“التكنولوجيا الدقيقة والزراعة في ظل التغيرات المناخية”: حوار صحفي مع الخبير الزراعي رياض وحتيتا
في ظل التحولات المناخية المتسارعة والتحديات التي يواجهها القطاع الزراعي، تبرز التكنولوجيا الدقيقة كأحد الحلول المبتكرة التي تُعيد تشكيل مستقبل الزراعة. لقد بات من الضروري أن يتحول المزارعون من الاعتماد على الأساليب التقليدية إلى تبني تقنيات حديثة تُمكّنهم من التكيف مع هذه المتغيرات وحماية إنتاجهم الزراعي. في هذا الحوار الحصري مع مجلة “المحيط الفلاحي” ، نلتقي بالخبير والمستشار الزراعي رياض وحتيتا، الذي يشاركنا رؤيته حول الدور المحوري للتكنولوجيا الدقيقة في مواجهة التحديات المناخية وتعزيز الإنتاجية الزراعية في بلادنا.
1/ السيد رياض مرحبا بك في مجلة “المحيط الفلاحي” ، نشكرك على تخصيص هذا الوقت لنا. بدايةً، كيف ترى تأثير التكنولوجيا الدقيقة في الفلاحة على تحسين الإنتاجية الزراعية في ظل التحديات المناخية الحالية…؟
شكراً لكم على الاستضافة. بلا شك، التكنولوجيا الدقيقة أصبحت حجر الزاوية في تطوير القطاع الزراعي، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي نشهدها. هذه التكنولوجيا تتيح للمزارعين مراقبة حقولهم بدقة لم يسبق لها مثيل، سواء من حيث رصد التربة، أو التغيرات في درجات الحرارة، أو حتى توزيع الري. باستخدام الأدوات المتقدمة مثل أجهزة الاستشعار، والطائرات بدون طيار، ونظم المعلومات الجغرافية (GIS)، يمكن تحسين كفاءة استخدام الموارد مثل المياه والأسمدة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتقليل الفاقد. الأهم من ذلك، أن هذه التكنولوجيا تساعد المزارعين على التكيف مع التغيرات المناخية السريعة، من خلال توفير البيانات اللازمة لاتخاذ قرارات سريعة ومدروسة.
2/ تحدثت عن التغيرات المناخية. كيف تعتقد أن هذه التغيرات تؤثر على الزراعة في بلادنا، وما هي الحلول الممكنة للتكيف معها باستخدام التكنولوجيا الدقيقة..؟
التغيرات المناخية أصبحت واقعاً نعيشه يومياً، وتأثيراتها على الزراعة واضحة جداً. نحن نشهد تغيرات غير متوقعة في أنماط الطقس، مثل فترات الجفاف الطويلة، والعواصف المفاجئة، والتقلبات الكبيرة في درجات الحرارة. هذه التغيرات تؤثر سلباً على توقيت الزراعة، نمو المحاصيل، وحتى على التربة نفسها. الحل يكمن في تبني استراتيجيات زراعية تعتمد على التكنولوجيا الدقيقة، التي تتيح للمزارعين التكيف مع هذه الظروف المتغيرة. على سبيل المثال، يمكن استخدام نظم الري الذكي لتقليل استهلاك المياه وتحسين توزيعها، أو تطبيق الأسمدة بشكل أكثر دقة لتلبية احتياجات التربة المتغيرة. كما يمكن استخدام البيانات المناخية في الوقت الحقيقي لتعديل مواعيد الزراعة وحماية المحاصيل من الكوارث المناخية المفاجئة…
3/ إلى أي مدى تعتقد أن المزارعين في بلادنا مستعدون لتبني هذه التقنيات..؟ وهل توجد تحديات تعيق تطبيق التكنولوجيا الدقيقة في الزراعة على نطاق واسع..؟
استعداد المزارعين لتبني التكنولوجيا الدقيقة يختلف من منطقة إلى أخرى، ومن فلاح إلى آخر. في بعض المناطق، نجد أن المزارعين يتقبلون هذه التقنيات بسرعة بسبب الفوائد الواضحة التي تقدمها، مثل زيادة المحصول وتقليل التكاليف. ومع ذلك، هناك تحديات حقيقية، مثل التكلفة العالية للتكنولوجيا الدقيقة، والحاجة إلى تدريب مستمر للفلاحيين على استخدامها بكفاءة. بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في الوعي بأهمية هذه التقنيات في بعض الأوساط، مما يبطئ من عملية الانتقال إلى الزراعة الذكية. أعتقد أن الحل يكمن في تقديم الدعم الحكومي والمبادرات التي تركز على تمويل هذه التقنيات، إلى جانب حملات توعية وتدريب واسعة النطاق للمزارعين.
4/ ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومة والمؤسسات الزراعية في دعم انتشار التكنولوجيا الدقيقة لمواجهة التغيرات المناخية..؟
الحكومة والمؤسسات الزراعية تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في دعم انتشار التكنولوجيا الدقيقة. من خلال توفير الدعم المالي والتقني للمزارعين، يمكن تسهيل تبني هذه التقنيات على نطاق واسع. على سبيل المثال، يمكن للحكومة تقديم قروض ميسرة أو إعانات مالية لشراء معدات التكنولوجيا الدقيقة، وتوفير بنية تحتية ملائمة تدعم هذه التقنيات. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك برامج تدريبية مستمرة للمزارعين، لتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة لاستخدام هذه الأدوات بفعالية. المؤسسات الزراعية يمكن أن تلعب دوراً محورياً أيضاً في نشر الوعي حول فوائد التكنولوجيا الدقيقة، وتشجيع الأبحاث التي تهدف إلى تطوير حلول جديدة تتناسب مع الظروف المحلية.
5/ في نظركم كيف دبرت الحكومة و المؤسسات الفلاحية هده المرحلة من الجفاف و إلى أي حد استطاعت مواجهة أضرار التغيرات المناخية..؟
ستة سنوات من الجفاف ليست بسهلة خاصة و انها فاجأت الحكومة و المغاربة مباشرة بعد مرحلة كورونا. و كتقييم للاجراءات و القرارات التي تم اتخادها في ظل هده الظرفية أرى انها كانت مبنية على معطيات سابقة بخصوص سنوات الجفاف التي مر بها المغرب والتي كانت تأتي كل ثلاث إلى اربع سنوات ممطرة لذلك لم نلمس التدخلات الحكومية إلا في السنتين الأخيرتين و أستحضر هنا تأثير الجفاف على أوروبا في 2015و التي كبدت خسائر هائلة، اذن استطاع الاقتصاد المغربي الصمود على مدى 6 سنوات من التجربة التي يتسقامها اليوم من خلال الندوات و المشاورات مع الدول الأفريقية الشقيقة للاعتبار بالتجربة المغربية في تدبير الجفاف كنمودج في صياغة سياساتها الفلاحية..
6/ أخيراً، ما هي رؤيتك لمستقبل الزراعة في بلادنا في ظل التطورات التكنولوجية والتغيرات المناخية المستمرة..؟
أنا متفائل بمستقبل الزراعة في بلادنا، على الرغم من التحديات الكبيرة التي نواجهها. التطورات التكنولوجية توفر لنا أدوات قوية للتعامل مع التغيرات المناخية، وتحقيق إنتاجية مستدامة. أعتقد أنه مع الدعم المناسب والالتزام من جميع الأطراف والمجهودات الكبيرة المبذولة من طرف وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، يمكننا تحويل التحديات إلى فرص للنمو والتطور. الزراعة الذكية، المعتمدة على التكنولوجيا الدقيقة، يمكن أن تصبح النموذج الأساسي الذي نحتذي به لتحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي. إذا تمكننا من دمج هذه التقنيات بفعالية في استراتيجياتنا الزراعية، فسوف نتمكن من بناء قطاع زراعي قوي وقادر على التكيف مع المستقبل، مهما كانت التغيرات المناخية.
في ختام هذا الحوار، الاستاذ عادل العربي لا يسعني إلا أن أوجه أسمى عبارات الشكر والتقدير لك و لمجلة “المحيط الفلاحي”، التي تعتبر منبراً إعلامياً رائداً يواكب باستمرار أخبار الزراعة ويثري المجال الزراعي بمحتوى عالي الجودة. إن التزام المجلة بتقديم المعلومات الدقيقة والتحليلات المتعمقة يشكل دعامة أساسية لدعم المزارعين والمهتمين بالقطاع الزراعي. كل الشكر لفريق العمل الدؤوب الذي يسهر على تقديم أفضل الخدمات الإعلامية ويساهم بشكل فعّال في تطوير القطاع الزراعي في بلادنا..
أجرى الحوار : عادل العربي