مجلة المحيط الفلاحي

التكوين الفلاحي في المغرب: رهان استراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة

في عالم يشهد تحولات جذرية وتحديات متزايدة على جميع الأصعدة، من تغيرات مناخية مدمرة إلى ضغوط اقتصادية واجتماعية خانقة، تبرز الحاجة إلى بناء قطاع زراعي قوي ومستدام كخيار استراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي وضمان التنمية المستدامة.

وفي هذا السياق، يعد التكوين الفلاحي في المغرب أحد الركائز الأساسية التي يرتكز عليها هذا الطموح الوطني، باعتباره أداة فعالة لصقل الكفاءات وتنمية المهارات وتطوير الابتكار في القطاع الزراعي.

لقد أدرك المغرب، بفضل الرؤية الاستشرافية لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، أن الزراعة ليست مجرد قطاع اقتصادي تقليدي، بل هي عماد استراتيجي يساهم في تحقيق السيادة الغذائية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وبناءً على ذلك، عملت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات على تطوير برامج تكوينية متقدمة تستهدف تكوين جيل جديد ، المجهزين بمهارات عصرية ومعارف علمية حديثة قادرة على مواكبة التطورات التكنولوجية وتجاوز تحديات المرحلة.

إن الرهان اليوم لم يعد يقتصر على تعزيز الإنتاجية الزراعية فحسب، بل على كيفية تحقيق هذه الإنتاجية بكفاءة عالية مع الحفاظ على الموارد الطبيعية الثمينة. وهنا يأتي دور التكوين الفلاحي، الذي لا يقتصر على الجانب التعليمي النظري، بل يمتد ليشمل التدريب العملي في مزارع نموذجية ومختبرات تطبيقية، تُتيح للمتدربين فرصة التفاعل مع أحدث التقنيات والابتكارات الزراعية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، إدماج تقنيات الزراعة الدقيقة، وإدارة الموارد المائية بشكل مستدام، واعتماد الحلول الذكية لمواجهة تحديات المناخ.

ولا يمكن إغفال أهمية الشراكات بين القطاعين العام والخاص في هذا الإطار، حيث تُعد هذه الشراكات بمثابة العمود الفقري لدعم التكوين الفلاحي وتطويره. فمن خلال الاستثمارات المالية والتقنية التي توفرها هذه الشراكات، تم تأسيس منصات تعليمية متقدمة، ومراكز تكوين مجهزة بأحدث الوسائل، إلى جانب فتح آفاق جديدة للتعاون بين الفلاحين وخبراء الزراعة وشركات التكنولوجيا الزراعية. وبهذا، يصبح التكوين الفلاحي أداة لتعزيز الابتكار، وتحقيق العدالة الاجتماعية عبر تمكين الشباب والنساء من اكتساب مهارات تفتح لهم أبواب العمل والإنتاج.

إن المغرب، وهو يسير بخطى واثقة نحو تحقيق أهداف استراتيجية الجيل الأخضر، يُدرك أن الاستثمار في التكوين الفلاحي ليس مجرد ضرورة مرحلية، بل هو استثمار بعيد المدى يهدف إلى ضمان استدامة القطاع الزراعي على المدى الطويل. فبفضل هذا التكوين، يمكن للفلاحين في مختلف ربوع المملكة أن يصبحوا فاعلين رئيسيين في تحقيق التحول الزراعي يعتمدون على تقنيين ومهندسين ، من خلال اعتماد أساليب إنتاج تراعي البيئة وتحقق عوائد اقتصادية إيجابية.

 يشكل التكوين الفلاحي في المغرب تجسيدًا حقيقيًا للرؤية الوطنية الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. إنه رهان على الإنسان المغربي، وعلى قدرته على التكيف مع التحديات، واستغلال الفرص، والمساهمة في بناء مستقبل زراعي مشرق يحقق الأمن الغذائي، ويحافظ على الموارد الطبيعية، ويجعل من المغرب نموذجًا يحتذى به في إفريقيا والعالم.

#العربي عادل

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.