مجلة المحيط الفلاحي

الاستثمار في شباب العالم القروي: استثمار في طاقة الوطن ومستقبل التنمية..

يُعَدُّ الاستثمار في الشباب ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة في أي مجتمع، وخاصة في العالم القروي حيث يواجه الشباب تحديات فريدة تتعلق بفرص التعليم، والتوظيف، والبنية التحتية، والخدمات الأساسية. إن تعزيز دور الشباب في المناطق القروية يمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق التنمية المتكاملة، وهو ما يتطلب توفير الفرص الاقتصادية والاجتماعية التي تُمكّنهم من المشاركة الفعّالة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

في هذا السياق، نجد أن العناية بالشباب القروي واستثمار إمكانياتهم لا يقتصر على تحسين حياتهم فقط، بل يمتد ليشمل إسهامهم في بناء مجتمعات قوية ومستدامة. فقد أثبتت الدراسات أن دعم الشباب، خاصة في مجالات المقاولات الفلاحية والمشاريع الزراعية الصغيرة، يساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي ويُخفف من حدة الفقر والهجرة نحو المدن.

أدركت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات في المغرب الأهمية القصوى لتعزيز دور الشباب في العالم القروي، فعملت على إطلاق برامج متعددة  تدخل في إطار إستراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030” تهدف إلى دعم أبناء الفلاحين والشباب المقاول من أجل تمكينهم من تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. ومن بين هذه البرامج، نجد برنامج “المقاولات الفلاحية الشبابية” الذي يستهدف تشجيع الشباب على إقامة مشاريع فلاحية مبتكرة وقابلة للاستدامة، مما يساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحقيق الأمن الغذائي في المناطق القروية.

وللاشارة إستراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030” أولت اهتمامًا خاصًا لفئة الشباب بهدف تكوين جيل جديد من رواد الأعمال الزراعيين من خلال دعم التوظيف والعمل الحر.

وفي هذا السياق، خططت استراتيجية الجيل الأخضر لأربعة محاور تدخل وهي: التعبئة والتنمية لمليون هكتار من الأراضي الجماعية، مع تطوير عرض مخصص للشباب. بالاضافة تشجيع الشباب في مجال ريادة الأعمال وإنشاء الأنشطة في الخدمات الزراعية والرقمية ،و دعم الشباب لاستئناف واستغلال الأراضي الزراعية، مع إنشاء آلية لنقل الجيل بين الأجيال. وكدلك تحسين عرض التدريب وإيجاد بيئة مواتية للتوظيف.

وفي ما يتعلق بتنمية ريادة الأعمال للشباب، تتوقع استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030 تنفيذ برنامج مخصص لدعم الشباب الذين يحملون أفكارًا لمشاريع، من خلال الوصول إلى الأراضي وخاصةً في إطار عرض تنمية الأراضي الجماعية ومن خلال ريادة الأعمال في خدمات الزراعة بحلول عام 2030 أو في إطار التحول بين الأجيال.

ومن بين أبرز المبادرات التي تسهر عليها الوزارة أيضًا، تلك المتعلقة بتقديم الدعم التقني والمالي للشباب الراغبين في الاستثمار في المجال الفلاحي. فقد تم تسهيل الولوج إلى التمويل من خلال شراكات بين الوزارة والمؤسسات المالية الوطنية، بهدف تمكين الشباب من الحصول على القروض بشروط ميسرة. كما تقدم الوزارة برامج تكوينية تهدف إلى تحسين المهارات التقنية والإدارية للشباب المقاولين، مما يعزز من فرص نجاح مشاريعهم ويُقلل من نسب الفشل.

علاوة على ذلك، قامت الوزارة بتقديم الدعم لأبناء الفلاحين في مجالات التعليم الفلاحي والبحث العلمي الزراعي، حيث تم إحداث مؤسسات تعليمية متخصصة في المجال الزراعي لتأهيل الشباب وتحضيرهم لدخول سوق العمل الزراعي أو تأسيس مشاريعهم الخاصة. هذه الجهود تهدف إلى سد الفجوة بين الاحتياجات الفلاحية المتزايدة والإمكانات البشرية المتاحة، مما يُساهم في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة في المناطق القروية.

إن نجاح برامج دعم الشباب المقاول في العالم القروي يرتبط بشكل وثيق بإدماجهم في استراتيجيات التنمية الوطنية. فهم لا يشكلون فقط فئة عمرية ذات قدرات إنتاجية هائلة، بل يمتلكون أيضًا الطاقة والأفكار المبتكرة اللازمة لمواجهة التحديات التي يمر بها القطاع الفلاحي. وفي ظل التطورات التقنية والتحولات المناخية العالمية، فإن الحاجة إلى شباب مؤهل وقادر على استيعاب هذه التحولات أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

خلاصة القول، الاستثمار في شباب العالم القروي ليس مجرد ضرورة اقتصادية، بل هو استثمار في مستقبل البلاد ككل. إن تمكين الشباب في المناطق القروية من الحصول على فرص متكافئة في التعليم، التكوين، والتمويل، هو الضمانة الحقيقية لتحقيق التنمية المستدامة والمساهمة في استقرار المجتمعات القروية ونموها.

ومن هنا، يتعين على مختلف الفاعلين، سواء من القطاعين العام والخاص، تكثيف الجهود لتقديم الدعم للشباب القروي وإيجاد الحلول المبتكرة التي تلبي احتياجاتهم وتتيح لهم تحقيق طموحاتهم، بما يعود بالنفع على المجتمع بأسره.

#العربي عادل

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.