هشام ضفير : يعدون بالآلاف، تكاد تراهم وتجدهم في كل مكان، في كل منطقة ذات نشاط فلاحي، في كل ضيعة، وفي كل شركة؛ كلهم حيوية ونشاط، يسهرون على كل كبيرة وصغيرة، يحرصون على أدق التفاصيل بنظم علمية حديثة يعملون، لا راحة لهم وإن غادروا مقرات وأماكن العمل، صبرهم صبر أيوب، في ظروف قاسية متقلبة الأحوال يشتغلون، معظمهم تحت قيد رب العمل ، الكل في وقته بالثانية والدقيقة، لا مجال لهم للخطأ، يشتغلون لساعات طوال حبا لعملهم .
فيا ترى منهم ؟ عمن نتحدث هنا ؟؟
إنهم جنود مجندة في الخفاء والكواليس بعيدا عن الأنظار، لا يرى لهم أثر في الواجهة ،إنهم أبطال في معركة بناء القطب الأول للإقتصاد الوطني .
إنهم أصحاب مهنة المتاعب الحقيقيين ولا عجب، إنهم التقنيون الزراعيون بالمملكة المغربية، هنا مربط الموضوع سوف نتحدث عن قسم أو جزء مهم من واقعهم المعاش في كل يوم وفي كل لحظة.
خريجي المعاهد الفلاحية بعد سنوات من التكوين والتأهيل بتخصصات وانتماءات مختلفة في الميدان؛ باتوا اليوم في وضعية لا يحسدون عليها ، حب وإخلاص للقطاع ؛ ونضال من أجل وطن فلاحي متقدم، طامحين في تأمين ما تبقى من سنوات عمرهم بمستقبل مريح ملبي للآمال؛ وطمعا في حق مقابل جميل من وطنهم يلقونه ، ينسيهم ما يعيشون من مشاكل وصعاب شق مسير العالم الفلاحي بنجاح
فلعل أبرز ما يئن تحت وطأته التقنيون الزراعيون في المغرب ، هو هزالة وتدني الرواتب والأجور، التي لا تلبي تطلعاتهم ولا توازي ثقلهم وأهميتهم في الميدان ، والتي تختلف وتتفاوت تحث ظل إكراهات من فئة إلى أخرى ومن تقني إلى آخر، بتداخل عوامل وأسباب عدة كل حسب موقعه وتجربته الخاصة ؛ تفسيرات وتحليلات وإن تعددت وتنوعت لكن تتوعد في جوهر الشكوى والأنين وعدم الرضى التام على الأجرة .
تراجع وهزالة أجور التقنيين خاصة في القطاع الخاص راجعة بالأساس حسب بعضهم إلى كثرة الحاصلين على الشواهد و “الديبلومات” و قلة فرص الشغل، بالإضافة إلى عدم تلاحم خريجي المعاهد في الميدان.
بينما هناك آخر يلقي اللوم على المسؤولين على القطاع خاصة وزارة الفلاحة حسب رأيه الخاص و التي يؤكد من خلاله على أن الوزارة أتت بإنجازات هامشية (مخطط المغرب الأخضر) لا ترتقي لطموحاتنا بل لا تناسب مطالبنا المشروعة، مضيفا في هذا الإطار أننا نحن من يسهر على توفير عيش المواطن و نضمن استقراره الغذائي، و نسعى لضمان مطالبه الغذائية. متسائلا في الأخير “أين حقنا في الحياة للإستمرارية في العطاء”.
بينما يضيف آخر أن السبب الحقيقي في نظره هو منافسة العنصر النسوي للذكور في الميدان، و تقبلهن الاشتغال مقابل أجر زهيد، مستهزءا في هذا الجانب أن همهن الوحيد هو تأمين مصاريف المأكل و الملبس فقط، عكس الذكور الذين تنتظرهم مسؤولية إعالة العائلة و تكوين أسرتهم الصغيرة.
إذن، ما يمكن أن نقوله في خضم و ثنايا الواقع الذي يعيش فيه التقنيون الزراعيون في المغرب أنه يفرض علينا إيجاد حلول جذرية بعيدا عن الترقيع و الإنزواء و الانطواء وراء سياسات و برامج جوفاء لا تسمن و لا تغني من جوع و لا تجدي نفعا، فعلى الدولة الآن التفكير مليا اكثر من أي وقت مضى في الوضعية التي يعيشها خريجي المعاهد الفلاحية، و ذلك بنهج مقاربة تشاركية لجميع الأطراف نصيب منها، و اعتماد برامج مندمجة قابلة للتفعيل على أرض الواقع بنجاح، و الحد من ظاهرة التفريخ المفرط للخريجين بدون ضمان مستقبلهم في الميدان، و الذي غالبا ما يصطدم الكثير منهم بصورته المعكوسة للتي كانت ترسم لهم في فصولهم الدراسية.
كعكعة التشغيل و التوظيف لم يعد للجميع نصيب و حظ منها انطلاقا من مجموعة من الإكراهات و المستجدات على الساحة، فأبواب التشغيل العمومي مقفلة و موصدة حتى اشعار آخر، و القطاع الخاص لم يعد بإمكانه استيعاب الأفواج الهائلة من الخريجين، إضافة إلى كونه قطاع غير منظم و غير مهيكل، و لا تحترم فيه الكفاءة و لا تطبق فيه القوانين، لا حقوق تعطى فيه، فكل من يشتغل فيه تحت قيد الواجبات و الأوامر إلى حد الإختناق.