مجلة المحيط الفلاحي

إفريقيا في مواجهة الاحتباس الحراري..صرخة كوكب يُناضل من أجل البقاء

بينما تدفع القارة الإفريقية ثمناً باهظاً لظاهرة لم تكن يوماً سبباً رئيسياً فيها، تتجلى آثار الاحتباس الحراري بأقسى صورها في كل زاوية من هذا الجزء المهم من العالم. رغم أن مساهمة إفريقيا في الانبعاثات الكربونية العالمية لا تتعدى سوى  نسبة ضئيلة، إلا أن معاناة شعوبها من التغيرات المناخية ترسم ملامح واقع قاسٍ يتحدى سبل العيش والتنمية المستدامة على حد سواء.

الاحتباس الحراري، الذي يتمثل في الارتفاع التدريجي لدرجات الحرارة بسبب تراكم الغازات الدفيئة، ألقى بظلاله الثقيلة على إفريقيا من خلال سلسلة من الكوارث الطبيعية التي لم تُبقِ ولم تذر. موجات الجفاف الحادة تستنزف الأراضي الزراعية، وتجعل مساحات شاسعة غير صالحة للإنتاج. وفي المقابل، تتسبب الفيضانات والعواصف المتكررة في دمار البنية التحتية، وتشريد آلاف الأسر، وتهديد الاستقرار الاجتماعي في العديد من الدول.

الزراعة، الشريان الأساسي لحياة ملايين الأفارقة، أصبحت اليوم في قلب المعركة ضد التغيرات المناخية. تقلبات الطقس ونقص المياه يزيدان من تعقيد التحديات اليومية التي تواجهها هذه القارة. المحاصيل الزراعية تتراجع، والأمن الغذائي يتلاشى تدريجياً، ما يجعلنا أمام كارثة إنسانية تتطلب استجابة عاجلة ومبتكرة.

في هذا الإطار، تبرز الزراعة الذكية مناخياً كحل ضروري لمجابهة هذه التحديات. إن استخدام تقنيات ري متطورة، وتطوير أصناف نباتية مقاومة للجفاف، واستغلال تقنيات الزراعة المحافظة على البيئة، ليست مجرد خيارات، بل هي خطوات حتمية لضمان مستقبل أكثر استدامة للقطاع الزراعي في إفريقيا.

لا تقتصر أزمة التغيرات المناخية على الزراعة فحسب؛ بل تمتد إلى المياه، المورد الأثمن والأكثر ندرة في القارة. ارتفاع درجات الحرارة وتسارع تبخر المياه يؤديان إلى تناقص الأنهار والبحيرات، ما يهدد سبل عيش الملايين الذين يعتمدون على هذه المصادر للشرب والزراعة.

وفي مواجهة هذا الواقع المعقد، تبدو استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية كطوق نجاة للقارة الإفريقية. تعزيز إدارة الموارد الطبيعية، بناء القدرات المحلية، ودعم البنية التحتية المائية والزراعية، أصبحت أولويات ملحّة. لكن هذا الجهد يتطلب شراكات قوية بين الدول الإفريقية نفسها، وأيضاً دعماً دولياً يتجاوز حدود المؤتمرات والشعارات إلى توفير تمويلات حقيقية وبرامج فعّالة.

هنا يبرز دور المبادرات العالمية مثل الصندوق الأخضر للمناخ، الذي يُعتبر ركيزة أساسية لدعم مشاريع التخفيف والتكيف. كما أن اتفاقية باريس للمناخ تُمثل بارقة أمل لتوحيد الجهود العالمية نحو هدف مشترك يتمثل في الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين.

إفريقيا، القارة التي لطالما أبهرت العالم بثرواتها الطبيعية وتنوعها الثقافي، تجد نفسها اليوم في مواجهة تحدٍ وجودي يهدد مستقبلها. إن مكافحة الاحتباس الحراري ليست مجرد معركة بيئية، بل هي اختبار عالمي لقيم العدالة والتضامن. لا يمكن للعالم أن يترك إفريقيا وحدها في مواجهة هذه الظاهرة. فالتغيرات المناخية لا تعرف الحدود، وحماية القارة هو جزء من حماية الكوكب بأسره.

الوقت لا ينتظر، والساعة تدق. على إفريقيا أن تنهض بجهودها، وعلى العالم أن يساندها. فما بين معاناة اليوم وأمل الغد، تظل القارة السمراء رمزاً للصمود في وجه التحديات، وشريكاً أساسياً في بناء مستقبل أكثر استدامة وإنسانية.

#عادل العربي

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.