أهل الجنوب الشرقي: نموذج للقيم الأصيلة والصبر في مواجهة التحديات..
أهل الجنوب الشرقي من المغرب يمثلون نموذجاً رائعاً للتعايش والتآخي، وقد عُرفوا عبر الأجيال بطيبتهم وأخلاقهم العالية. يعيش هؤلاء الناس في مناطق غالباً ما تكون وعرة وقاسية، لكنهم استطاعوا، بفضل إرادتهم القوية، أن يجعلوا من تلك الأرض الجافة مكاناً نابضاً بالحياة والتفاؤل. يتمتعون بروح مرحة وإحساس عميق بالمجتمع، مما يجعلهم مثالاً للقناعة والنقاء. تراهم يستقبلون الزوار بكرم لا يوصف، مبتسمين دائماً، غير متأثرين بصعوبات الحياة المادية، بل ينظرون إليها كجزء من الرحلة.
إن أخلاق أهل الجنوب الشرقي تتجلى في تعاملاتهم اليومية فتجدهم يتمسكون بالقيم الأصيلة التي توارثوها عبر الأجيال. قيم مثل الأمانة، الصدق، والشهامة، هي أساس حياتهم الاجتماعية.
كما أن الروابط الأسرية والاجتماعية قوية جداً في هذه المناطق، حيث يتم تقديم المساعدة والدعم لبعضهم البعض في كل وقت، سواء كان ذلك في الأفراح أو الأحزاح.
يمثل أهل الجنوب الشرقي أيضاً مثالاً يحتذى به في القدرة على التكيف مع الظروف المناخية الصعبة. فرغم قلة الموارد في بعض المناطق، تجدهم دائماً يحاولون الاستفادة من كل ما تقدمه لهم الأرض من خيرات. إنهم فلاحون بامتياز، يعرفون كيف يحولون الصعاب إلى فرص، ويواجهون التحديات بروح التفاؤل والصبر. لقد تعلموا أن يكونوا مكتفين بما يملكون، متعففين في طلباتهم، قانعين بما تقدمه لهم حياتهم البسيطة.
إلى جانب حياتهم الاجتماعية، يظهر تميز أهل الجنوب الشرقي في تمسكهم بالثقافة والتراث. يتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم، سواء في الأفراح أو المناسبات الدينية. تجدهم دائماً يحتفلون بفرح وبساطة، مؤمنين أن السعادة الحقيقية لا تأتي من المظاهر، بل من التواصل العميق مع العائلة والأصدقاء، ومن الحفاظ على العلاقات الإنسانية النقية.
تتميز هذه المناطق أيضاً بكونها مصدر إلهام لكل من يسعى لفهم معنى الصبر والتفاؤل. في ظل الظروف الاقتصادية والمناخية التي قد تكون قاسية في بعض الأحيان، يظل أهل الجنوب الشرقي نموذجاً للرضا والقدرة على التأقلم. فمهما كانت الصعاب، تراهم يعملون بإخلاص ويثابرون دون شكوى أو تذمر.
ومن خلال مهمة إعلامية سابقة لي إلى إقليم طاطا، تعرفت عن قرب عليهم وعلى كرمهم وضيافتهم . لقد كانت تجربة لا تُنسى حيث لمست بنفسي مدى سخاء أهل هذه المنطقة وروحهم الإنسانية العميقة. لم يتركوا مناسبة دون أن يرحبوا بي كواحد منهم، فكانت زيارتهم مليئة بالحب، والاحترام، والتبادل الثقافي الغني الذي يعكس قوة الترابط المجتمعي في الجنوب الشرقي.
نجدهم أيضاً دائماً “نيشان نيشان”، وهو تعبير يرمز إلى الصدق والاستقامة في التعاملات. ليس لديهم وقت للتظاهر أو الرياء، فهم واضحون في نواياهم وتصرفاتهم، مما يجعلهم يكسبون احترام كل من يتعامل معهم. الشجاعة، الكرم، والتفاني هي صفات ترافقهم أينما ذهبوا.
من الجدير بالذكر أن أهل الجنوب الشرقي يعيشون حياتهم ببساطة وإخلاص، دون أن يشعروا بالحاجة إلى التفاخر أو التباهي بما يملكون. إنهم مكتفون ذاتياً بفضل روابطهم الاجتماعية القوية وقيمهم العميقة. هذه القيم التي تجعل من المجتمع هناك متماسكاً ومتآلفاً، حيث يتمتع الجميع بالاحترام المتبادل والدعم المتواصل.
أهل الجنوب الشرقي في المغرب يواجهون تحديات تنموية حادة، تتمثل في نقص الخدمات الأساسية، البنية التحتية المتدهورة، هذه المناطق تحتاج إلى خطة تنموية شاملة ترتكز على تحسين القطاعات الحيوية مثل التعليم، الصحة، وغيرها ، بالإضافة إلى تعزيز البنية التحتية وتوفير فرص العمل، لضمان مستقبل أفضل ومستدام لسكانها.
نسأل الله أن يحفظ أهل الجنوب الشرقي من كل سوء، ويجنبهم البلاء، وأن يديم عليهم نعمة الأمن والأمان. فهم يمثلون جزءاً مهماً من تراث المغرب الأصيل، ويستحقون كل التقدير والاحترام لما يقدموه من مثال حي للإنسانية والقيم النبيلة.
#عادل العربي