التعاونيات المجالية في المغرب: نموذج رائد لتحقيق تنمية زراعية مستدامة وشاملة..
تشكل التعاونيات المجالية في المغرب نموذجًا فريدًا ومتميزًا يعكس جوهر التلاحم الاجتماعي والتضامن الاقتصادي الذي ينبثق من رؤية استراتيجية لتحقيق تنمية زراعية شاملة ومستدامة.
في ظل التحولات العالمية المتسارعة والتحديات الكبرى التي تواجه القطاع الزراعي، أصبحت هذه التعاونيات ركيزة أساسية تساهم في تعزيز الإنتاجية، وتحقيق الأمن الغذائي، ورفع مستوى معيشة الفلاحين، خاصة في المناطق القروية التي تعد شريانًا حيويًا للنسيج الاقتصادي والاجتماعي للمملكة.
التعاونيات المجالية ليست مجرد إطار تنظيمي لجمع الفلاحين، بل هي منصات متكاملة تعزز التعاون وتبادل الخبرات والموارد، مما يتيح للفلاحين التغلب على العقبات التقليدية التي تواجههم، مثل نقص التمويل وضعف الوصول إلى تقنيات الزراعة الحديثة. في هذه البيئة التشاركية، تزدهر الابتكارات، وتتجدد الحلول، مما ينعكس إيجابيًا على جودة الإنتاج وكفاءة العمليات الزراعية. إن هذه التعاونيات تساهم بفعالية في تحويل النشاط الزراعي من مجرد نشاط تقليدي يعتمد على الجهد الفردي إلى نموذج اقتصادي متطور يعتمد على العمل الجماعي والتقنيات المتقدمة.
وفي هذا السياق، يبرز الدور المحوري الذي تلعبه هذه التعاونيات في تمكين المرأة القروية، حيث توفر لها فضاءً لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية والمشاركة الفاعلة في التنمية المحلية. من خلال إشراك النساء في الأنشطة الزراعية والتعاونية، يتم تعزيز المساواة وإحداث تغيير إيجابي عميق في البنية الاجتماعية والثقافية للمناطق القروية. هذا التمكين الاقتصادي والاجتماعي لا ينعكس فقط على حياة النساء أنفسهن، بل يساهم في تنمية المجتمع بأسره، ويعزز من تماسكه واستقراره.
إن النجاحات التي حققتها التعاونيات المجالية لم تكن لتتحقق لولا الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة، خاصة من خلال وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات والمواكبة الفعالة من طرف وكالة التنمية الفلاحية . بفضل الرؤية الطموحة التي تتجسد في إستراتيجية “الجيل الأخضر”، تم وضع التعاونيات المجالية في قلب التنمية الفلاحية، حيث تعمل الوزارة على تمكينها من خلال برامج الدعم والتأهيل، وتزويدها بالإمكانيات التقنية واللوجستية اللازمة لمواجهة التحديات المتزايدة، خاصة تلك المتعلقة بالتغيرات المناخية وندرة الموارد الطبيعية.
وتتجلى أهمية التعاونيات المجالية أيضًا في تبنيها لممارسات زراعية مستدامة تركز على الحفاظ على البيئة وحماية التنوع البيولوجي. من خلال تعزيز الزراعة العضوية واستخدام التقنيات الصديقة للبيئة، تعمل هذه التعاونيات على تحقيق توازن دقيق بين تحقيق الإنتاجية العالية والمحافظة على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. هذه الجهود تتماشى مع رؤية المغرب الطموحة لتحقيق التنمية المستدامة والأمن الغذائي، مما يضع المملكة في طليعة الدول التي تسعى إلى بناء نموذج زراعي متوازن ومستدام.
وفي ظل هذه الإنجازات، لا تزال التعاونيات المجالية تشكل أفقًا واعدًا للمستقبل، حيث إن تعزيز دورها يتطلب مزيدًا من الجهود لدعمها وتطويرها. فالتعاون بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب تعزيز التكوين المهني والتوعية بأهمية العمل التعاوني، يشكل أساسًا لبناء تعاونيات قادرة على مواجهة تحديات الحاضر واستثمار فرص المستقبل.
في النهاية، تبقى التعاونيات المجالية رمزًا لقوة الوحدة والتكامل في تحقيق التنمية الزراعية الشاملة. بفضل تضافر جهود الفلاحين والمؤسسات الحكومية، تسير هذه التعاونيات بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتحقيق نهضة زراعية تجعل من المغرب نموذجًا عالميًا يحتذى به في مجال التنمية الزراعية المتوازنة والشاملة.
#عادل العربي