البحث العلمي: ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الفلاحية المستدامة في المغرب
تشكل الزراعة في المغرب إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، إذ تلعب دورًا حيويًا في تحقيق الأمن الغذائي، وخلق فرص العمل، ودعم الاستقرار الاجتماعي في المناطق القروية. ومع التحديات المتزايدة التي تفرضها التغيرات المناخية، وندرة الموارد الطبيعية، والتقلبات الاقتصادية العالمية، أضحت الحاجة إلى البحث العلمي والابتكار الزراعي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
إن الاستثمار في البحث العلمي الزراعي ليس ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لمواكبة التحولات العالمية في هذا القطاع الحيوي. فمن خلال تطوير حلول علمية وتقنيات مبتكرة، يمكن تحسين الإنتاجية الزراعية، وتعزيز القدرة التنافسية للمحاصيل المغربية في الأسواق الإقليمية والدولية. وتعد مشاريع البحث والتطوير العمود الفقري لتحقيق زراعة مستدامة وقادرة على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
تتعدد أبعاد الإسهام البحثي في الزراعة المغربية، بدءًا من تطوير أصناف زراعية جديدة مقاومة للجفاف والأمراض، بما يساهم في تقليل الخسائر وتحسين جودة المحاصيل. كما تبرز أهمية تقنيات الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط وإدارة المياه باستخدام الذكاء الاصطناعي، في تحقيق استخدام أكثر كفاءة للموارد المائية، وهو ما يعد عاملًا حاسمًا في ظل التحديات المرتبطة بندرة المياه.
إلى جانب ذلك، تساهم الأبحاث العلمية في تحسين إدارة التربة من خلال تقنيات تحليل التربة واستخدام الأسمدة بشكل دقيق وفعال. كما أن الاستثمار في تقنيات الزراعة الرقمية، مثل الاستشعار عن بعد واستخدام الطائرات بدون طيار، يفتح آفاقًا جديدة لتحسين الأداء الزراعي وتقليل التكاليف.
لا يقتصر دور البحث العلمي على تطوير التقنيات، بل يمتد إلى بناء القدرات البشرية وتعزيز المعارف التقنية لدى الفلاحين. إن دمج المعرفة العلمية مع التجربة العملية يساهم في رفع كفاءة الإنتاج وتقليل الهدر، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي ومستوى المعيشة في المناطق القروية.
وفي هذا السياق، يأتي دور وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، التي تبذل جهودًا لدعم البحث العلمي، ضمن استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030”. هذه الاستراتيجية الطموحة تؤكد على أهمية الابتكار والتكنولوجيا كوسيلة لتحقيق تنمية فلاحية مستدامة، ترتكز على تحسين الإنتاجية، وتحقيق الأمن الغذائي، وخلق بيئة زراعية أكثر قدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية.
إن مستقبل الزراعة في المغرب يعتمد على مدى قدرتنا على توظيف العلم والتكنولوجيا لخدمة التنمية الفلاحية، مما يتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين: من باحثين ومهنيين ومؤسسات حكومية وخاصة. علينا توفير بيئة ملائمة للباحثين، ودعم مشاريعهم ، وضمان ربط نتائج البحث العلمي بالتطبيقات العملية في الميدان.
إننا على يقين بأن الزراعة المغربية قادرة على أن تصبح نموذجًا يحتذى به إقليميًا ودوليًا في الابتكار والاستدامة، إذا ما استمرت الجهود الدؤوبة في تعزيز البحث العلمي وتطويره. فالاستثمار في العلم اليوم هو الاستثمار في مستقبل زاهر للأجيال القادمة، حيث تتعانق التكنولوجيا مع الطبيعة لتقديم حلول تعزز منازع الاستدامة والازدهار.
#العربي عادل