مجلة المحيط الفلاحي

التربة… شريان الحياة في مواجهة التصحر والجفاف

التربة ليست مجرد غطاء أرضي أو مكون بيئي بسيط، بل هي شريان الحياة الذي يمد الإنسانية بكل مقومات البقاء. إنها الحاضنة التي تنبت فيها الزروع، وتنبعث منها الحياة للنظم البيئية المتنوعة، ما يجعلها ركيزة أساسية للأمن الغذائي والتنمية المستدامة. ومع ذلك، تعاني التربة اليوم من تدهور متسارع وخطير  بفعل التصحر والجفاف، وهما تحديان بيئيان يهددان حاضر البشرية ومستقبلها جمعاء ، ويتطلبان استجابة عاجلة ومبتكرة.

في هذا السياق، انطلقت يوم الاثنين التاسع من  دجنبر 2024، في العاصمة السعودية الرياض، أعمال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب16). ويهدف هذا المؤتمر إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التصحر والجفاف، وإيجاد حلول عملية لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة وضمان استدامتها. ومن بين المشاركين، يبرز المغرب كفاعل رئيسي في هذا الحدث، ممثلاً بوفد رفيع المستوى  ليؤكد مجدداً التزامه الراسخ بالتعامل مع القضايا البيئية وفق رؤية جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، المبنية على استراتيجيات طموحة وشاملة.

إن استراتيجية “غابات المغرب 2020-2030″ و”الجيل الأخضر” ليست مجرد مخططات على الورق، بل هي برامج رائدة تهدف إلى تعزيز التكيف مع تغير المناخ، حماية الموارد الطبيعية، وتحقيق التنمية المستدامة. وهذه الرؤية الملكية تتجلى في المبادرات المبتكرة التي قدمها المغرب خلال المؤتمر، والتي تمثل نموذجاً يحتذى به عالميًا.

ومن بين الأصوات البارزة التي أضاءت أعمال المؤتمر، يأتي اسم الدكتور رشيد مصدق، الباحث البارز في المعهد الوطني للبحث الزراعي والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا). في مداخلته المتميزة، سلط الدكتور مصدق الضوء على المخاطر الجسيمة التي يشكلها التصحر والجفاف على التربة والنظم الزراعية والغاوبية، خاصة في المناطق القاحلة. وأوضح أن الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية، إلى جانب التغيرات المناخية وندرة المياه، يؤديان إلى فقدان التربة لخصوبتها، ما يهدد الأمن الغذائي وسبل عيش المجتمعات القروية.

كما استعرض الدكتور مصدق المبادرات المغربية الرائدة التي تمثل استجابة علمية وعملية لهذه التحديات، مثل الزراعة المحافظة على الموارد، التي تهدف إلى حماية صحة التربة وزيادة إنتاجيتها، والزراعة الحراجية التي تدمج الزراعة مع الغابات لتعزيز التنوع البيولوجي. بالإضافة إلى ذلك، سلط الضوء على أنظمة رصد الجفاف التي تعتمد على البيانات الجغرافية والمعلوماتية، ونظم معلومات التربة الرقمية المدعومة بشراكات دولية مثل مشروع “Soil4Med” بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” .

لم تقتصر المداخلات المغربية على عرض الحلول، بل ركزت على أهمية تعزيز التعاون الدولي، خاصة بين دول افريقيا  جنوب-جنوب ودول شمال-جنوب. كما دعا الوفد المغربي إلى زيادة التمويل المناخي وتوسيع آليات اعتماد الكربون لدعم مشاريع استعادة التربة والمراعي. هذه الدعوات تعكس إدراك المغرب العميق بأن التصحر والجفاف ليسا مشكلتين محليتين، بل تحديين عالميين يتطلبان جهداً دولياً متكاملاً.

إن مشاركة المغرب في مؤتمر الأطراف في الرياض ليست مجرد حضور رسمي، بل هي شهادة على التزام المملكة بقضايا البيئة والتنمية المستدامة. إنها رسالة تحمل في طياتها أملاً بأن الحلول المبتكرة، القائمة على العلم والتعاون الدولي، قادرة على مواجهة أكثر التحديات إلحاحاً. وبوجود خبراء متميزين مثل الدكتور رشيد مصدق، ومبادرات رائدة تعكس رؤية جلالة الملك، يثبت المغرب مرة أخرى أنه نموذج يُحتذى به في مواجهة التحديات البيئية، وتعزيز استدامة الحياة على هذا الكوكب.

لقد أصبحت التجربة المغربية في مكافحة التصحر والجفاف مصدر إلهام للعالم، وتأكيداً على أن حماية التربة، التي تشكل أساس الحياة، ليست خياراً بل ضرورة لضمان مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة للأجيال القادمة.

#عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.