خسائر مادية في الأسطول الإسباني للصيد
تقرير إخباري : استحوذ قرار تعطيل اتفاقية الصيد البحري المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوربي من طرف البرلمان الأوربي، على اهتمام العديد من الأوساط السياسية والاقتصادية. وبعد أن تزامن هذا القرار مع تعثر مفاوضات الاتحاد الأوربي مع موريتانيا حول مستوى التعويضات عن السماح للأسطول الأوربي بالصيد في المياه الإقليمية الموريتانية، فقد بات من المؤكد أن كل اتفاقيات الشراكة التي أبرمها الاتحاد الأوربي مع شركائه ستكون موضوع مراجعة. وإذا كانت مصالح وزارة الخارجية المغربية قد صرحت بذلك علنا، فإن تكليف البرلمان الأوربي بمهمة تأخير أو عرقلة الاتفاقيات المبرمة مع الحكومات الأوربية ممثلة في اللجنة الأوربية، سيؤخذ مأخذ الجد من طرف كل الشركاء الذين ينتظرون من الاتحاد الأوربي أن يكون قاطرة للتقدم وليس فرملة لعرقلته.
القرار الأوربي أضر كثيرا بالأسطول الإسباني ، الذي قدر حجم خسائره، بفعل الحرمان من الصيد طيلة شهرين، بحوالي 36 مليون أورو. وإذا كان الحكومة الإسبانية قد بادرت إلى مطالبة الاتحاد الأوربي بتعويضها عن هذه الخسائر، فإن مجرد مقارنة هذا المبلغ بقيمة التعويض السنوي الذي يحصل عليه المغرب سنويا، والبالغ 36.1 مليون أورو يقتضي، في حالة الاقتصار على اعتماد المنطق الاقتصادي والمالي، الاعتراف بأن المغرب هو المستفيد الأكبر من قرار تعطيل الاتفاقية، ذلك أنه يتيح للمغرب إمكانية تعويض الأسطول الأوربي بأسطول مغربي وتطوير قدراته التصنيعية واللوجيستيكية ليتحول إلى منتج ومصدر قادر على تموين الأسواق الأوربية والإفريقية والآسيوية بحاجياتها من الأسماك العالية الجودة.
من المحقق أن دولا أوربية أخرى تضررت من قرار البرلمان الأوربي، وخاصة منها البرتغال التي تعتمد الأسماك المصطادة في المياه الإقليمية المغربية كمادة أولية لمنافسة صادرات المغرب السمكية في مختلف الأسواق الدولية، والفضل في تطوير صناعة المعلبات بالبرتغال يعود بشكل خاص للأسماك المغربية المصنعة في البرتغال. ومع أن هذا الوضع لا يخدم المصالح المغربية، فإن حرص المغرب على الدفع بعلاقات الشراكة إلى مستوى تحقيق الأهداف المعلن عنها في مؤتمر برشلونة هو الذي جعله يقبل ببعض التضحيات، وهو الذي جعله يعمل بشكل جدي على ملاءمة تشريعاته وقوانينه مع التشريع الأوربي. وإذا كان الاتحاد الأوربي قد اعترف للمغرب بهذه المجهودات ودخل معه في مفاوضات متعددة لتفعيل صفة «الوضعية المتقدمة» وإعطائها مدلولها الحقيقي، فإن ما يسترعي الانتباه هو أن حرص المغرب على تسريع وتيرة التصديق على المعاهدات والاتفاقيات، لا يوجد له مثيل في الضفة الشمالية لحوض البحر الأبيض المتوسط، إذ لم يصدر عن المفوضية الأوربية المعبرة عن رأي الحكومات الأوربية ما يؤكد حرصها على الدفاع عن الاتفاقيات التي أبرمتها مع الحكومة المغربية.
لقد احتضن المغرب ما بين 7 و 9 من الشهر الجاري جلسات جديدة من المفاوضات، وكان من المؤمل أن يكون الطرف الأوربي هو الأكثر حرصا على إضفاء طابع الجدية على هذه المفاوضات، ولكن يبدو أن المغرب لم يعد يواجه فقط الإشكاليات الناتجة عن كونه يتفاوض بشكل انفرادي مع مجموعة من الدول الموحدة، وعن كونه يتحمل، بفعل موقعه الجيو استراتيجي، كلفة محاربة الهجرة السرية وتهريب المخدرات ويحقق عدة انتصارات في مجال تفكيك الخلايا الإرهابية، وإنما صار من المفروض فيه أن يتحمل كلفة الابتزاز الذي يتخذ من وحدته الترابية ورقة ضغط تستعمل دون مراعاة حتى للمواقف الأوربية الصادرة عن الهيئات المعنية بالعلاقات السياسية للاتحاد الأوربي مع شركائه.
إذا ما استمر الاتحاد الأوربي في تعطيل وعرقلة كل الاتفاقيات التي يتوصل إليها المغرب مع المفوضية الأوربية، فهذا معناه أن علاقات الشراكة ستدخل منعطفا جديدا، منعطفا على المغرب أن يستعد له بمراجعة نمطه الإنتاجي وبالبحث عن زبناء جدد، فالشراكة التي ترضخ لمنطق الابتزاز والمس بسيادة الدول الشريكة، ما هي في الواقع إلا حنين للمنطق الاستعماري القديم المبني على التفرقة والاستعباد. فمساندة المغرب في أوراش الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية لن تتوقف بتعطيل اتفاقية الصيد البحري أو غيرها من الاتفاقيات، بل على العكس من ذلك إنها تحتم على كافة دول جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط أن تستفيد من التحولات التي عرفتها المنطقة، وتبادر إلى إحياء المغرب العربي الكبير خاصة أن تبعات الأزمة الاقتصادية المالية لسنة 2008 دفعت بدول الاتحاد الأوربي إلى اتخاذ مواقف متناقضة ومتضاربة قد تحول الاتحاد الأوربي من قاطرة تجر دول الجوار في اتجاه التقدم إلى قاطرة تعتمد في مواصلة سيرها على سلب طاقات باقي الدول.
عبد القادر الحيمر