراض الما بعد القطاف عند التفاح عندنا بالمغرب.

ولقد خلصت اجمالا هذه الدراسة إلى النتائج التالية :

1- تم عزل في هذا العمل من سطح فاكهة التفاح (صنف Golden Delicious) خميرتين Ach1-1 و 1113-5  تنتميان الى نوع اروبازيديوم بليلانس  “Aureobasidium pullulans” تتميزان بقدرة تضادية جد عالية تفوق 82 بالمائة من حماية التفاح ضد expansum P. وcinerea B داخل بيت الإنبات عند درجتين حراريتين 5 و 25±0.5 م. وتم تخصيص واحدة منها وهي 1113.5 لمتابعة أطوار انتاج المبيد الحيوي.

2- تم ايجاد مقاربة للتشخيص تجمع بين استعمال وسط مغد شبه انتقائي تم التوصل اليه وهو “S32″ والوسم الجزيئي “SCAR” الخاص بخميرة 1113.5 المنبعث أساسا من الوسم الجزيئي المحصل عليه عبر تقنية التضاعف العشوائي متعدد الأشكال لسلسلة الدنا “RAPD”.

3- إن عامل مستوى الحموضة على نمو وتطور هذه الخميرة ليس له مفعولا كبيرا على مختلف مراحل التطور باستثناء المستوىpH2″ الذي يكبح نسبيا تطورها. و تبين كذلك أن مستوى الحموضة المثالي لتطورها هو “pH5″. كما أظهرت الخميرة نوعا من التسامح مع أشعة الفوق البنفسجية نوع “B”، فهي أقل حساسية ازاء هذه الأشعة على سطح التفاح مما عليه في اطباق بتري مخبريا. لقد أظهرت دراسة أيضا تأثير نشاط الماء ودرجة الحرارة على نسبة نمو الخميرة وأن متابعة نموها في درجة الحرارة 5 مئوية تتطلب الكثير من الوقت، وأن أحسن نمو لديها سجل في نشاط مائي متراوح بين 0.96 و 0.98 وفي درجة حرارة تقدر بـ25 مئوية.

4- إن نوعية التضاد عند الخميرة هو أساسا التنافس من أجل التغدية، تلعب فيها الأحماض الأمينية دورا مركزيا وخاصة عنصر السيرين “Sérine”.

5- تم انتاج وبكثرة للخميرة باستعمال المفاعل البيولوجية بسعة 10 لتر و تقنية فيد- باتش “ fed-batch ”  بالكليكوز مع درجة الحموضة pH 5 وحصول على وزن جاف نهائي للكتلة الحيويّة يقدر ب 107 غرامات في اللتر. كما تم تجفيف الكتلة الحيويّة المنتجة عن تقنية السرير السائل “lit fluidisé “، والتي أسفرت على  قابلية قصوى للحياة  تقدر بـ60 الى 62 بالمائة. وللحصول على كميات أكبر قصد تجفيفها، تم اللجوء الى المفاعل البيولوجي بسعة 100  لتر.

6- أبان البحث أيضا على أن الخميرة المجففة تحتفظ بنشاطها التضادي تجاه  بنيسليوم إكسبانصوم  بعد 7 أشهر من تخزينها تحت 4 درجات حرارية،  وأن أفضل نشاط تضادي على التفاح المجروح اصطناعيا يحقق بتطبيق الخميرة بتركيز  100000000 خلية في المليليتر الواحد من الماء سواء تعلق الأمر بتجارب مخبرية أو بتجارب على مستوى نطاق واسع.

وأخيرا، لا بد من الإشارة الى القيمة العلمية لهذا البحث الذي يعد الأول من نوعه بالمغرب، بحيث تم خلاله تطبيق جميع المراحل المتبعة دوليا من أجل الحصول على مبيد حيوي من جهة، واستثمار نتائجه علميا، إذ تم نشر 3 مقالات في المجلات العلمية المعتبرة بلجن تقييم، و 10 مقالات في مجلات أخرى و 3 تحت الإنجاز و 9 مقالات مصورة تم عرضها في محافل دولية.

خلاصة، مكنتتا هذه الدراسة من التوصل الى مبيد حيوي ناجع تجاه أمراض الما بعد الجني عند التفاح، مبني على أساس خميرة يستجيب مع جميع مقتضيات وشروط استعمال المبيدات الحيوية على المستوى التطبيقي والتجاري. ويبقى الآن أن ننتقل بالمبيد المحصل عليه من دائرة المخبر وفضاء العلم الى المزارعين و المهنيين، مما سنقوم به مستقبلا ان شاء الله.

د.الحسن أشباني مدير البحث، المركز الجهوي للبحث الزراعي مكناس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.