البحث الزراعي وإيكاردا يطوران حبوباً مقاومة للتغيرات المناخية.. نحو زراعة مستدامة وأمن غذائي في المغرب
في ظل التحولات المناخية المتسارعة التي يشهدها العالم، أصبح تعزيز مرونة النظم الزراعية واستدامتها قضية ملحة تتصدر أولويات التنمية، خاصةً في دول مثل المغرب التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة لضمان معيشتها وتحقيق اكتفائها الذاتي. ومع تزايد تأثيرات الجفاف والتغيرات المناخية، تتنامى الحاجة إلى ابتكارات نوعية في هذا القطاع لدعم قدرته على الصمود أمام التحديات البيئية. ومن هذا المنطلق، تأتي الشراكة الاستراتيجية بين المعهد الوطني للبحث الزراعي والمركز الدولي للأبحاث الزراعية بالمناطق الجافة (إيكاردا) كمثالٍ رائدٍ على التعاون العلمي الفعّال تحت رعاية وزارة الفلاحة، حيث يتضافر الجهدان لتطوير أصناف جديدة من القمح والشعير، قادرة على مواجهة قسوة الجفاف وتتمتع بخصائص غذائية عالية تلبي احتياجات السكان وتدعم جهود المملكة في تحقيق الأمن الغذائي.
يبرز هذا التعاون المثمر كخطوة استراتيجية تسعى إلى تحقيق نقلة نوعية في الإنتاج الزراعي الوطني. وقد تُوّجت هذه الجهود المشتركة بتطوير ستة أصناف جديدة من القمح الصلب والشعير التي تُعد موجهة خصيصاً للتكيف مع التغيرات المناخية الصعبة في المناطق الجافة وشبه الجافة بالمغرب، حيث تعاني هذه المناطق من شح الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، مما يهدد استقرار الإنتاج الزراعي ويزيد من هشاشة الأمن الغذائي. هذه الأصناف المقاومة للجفاف، مثل القمح الصلب “نشيط” و”جبل” و”جواهر”، وأصناف الشعير “شفاء” و”آسية” و”خناتة”، تأتي لتوفر للفلاحين خيارات زراعية ذات مردودية أفضل، بما يعزز من قدرتهم على التكيف مع الظروف المناخية المتقلبة ويوفر لهم فرصاً أوسع للنجاح حتى في أصعب الفصول.
إن هذا الإنجاز العلمي ليس مجرد خطوة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، بل هو تعزيز لمكانة المغرب على خارطة الأمن الغذائي ، ويعكس رؤية طموحة تعزز سعي المغرب لتصبح نموذجاً يحتذى به في مجال التكيف مع التغيرات المناخية والابتكار الزراعي. كما يُعد هذا الإنجاز ركيزة أساسية لتحقيق أهداف استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030″، والتي تسعى إلى خلق منظومة زراعية متكاملة ترتكز على الاستدامة، وتلبي الاحتياجات المحلية وتعزز مناعة الزراعة المغربية في وجه الأزمات المناخية.
وفي هذا الإطار، لا يمكن إغفال الدور المحوري الذي تقوم به وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، إذ تبذل جهوداً حثيثة لتحويل هذا التعاون العلمي إلى واقع ملموس يحقق نتائج اقتصادية واجتماعية ملموسة للفلاحين والمزارعين. فالوزارة تدرك أن ضمان الأمن الغذائي يتطلب توجيه دعم مستمر للفلاحين الصغار والمتوسطين، سواء من خلال توفير البذور المعتمدة ذات الجودة العالية والمقاومة للتغيرات المناخية، أو من خلال تقديم الإرشادات والتدريب على التقنيات الزراعية الحديثة. كما تضع الوزارة ضمن أولوياتها دعم مشاريع البحث والتطوير، التي تساهم في استحداث حلول زراعية متقدمة تُعزز من الإنتاجية وتحقق توازناً دقيقاً بين حماية البيئة وزيادة الإنتاج الزراعي.
علاوة على ذلك، تسعى وزارة الفلاحة إلى تهيئة الظروف المناسبة للفلاحين من خلال تطوير شبكات الري وتحسين إدارة الموارد المائية، مما يساهم في مواجهة التحديات المناخية بكفاءة أكبر ويخلق بيئة زراعية مرنة وقادرة على التكيف. وتتجلى هذه الجهود في برامج الدعم الموجهة، التي تتيح للفلاحين الوصول إلى الأدوات والموارد اللازمة، بما يضمن استدامة القطاع الزراعي ويساهم في تحقيق الأمن الغذائي للمملكة على المدى البعيد.
وفي ظل هذه الجهود المتكاملة، يقف الفلاح المغربي اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، حيث يتيح له هذا الدعم المتواصل والمبتكر تحقيق عوائد زراعية متطورة، ليس فقط من خلال زيادة الإنتاجية، بل أيضاً من خلال تحقيق مردودية اقتصادية تُساهم في تحسين أوضاعه المعيشية، وتمنحه الأمل والثقة في مستقبل القطاع الزراعي. كما يعزز هذا النهج الشامل من مكانة المغرب كدولة رائدة في تبني سياسات زراعية مستدامة، ويؤكد التزامها بخلق نموذج زراعي قادر على مواجهة تحديات العصر وتحقيق الأمن الغذائي الشامل، ليس فقط كهدف وطني، بل كإسهام مهم في الأمن الغذائي الإقليمي والعالمي.
#عادل العربي